صحيفة المثقف

الدين والعلم صدام أم تكامل

emadadeen ibrahimمما لا شك فيه أن إشكالية العلاقة بين العلم والدين من الإشكاليات الفكرية المعقدة والصعبة والتي دار حولها نقاش وجدال شاق ومعقد، فالبعض ذهب إلي أن أساس هذه الإشكالية أو الصراع بين الدين والعلم هو الغرب، إذ لم يحتدم هذا الصراع في أي منطقة في العالم كما احتدم في أوروبا في عصر النهضة تحديدا . واحدي السمات التي اكتسبها هذا الصراع هي أن العلم الذي تم تصنيمه بتحويله إلي دين جديد قدسه مريدوه بوصفه القوة التي تقف وراء تفوق أوروبا، ونتيجة ذلك كانوا يومنون بان العلم سوف يحل في مستقبل غير بعيد محل الأديان، وسعي آخرون إلي توضيح العلاقة بين الدين والعلم برسم حدود لتلك العلاقة من خلال بيان أن كل من العلم والدين له نسق خاص وليس متعارضين، فالبراهين الدينية قائمة علي سلطة النص، بينما دعي البعض الأخر إلي ضرورة توافق الدين والعلم وأنهما متكاملان ومتعانقان وليس بينهما صراع أو صدام، بل يتفقان ولا يختلفان، فالدين علم والعلم دين، ولهذا لم يقم صراع بينهما، وطالما تعاون العلم والدين في نشأت الحضارات وحل ما أشكل من معضلات الحياة. ويجب أن نشير إلي أن جدلية العلاقة بين الدين والعلم ليست وليدة العصر الحاضر، إنما هي قديمة قدم الدين والعلم. والسوال الذي يطرح نفسه بقوة هل العلاقة بين الدين والعلم علاقة تعضد وتكامل أم علاقة صراع وتناقض؟ والإجابة علي ذلك السؤال قد يبدو للوهلة الأولي أن العلاقة بين الدين والعلم هي علاقة تناقض وصراع وتعارض، وخير مثال علي ذلك أن نظريات (كوبرنيقوس) في علم الفلك و(دارون) في التطور و(هارفي) في الدورة الدموية قد تم معارضتها من جانب عدد كبير من رجال اللاهوت في أوروبا، ثم بعد فترة من الزمن وافق رجال الدين علي هذه النظريات العلمية رغم أن البداية كانت تصادمية بين الدين والعلم، والصراع كان علي أشده في البدايات الأولي وخصوصًا في أوروبا بين رجال العلم ورجال الدين المسيحي.و عبر التاريخ لم يكن هناك بروز لهذا الصراع، لأنه في أحقاب كثيرة كانت الهيمنة للدين وتوجهاته، وكانت خطوات التطور العلمي بطيئة وبعضها كان يدور في فلك الضرورات، وبعضها كان ممزوجا بالوثنيات والأسطوريات، وحتى في اليهودية لم يظهر هذا الصراع، وإنما برز في عصر سيطرت الكنيسة بعد ظهور المسيحية بأكثر من تسعة قرون . وقد بدأت قضية الصراع تطفو علي السطح تحديدا مع ظهور عصر التنوير أو عصر النهضة الأوروبية، وبداية الوقوف بحزم من رجال العلم ضد سيطرة الكنيسة المطلقة. ومن الضلالات التي وقع فيها الغرب نبذ الدين والخروج علي أوامره والنفور من أحكامه . ومما لاشك فيه أن موقف رجال الكنيسة وأفعالهم كانت سببًا رئيسًا في هذا التصادم مع الدين، ولو الكنيسة لم تعاد النظريات والاكتشافات العلمية التي لا تتعارض مع الدين ولا تتناقض، ولو أنها وافقت علي ذلك لما آل الأمر إلي ما وصل إليه من نبذ لها وكفر بها. والحقيقة الواضحة وضوح الشمس والتي لا ينكرها عاقل هي أن العلاقة بين الدين والعلم هي علاقة وطيدة وعلاقة تكامل وتعاون وتعاضد، رغم اختلاف ميدان كل منهما، واختلاف طبيعتهما، ومع ذلك كلاهما يكمل الأخر ويتعاون من اجل الوصول للحقيقة. بل أن الأديان تدعو للعلم وتشجع عليه وتحث الناس علي استخدام عقولهم واستنباط الحقيقة من الكون.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم