صحيفة المثقف

في يوم الإنعدام التام للتمييز بأنواعه شيء ما يميزنا لنحاول القضاء عليه !

الأول من آذار من كل عام يحتفل العالم باليوم الدولي للانعدام التام للتمييز في العالم، هذا العام سيكون العالم على موعد مع الشعار الجديد "إظهار وتشجيع الجميع على الوقوف لمجتمعات عادلة ومنصفة" .

في صورة نشرتها إحدى الصحف العراقية الصادرة هذا اليوم لمريض ينام في باحة أحدى المستشفيات الحكومية في الديوانية مع تعليق أنه منع من الدخول لعجزه عن تسديد تكاليف العلاج ، وصور أخرى كانت ملامحها واضحة جداً في هجرة شبابنا المستمرة منذ عقود من الزمن بحثاً عن ملاذ آمن في أرض تقدم لهم الخبز والعلاج بكرامة تحت مظلة حقوق لا تنقطع وهرباً من عصف الارهاب بالمجتمع والصورة الاهم لبؤسنا في الملاين النازحة والمهجرة وما تكابده من قسوة العيش .

التمييز بكافة أشكاله ، على أساس الجنس والدين والطائفة والعرق ، كلها تم تجربتها في العراق تحت رداء العملية السياسية الديمقراطية التي تسببت كثيراً في إحياء تقاليد طائفية وعرقية قد تطيح بتنوعنا الجميل وبعدما فقدنا ، وعملنا على ذلك ، بضياع مجتمع العدالة والانصاف ، نحاول اليوم بمؤتمراتنا الخاصة بالمصالحة الوطنية أن نضخ الدماء النقية ونعيد بريق التنوع للجسد الوطني وننهي الطائفية التي حولتنا لمجتمع متهرئة الاركان .

الفساد المالي ، عزز الفجوة بين طبقات المجتمع حيث ظهرت طبقات على درجة عالية من الغنى وطبقات في أدنى مستويات الفقر قدرت في العراق بـأكثر من 30% من عدد سكانه لم تنفع معه كل الستراتيجيات التي وضعت لمعالجته ، كرستها عوامل النزوح وعدم قدرة الحكومة على إيجاد فرص العمل لمئآت الآلاف من الخريجين بمختلف التخصصات العلمية حتى أغلقت أبواب المستقبل أمامهم .

 نغوص في الأزمات السياسية لنحاول الخروج منها بأقل الخسائر وحينما نجد الحل نراه ناقصاً لنغرق في مشكلة أخرى فتتوالد المشاكل واحدة من بطن الاخرى ومن رحم واحد حينما بني النظام السياسي الخاطىء ، لا نراه إلا وهو يعاني من أشد أنواع التمييز فلا يمكن بأي حال من الاحوال أن يلد لنا يوماً نظاماً متوزناً يحفظ حقوق الجميع ويبني سترايجياته على أساس العدالة الاجتماعية ، والتي ما أن فقدناها حتى بدأ المشاعر السلبية تغزو الشعب العراقي وتوطن لديه الحقد الطائفي المقيت.

طالما كان الفقر أحد أهم اسباب الشعور بالتمييز الطبقي ، طبقات غنية تمتلك بغناها أرقى درجات التعليم والثقافة وحتى السلطة ، وطبقة متوسطة من تتمتع بمستوى معتدل من التعليم والخدمات الصحية والطبقة العاملة ذات المستوى المتدني من التعليم والصحة وصاحبنا النائم في باحة المستشفى في الديوانية واحد منها وهم اليوم بعدد قد يتجاوز السبعة ملايين نسمة وهو رقم صعب في ميزان العنف السياسي .

دائماً ما يكون أصحاب الطبقة العاملة وبعدها تأتي المعدمة والتي لا تمتلك قوت يومها ؛ هم من يقودون الثورات كما يحدث اليوم في العراق من مظاهرات تدعوا للقضاء على الفساد الذي تسبب في الكثير من التمييز في المجتمع حين أطاح بثروات مقتدرة بناءة لو قدر لها أن تدفع بأتجاه بناء الوطن .. بل أن تلك الارهاب قد أفرز طبقات مجتمعية فقدت كل شيء وضاع كل بنائها حينما نزحت من مناطق سكناها ودمرت الحرب مدنها وسيكون العراق بحاجة الى المليارات لإعادة البناء ، النازحون اليوم محنة عراقية بإمتياز يشهد عليها شعب جبال سنجار والصحار العراقية وجسر بزيبز حينما عبرته أفواج ممن تمكنوا من النجاة من براثن الارهاب في مسيرات سيشهد على قسوتها تأريخنا المشبع بالعنف ولغة الرصاص .

شعبنا اليوم بحاجة لضمانات كثيرة منها الضمان الإجتماعي والضمان الصحي وضمان كامل حقوقه الانسانية وبحاجة الى مُثل العدالة الاجتماعية ليشعر معها بقناعة ذاتية بقدرته على إحداث التغيير المنشود على طريق المستقبل . فأرضنا تفيض بكل شيء بالموارد البشرية الهائلة والثروات المعدنية والتنوع المشجع على البقاء والتآلف الجميل ، هذا كله لايحتاج إلا ليد شريفة تمتد له بالخير لتزيل عنه كل أنواع التمييز وتصفير كل مسبباته فالسعادة في قلوبنا مفقودة ونحن نرى الملايين من أبناء شعبنا نازحون وفقراء وأرامل وايتام ، أنها علامة فارقة كبيرة نتمنى أن لا يوسم بها الشعب العراقي الى الابد ، بحاجة الى أن نبدأ في إعادة تقاليدنا الإجتماعية الاصيلة وسوف لن نتمكن من ذلك إلا إذا احترمنا اختلافاتنا واحتضنا تنوعها تعزيزاً للتماسك الشعبي .

عملنا لتصفير التمييز سوف يجابه بمقاومة كبيرة وهي نتيجة حتمية لكل شعب مرت عليه الحروب وأخذت منه مأخذاً عظيماً ، ولكننا بصمودنا ومطاولتنا تجاه تلك المقاومة سنكون قادرين بوقت أقصر على بلوغ القضاء التام على التمييز في مجتمعنا وتقديم الكرامة كأسمى درجات حقوق الانسان . حفظ الله العراق .

 

زاهر الزبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم