صحيفة المثقف

ماريانو فورتوني .. السلسلة الذهبية للفن الاسباني (18)

khadom shamhodيعد بعض النقاد ماريانو فورتوني Mariano Fortuny بانه من اهم الفنانين الاسبان بعد الفنان الكبير غويا، كما يعتبره البعض من عباقرة الفن الاوربي ... ورغم عمره الفني القصير لكنه بلغ من التفتح الوجداني والعقلي والحس الفني ما جعله في صف حضور الفنانين العالميين وقد عاش طراز وثقافة عصره التي تنطوي على دوافع الاصلاح والتقويم، جنبا الى جنب مع مواطنه الفنان الكبير سورويا (بلنسية Sorolla 1863 -1923 ) صاحب مدرسة الالوان المشرقة واللمسات الساحرة .

820-fortuny 7وكان القرن التاسع عشر الذي عاشه الفنان قرن مخاض وصراع بين طراز فن المطابقة وبوادر ظهور فن جديد وما تضمنه من الظواهر العديدة المتطورة والمتجددة وقد وجد هذا الفن الطريق امامه مسدودا امام ظهور الحركة الانطباعية، وكان فورتوني واحد من الممهدين لهذا الحراك والتحول الجديد ... وكان نشاطة الكبير والمحموم وعمره القصير اثار دهشة النقاد وتجار اللوحات فقد عاش 36 سنة ولكن هذه السنوات القليلة الزاخرة بالنشاط الفني تعادل ما عمله بعض كبار الفنانين خلال حياتهم الطويلة .. وبالتالي فان طول العمر او قصره امام عملية الابداع لا يعني شيئا، بل ان الانجازات الفريدة والمميزة هي التي تسجل رقما متقدما عالميا سواء كان ذلك في حقل الفن او الادب او غيرة .. وقد رأينا خلال التاريخ ان منجزا فنيا او ادبيا مميزا واحدا احيانا يأخذ شهرة كبيرة و يرفع صاحبه الى القمة مثل كتاب مقامات الحريري البصري ورواية دون كيخوتة لثربانتس وغيرهم ... وتذكرنا حياة فورتوني ايضا بالفنان الامريكي Michel Basquiat 1960_ 1988 _ميغيل باسكيت الكرافيتي الذي عاش فترة قصيرة بلغت 28 سنة ولكن عبقريته لفتت انظار تجار اللوحات فأخذوا يتهافتون عليه كالذباب ...

 

فورتوني - السيرة الذاتية

820-fortuny 4ولد فورتوني في مدينة طركونة Tarragona عام 1838 في قرية Reus وكانت هذه المدينة احد المدن العربية فقد حكموها منذ سنة 713 الى سنة 1129 .. ومن آثارها الاسلامية التي لازالت باقية هي الكاتدرائية الكبيرة التي كانت مسجدا ثم حولت الى كنيسة ولازال المحراب لحد هذا اليوم ماثلا وعليه كتابات عربية بالخط الكوفي اما السور فقد هدم عام 1868..

اليوم المدينة تعتبر اوربية الطراز والتطور ويفدها سنويا ملايين السواح لجمالها وطيب جوها خاصة مدينة سالو Salu التي اصبحت قبلة للسواح والباحثين عن حمام الشمس ..

كان والد فورتوني لديه ورشة للنجاره يعمل فيها . وعندما توفت والدته كان عمره 11 سنة فأحتضنه جده وتولى رعايته وتربيته . وكان هذا الجد يصنع تماثيل من الشمع ويبيعها في الاسواق وكان الطفل فورتوني يساعده في تلوين تلك الاشكال وعرضها وبيعها .. وهكذا بدأت علاقة فورتوني بالفن من خلال هذا النشاط الفني التجاري .. ولما رأى الجد ان الطفل لديه موهبة فنية وحب شديد للرسم ارسله الى احد الفنانين لتعلم ودراسة قواعد الرسم والتلوين وهو الفنان دومنغوا سوبيرانو Domingo Soberano . في عام 1852 غادر الجد القرية ومعه الطفل متجها نحو برشلونة مشيا على الاقدام بحثا عن المعيشة . ونتيجة للظروف الصعبة اضطر الجد العمل بمسرح العرائس والعيش من خلاله ... وعندما استقر الاثنان في برشلونة، سجل فورتوني في اكاديمية الفنون الجميلة لدراسة الفنون عام 1853..

 

حاته الفنية:

وفي اثناء دراسته في الاكاديمية كان يتردد على ورشة الفنان والاستاذ الكبير Lorenzale حيث كان يتعلم احدث التقنيات والابداع ويزيد من افقه في حقول المعرفة وكان هذا الاستاذ ينتمي الى جماعة فنية تدعى ناثاريسم nazarenism _ ويبدو ان الاسم فيه نبز اندلسي (ناصري) - من بني نصر الذين حكموا غرناطة) وقد اثرت هذه الجماعة في اسلوب وتقنيات فورتوني وربما كان احد اعضائها .. وبعد التخرج حصل فورتوني على زمالة من الحكومة المحلية في برشلونة لدراسة الفن في روما عام 1858 و خلال تلك الدراسة تأثر بفناني عصر النهضة والجداريات المنفذة في داخل الفاتيكان وخاصة باسلوب رافائيل .. وبعد عودته الى برشلونة وصف فورتوني روما بانها اشبه بحقل مقبرة قديمة يردها الزوار للاطلاع على تاريخ الاقدمين . كانت مواضيع اعماله في هذه الفترة تدور حول الدين والاسطورة والتاريخ متبعا في اسلوبه تقنيات واقعية كوربيه والانطباعية وكان يهتم بالتفاصيل احيانا مع لطخات انطباعية ساحرة وفرشة طليقة وعفوية وحيث يعمل فيها الضوء والظل دورا جميلا ..

820-fortuny 2في عام 1860 نشبت حرب بين اسبانيا والمغرب على اثرها احتلت اسبانيا بعض المدن والاراضي المغربية وقد طلب من فورتوني من مرافقة القطعات العسكرية الاسبانية حيث اخذ يصور الاحداث والمعارك التي تجري هناك . وهي عادة يعمل بها سابقا مع الفنانين في اوربا مثلما حدث مع زعيم المدرسة الكلاسيكية الجديدة دافيد حيث طلب منه نابليون بمرافقة الجيوش الفرنسية اثناء حروبها الخارجية . وكان الفنان قد ادهشته تلك البيئة الشرقية وتلك التقاليد والعادات والضوء والالوان المشرقة الحارة الساطعة . وقد رسم كثير من اللوحات حول المجتمع المغربي وظروف الحرب، ومن اشهر اعماله هي لوحة - معركة تطوان - وهي لوحة مستطيلة كبيرة تمتد عدة امتار، موجودة اليوم في المتحف الوطني في برشلونة، وقد زرت ذلك المتحف وشاهدت اللوحة ...

و بعد عودته من المغرب سافر عام 1870 الى باريس وزار متاحفها وعرض اعماله في احد الصالات ثم سافر الى ايطاليا وعرض اعماله هناك ايضا ثم سافر الى لندن للاطلاع على الحركة الفنية وفنانيها . .

.. تعاقد فورتوني عام 1866 مع تاجر اللوحات الباريسي Adolphe Goupil حيث تضمن الاتفاق ان يرسم الفنان حصرا لهذا التاجر ولا يرسم لغيره وقد نال شهرة عالمية كبيرة من خلال ذلك .. ولكن في نفس الوقت كانت شروط تجار اللوحات قد عملت على الحد من طموح وحرية الفنان وتحقيق امنياته كفنان ثائر ومبدع .. وفي عام 1874 سافر الفنان الى باريس بنية قطع علاقته مع تاجر اللوحات المذكور سابقا .. ثم سافر الى روما وتوفى هناك عام 1874 نتيجة لنزيف دموي اصابه بفعل قرحة في المعدة . وبعد وفاته عرضت اعماله عام 1875 في المزاد العلني في باريس وبلغت اسعارا خيالية لم تبلغها اعمال فنان اوربي آخر في ذلك الوقت .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم