صحيفة المثقف

جميل حمودي من اقطاب الفن العراقي المعاصر (18)

khadom shamhodعندما نتكلم عن فنان عراقي او عربي لا يعني بالضرورة اننا نطرح فنانا صاحب مدرسة او نظرية او اطروحة فكرية جديدة، انما نؤرخ مرحلة مهمة من تاريخ الفن المعاصر برز فيها عدد من المبدعين والنوابغ والمهار والصناع الذين سجلول حضورا بصريا نشطا وساهموا في تنشيط حركة التشكيل خلال حياتهم الفنية والثقافية .. ..

فالتغيير والثورة الفنية والادبية التي حدثت في اوربا في اواخر القرن التاسع عشر انما تمثل تلك القوى الدافعة للبشرية تدرجا نحو الكمال حيث ويشير ذلك الى الوعي الفكري الذي يشعر الانسان بوجوده الشخصي ويجعله اكثر فهما للمحيط والحاضر والماضي الذي عاشه ويعيشه الفنان والمثقف .

كما ان الدورة الحضارية للحياة الفنية والثقافية دائما تصل الى مرحلة تشعر بها ان هناك فراغ فكري وليس هنالك من جديد فاذا بها تكر الى الخلف ولكن بشكل لولبي صاعد، كما حدث في عصر النهضة الاوربية عندما رجعت الى الثقافة الاغريقية والرومانية .. لكن مع الاسف ان هذا الحراك والمدد الفكري والفني لم نجد له انعكاسا واثرا ريحانيا في المحيط العربي بسبب التخلف المتعمد والاضطهاد من قبل الاستعمار العثماني الذي امتد عدة قرون ... كل ذلك دفع كثير من الفنانين و المثقفين من العرب بالهجرة الى الشمال .

 810-jamil

جميل حمودي:

جميل حمودي واحد من اوائل الطلبة الذين حطوا في باريس عام 1946 للدراسة والاطلاع على ما وصل اليه الغرب من تطور في مجال الفنون، تلك الفنون التي عملت قطيعة مع المدرسة الكلاسيكية واصبحت انقلابا ثوريا على الماضي القديم ..ويذكر ان حمودي اثناء دراسته التفت الى اهمية التراث وتوظيفة في عملية الابداع، وكان من اوائل العرب الذين خاضوا تجربة ادخال الحرف العربي في التشكيل (و قيل منذ عام 1942 )فرسم القباب والمآذن والواجهات القديمة ورفدها بالتشكيلات الحروفية الجميلة .. (ولم ار اشرف واقدس من الحرف العربي آتي اليه لاشبع به عطشي للتعبير والابداع ...)

في بداية عقد الاربعينات ظهرت مجموعة من الشباب في باريس اخذوا يرسمون على جدران الشوارع وعربات القطارات، وكان هؤلاء الفتيان قد استخدموا في اعمالهم الحروف كعنصر تشكيلي او اعلاني مركب مع بعض الاشكال الرمزية والتجريدية الزخرفية وقد انتشرت هذه الظاهرة من الرسوم في شوارع واحياء باريس، وكان من بين هؤلاء الفنان الفرنسي المعروف دوبوفيه 1901_1985 . وكان حمودي في هذه الفترة حاظرا في باريس وليس غريبا ان يتأثر بهذه الظاهرة الفنية العفوية للشباب ..؟؟ يضاف الى ذلك ان الفنان السويسري بول كلي 1879_1940 هو اول من لفت نظر الفنانين العرب الى اهمية الحرف العربي في التشكيل عندما زار تونس ومصر عام 1914 ومكث فيها فترة طويلة منبهرا بالفن الاسلامي وتقاليد العرب، وقد ادخل الحرف العربي في بعض لوحاته ..

وقد كان ولازال الحرف العربي يمثل عنصرا من عناصر التراث الفني و يمثل من ناحية صوتا روحايا سماويا ومن ناحية اخرى عنصرا تشكيليا جماليا يزين المساجد والسجاد والملابس وكان الواسطي (القرن الثالث عشر م) قد رسمه على اردان ملابس الاشخاص ثم حذى حذوه الفنانون المسلمون المتأخرون . كما ان ابن حيان التوحيدي (القرن الحادي عشر) في رسالته _ علم الكتابة _قد تطرق الى جمالية الخط العربي وشروط الوصول الى هذه الريحانة الجمالية وكيف ان يبدع الكاتب بها .. وايضا ورد الحديث عن جمالية هذا الخط في رسالة اخوان الصفا وتركيب الحروف ورمزيتها واشكالها وانها مولودة من الدائرة وقطرها وبالتالي اصبحت الحروف لها خاصيتين هما الصلابة والليونة مترابطة في تناغم جميل ومذهل وهو ما استغله بعض الفنانين العرب في الفن ......

 

السيرة الذاتية:

يعتبر جميل حمود دائرة معارف فهو ناقدا وشاعرا ورساما ونحاتا ورائد للفن قام بعدة نشاطات فنية وثقافية وجهود مميزة ومتعددة سبق بها معظم الرواد .. ولد في بغداد عام 1924 ودرس في معهد الفنون الجميلة في بغداد ثم تابع دراسته في بارس عام 1946 . اسس مجلة _عشتار_ في باريس باللغة الفرنسية عام 1952، اصدر في بغداد مجلة _الفكر الحديث _ عام 1945، شارك في معارض جماعة اصدقاء الفن عام 1941 وجمعية الفنانين العراقيين وجماعة البعد الواحد التي اسسها الفنان شاكر حسن آل سعيد عام 1970 ويذكر انه من المؤسسين الرئيسين لهذا التجمع وانه هو الذي اضافة عبارة (الفن يستلهم الحرف) . ..اسس قاعة اينانا للفنون التشكيلية في بغداد حيث كانت تقام فيها المعارض الفنية والندوات الثقافية .... وقد مارس الكتابة والنقد وله بحوث ومقالات فنية منذ الاربعينات . كما قام برحلات ثقافية ومحاضرات وندوات في كثير من الدول خاصة في فرنسا . و كان اول معرضا شخصيا له في باريس عام 1950 وفيه ادخل الحرف العربي في تشكيلاته الفنية الرائعة . ويذكر بأن الفنانة مديحة عمر كانت هي اول من اشتغل واهتم بالحرف العرب وادخاله في الاعمال الفنية كعنصر من عناصر التشكيل سبقت بها جميل حمودي حيث اقامت لها معرضا شخصيا عام 1949 في واشنطن . ومن اعمال جميل حمودي النحتية الخالدة هي تماثيل ابو العلاء المعري والرازي وابن سينا .

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم