صحيفة المثقف

يعْبُركَ الوقت..!

yasamyna hasybi لا تُلقِ بالاً لجرحكَ الغائرْ..

دعْهُ يفاجئها كمشهد من فيلم أمريكي..

ستصرخ حين تراكَ:

وَااااوْ... حبيبي جُـرحكَ معبّرٌ جدّا!

ستَسْحبكَ من يدكَ صوبَ ظلالها الداكنة.

وتستبيح رُوحــكَ العزلاء دون إذن منكَ، تهمس في أُذنكَ بأنوثة بالغة:

سأعيشكَ بكل عاهاتكَ!

تخبركَ بجرأة عاشقة أنها احتفظت بكَ داخلها طوال فترة غيابك!

ستحدّثكَ بإسهابٍ عن شوقها الذي قد يتحوّل إلى غرفة تعذيب فيما بعدُ.

في لحظة ذهول..

ستجد نفسكَ مطوّقا من كل الجهات بحبّ ليس لكَ به علم!

تمامًا كما طوّقتكَ حرب لم تستطعْ أن تميز فيها بين العدوّ والصديق..

تماما كتلك العمائم المتأمركة التي نبتتْ كالفُقاع في أرضك.

وكرائحة ثوبكَ..

ثوبٌ ليس على مقاسكَ، ولا على ذوقكَ، تنبعث منه رائحة الدّم البائتْ!

وأنت "المغوار لفظاً" لا تعرف أبدًا أَهُوَ دم صديق أم عدوّ.

تخشى أن تسألكَ: ممّن كان ثأركَ؟

فيتلعثم وجهك القاحل ويهطل بالندم..

لكن إياكَ أن تستهينَ بذكائها:

تعرف تماماً أنَّكَ لا تملك حجة واحدة لتبرير حربٍ دخلتَها بعقلٍ كسيحْ!

تعرف أنَّكَ عُدْتَ جسدًا بلا روح..

ووجهًا بلا إسم!!

وأن الجثث ما زالت تطاردكَ بنباح الطوائف.

تعرف أنَّكَ أصبحتَ يتيم الوطن وتيبّسَتِ الرمال المتحركة على فمكَ..

والوقتَ يعبركَ في دخان سجائركَ!

لا تستهنْ بذكائها:

هي امرأة لا تؤمن بالأحلام..

تدركُ بأن الحلم في أوطاننا أصبحَ بطعم الخيانة، ينغرز في خاصرة الرّوح كطعنة سكّين..

يتردّد صداه في المدى بلكنة غريبة:

فرّق.. تَسُدْ

فرّق.. تَسُدْ!

قلتَ لها ما بين زفيرين: أودّ أنْ أتكوّم كحزمة حطب في خيمة طفل لاجئ!

فضحكت حتى جرشتْ ضحكتها جسدكَ المتقرح..

قالت بدهاء:

نبرة صوتكَ مزيّفة كثورة أصابتْ وطنًا وتركته مَرمِيّا على قارعة الحرب!

 

تُدرك بحاسة الانثى، أن العمر لن يكفيها لرحلة واحدة بدواخلكَ.

تعرف أنك حزن فاقع السخرية وروحك المجرودة معلقة على باب الصحراء..

 

لكنها ستكونكَ بلا قيد أو شرط ولن تستقيل منك إلاّ لأسباب "سياسية"!

ستداعب روحك الميتة كل يوم بأصابعها القصيرة..

وتتجول حافية في رئتِك اليمنى!

ستدعوك للعشاء..

وفي بيتها المرتّب بذوق امرأة تعيش بلا تلفاز منذ خمس سنوات،

ستحدّثكَ عن أخبار الحارة:

عن جارك الشاب الذي ترك الجامعة وأطلق لحيته دفاعا عن.. الله!!

عن أبناء الخالة "سكينة" الذين اقتتلوا في حفل زفاف بسبب "نكتة سياسية".

ستُحدثكَ أيضاً عن تورط الأستاذ "عادل" في شحنة أحقاد طائفية مستوردة من الخارج.

وبحكم أنها اعتنتْ بِقِطّتك في غيابكَ..

ستدخُل شأنك الذي لم يعد له شأن ثم تصبح زوجتك على سنة الله ورسوله.

ستتزوجكَ وكأنكَ حبة القمح الأخيرة بعد الحصاد!

ودون أن تهتم لرأيكَ..

ستركض في اليوم التالي إلى أقرب صيدلية لتشتري حبوب منع الحمل، فلا رغبة لديها في إنجابِ أطفالٍ بعاهات طائفية!

 

ياسمينة حسيبي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم