صحيفة المثقف

قطاع الثقافة والحلقة المفقودة

warda bayaقبل أيام كشف وزير الثقافة عز الدين ميهوبي لوسائل الاعلام أنه ينوي إعادة النظر في الخريطة الثقافية بالجزائر وتقليصها إلى أقل من النصف، أو حتى الثلث للمحافظة على النوعية، سواء في الأدب .. الفن السينمائي.. المسرح أو المهرجانات. وشدد على أن هناك مراقبة صارمة من قبل هيئات مختصة أوكلت لها مهمة إعادة تنظيم الحقل الثقافي .. ويتزامن هذا القرار مع سياسة التقشف التي أقرتها الجزائر بسبب أزمة هبوط سعر النفط ..

أتمنى ذلك، وأتساءل مثلما يتساءل غيري: ماذا أضافت لنا الثقافة في الجزائر يوم كانت ترصد لها أغلفة مالية ضخمة؟ ألم تكن تشيد فيها هياكل بلا روح، وتقدم فيها ثقافات البريستيج والبهرجة ؟ألم تكن ترصد المليارات لمهرجانات فارغة المحتوى والمغزى، ألم يستفد من هذا القطاع أفراد يتحينون فرص المناسبات ليجنوا من هذا القطاع ما يثقل جيوبهم باسم التوأمة والتبادل الثقافي و.. وحتى تلك الملتقيات النخبوية، اعتمد منظموها على نفس الوجوه، ونفس النمطية، لدرجة أن ضيوفا كانوا يصرحون بأن أهم ما في الموضوع هو مواعيد الموائد والتكريم والهدايا...!

أتساءل في الثقافة دائما: لماذا لا يملأ الجمهور قاعات الندوات والملتقيات مثلما يملأها في الحفلات الراقصة، فيجيبني صاحب الاختصاص الزوج الفاضل العربي بريك، الذي له باع في هذا المجال: فلنسأل أولا: ماذا قدمت هذه الندوات والملتقيات للجمهور؟ هل قدمت لهم خطابا مجتمعيا يفهمونه ويفهمهم، أم وضعتهم أمام طلاسم الخطاب النخبوي المسطح والممل؟ ..

فما الفائدة اذن من هذا الهرج والمرج وبلادنا تفتقر لأدنى مقومات الثقافة الموجودة عند التوانسة والمغاربة على أقل تقدير ؟ أين نضع أنفسنا كجزائريين ونحن نتحدث عن ثقافة جيراننا، الى أين وصلت بإمكانيات متواضعة مقارنة مع ما تضخه الجزائر من أموال هائلة في الجسد الثقافي الميت ؟.. ولن نتحدث هنا عن ثقافة مصر وبلاد الشام لأن مجال المقارنة بيننا وبينهم يقاس بالسنوات الضوئية ...

يقودنا الحديث عن الثقافة الى النظرية التي أطلقها ماركس منذ عشرات السنين والتي شخص فيها مفهوم الدولة المدنية ككل، حيث قال فيما معناه أن البنية الفوقية (الثقافة، الأخلاق، العلوم والمعرفة) هي أساس مهم وضروري لإنشاء بنية تحتية سليمة وكان يشير الى (السياسة والاقتصاد)..

لو أسقطنا هذه النظرية عن واقع حال الجزائر، فأين سنجد أنفسنا ياترى ؟ خصوصا في مثل هذه الظروف التي غيبت فيها البنية الفوقية وبات العمل بالسياسة والاقتصاد يدور في فلك العبث والعشوائية ..

نحن لا زلنا أقل الدول امتلاكاً لبنية تحتية وفوقية صلبة، رغم أننا نعد من أكثر الدول العربية ثراءً، ومع ذلك لم يشفع لنا المال لنحتل صدارة الترتيب،

البنية الفوقية دعامة للبنية التحتية وبناؤهما معا هو قوام الدولة المدنية الحقة، وفيها لن تكون هناك خشية من فساد المسؤولين أو عبث العابثين , لأنهم حينها سيختفون تماماً من المشهد .. وهذا لب ما نحتاجه في بلادنا.. أو قل هو الحلقة المفقودة ..

ومن هنا نقول أن الوصول الى مستوى تلك البنية لن يكون الا من خلال الالتزام بقوانين ومفاهيم وطنية، تحدد هوية الفعل الثقافي والجدوى منه، توجه النخبة نحو العامة وتلغي الفوارق والطبقات الوهمية للدخول في مرحلة جديدة، تأسس لثقافة معرفية مجتمعية جامعة...

 

بقلم/ وردة بية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم