صحيفة المثقف

كونفشيوس وطريق الحكماء

emadadeen ibrahimكونفشيوس هو أول فيلسوف صيني ينجح في إقامة مذهب يتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي. ففلسفته قائمة علي القيم الأخلاقية الشخصية، وعلي أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب. ولقد كانت فلسفته وتعاليمه ذات أثر عميق في الفكر والحياة الصينية، لذا لقب بنبي الصين. ولقد كان كونفشيوس محافظًا في نظرته للحياة، فهو يري أن العصر الذهبي للإنسانية كان في القدم، أي في الماضي، لذا كان يدعو الناس إلي العيش في الماضي، وهذا اغضب حكام العصر الذي كان يعيش فيه، لذلك لقي معارضة شديدة من حكام عصره علي تعاليمه. وقد اشتدت هذه المعارضة بعد وفاته ببضع سنين، واحرقوا كتبه. وهذا الرجل الحكيم استمر تأثير فلسفته في الحياة الصينية ما يقرب من عشرين قرنا. وكان له منهج خاص في دعوته وتعاليمه فهو مثل سقراط يفضل المنهج الشفهي علي الكتابة. كما انه اعتاد أن يتجول ويطوف في جميع الأقاليم الصينية لنشر مذهبه. وهناك مقولة ومعلومة خاطئة أن كونفشيوس كان أحد مؤسسي الديانات وهذا خطا فادح، لان مذهبه لا يتحدث عن اله أو السموات، لكن مذهبه هو طريقة في الحياة الخاصة والسلوك الاجتماعي. وكذلك مذهبه يقوم علي حب الناس وحسن معاملتهم في الحديث والأدب في الخطاب، ونظافة اليد واللسان، واحترام الأكبر سنًا والأكبر مقامًا، وطاعة المرآة لزوجها.و يشير في معرض حديثه عن الحاكم أنه يجب أن يخدم الشعب وليس العكس، وأن يملك الحاكم قيم أخلاقية ومثل عليا. ومن أشهر الحكم التي اتخذها كونفشيوس قاعدة لسلوكه(أحب لغيرك ما تحبه لنفسك). أما الفضيلة عنده فإنها تقوم علي فضيلتين هامتين هي (جن) (ولي) جن تعني الحب أو الاهتمام الحميم بإخواننا البشر. أما لي فهي تصف مجموعة من الأخلاق والطقوس والتقاليد واللباقة والحشمة. ويري أن أساس المجتمع هو الفرد المنظم في الأسرة المنتظمة. ويتفق كونفشيوس مع جوته في أن الرقي الذاتي أساس الرقي الاجتماعي. ويري أن قوام الأخلاق الصالحة هو الإخلاص، والفضيلة الكاملة تخضع للقاعدة الذهبية (ما لا تتمناه لنفسك لا تتمناه لغيرك). ومن أشهر أقواله أن أخلاق الرجل تكونها القصائد وتنمها المراسم (أي آداب الحفلات) وتعطرها الموسيقي. لقد كان كونفشيوس بحق معلمًا للسلوك القويم وفيلسوف عملي لا تنفصم أقواله عن أفعاله، أثرت تعاليمه الأخلاقية والفلسفية في كل الأجيال التي جاءت من بعده. ظل يبحث عن الحياة الفاضلة والأخلاق السامية. اعتبره الكثيرين بحق فيلسوف أخلاقي من الطراز الأول. دعا في كل حياته إلي طريق الحكمة والفضيلة وإلي السلوك القويم.و كل هذه التعاليم كان يعيشها في حياته الشخصية، وهذا ما خلد ذلك الرجل الذي سطر أروع الأمثلة العملية للفضيلة والعيش في رحابها. وستظل تعاليم كونفشيوس دستور عملي يسير علي نهجه كل من يبتغي الأخلاق والفضيلة والمعاني السامية للقيم. ولقد عاشت تعاليم هذا الرجل إلي الآن لسببين أساسين هما: انه شخص معتدل وعملي في تعاليمه، والإخلاص في دعوته، كل هذا جعل أفكاره حية إلي الآن وتنبض بالحياة. ما أحوجنا ونحن في عصر يموج بالأحداث السريعة والتيارات والمذاهب المتصارعة أن نسير علي هدي تعاليم كونفشيوس. ونتمسك باهداب الفضيلة والمثل العليا فهي راحة للقلب والعقل.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم