صحيفة المثقف

يا للمهزلة: حيدر العبادي يطلب من الكتل السياسية اسماء مرشحين تكنوقراط!!!

مع كل هذه المعانات العراقية الكبرى التي لا مثيل لها في العالم، والتي اساس خرابها ودمارها ومشاكلها المستعصية والتي وصلت الى طريق مسدود الى درجة، ان الانسان العراقي يشعر بالخجل لانتماءه الى وطن تقوده حكومة تقوم على نظام المحاصصة وتأثيرات هيمنة كتل سياسية تعتاش على تقاسم ونهب المال العام والعبث بمقادير العراق . ثم أخيرا، وبعد انتظار طويل يشوبه القلق على مصير عراقنا، يتضح لنا خواء هذه الحكومة من الاصلاحات المرجوة، في حكومة "التكنوقراط"هذه  التي وعد بها رئيس الوزراء، حيث يخرج علينا في 10 أذار، السيد حيدر العبادي، الرجل "التكنوقراطي" طالبا "من الكتل السياسية" بتقديم "أسماء" مرشحين لتكنوقراط يتسمون بالكفاءة والمهنية والنزاهة لإجراء التعديل الوزاري...!!!؟؟؟ فهل مثل هذا الطلب يمكن تصديقه وهو برهان لشعبنا على عدم جدية هذه الحكومة على اخراج عراقنا من شرنة الفساد والهوان الذي يعصف به؟

 فماذا يعني كل ذلك؟ أن ذلك يعني فقط ان العبادي لا يزال قادرا على "الضحك" على شعبنا من خلال لا مبالاته في تكريس وجود الكتل السياسية المتهمة بالفساد بالدرجة الاولى واستمرار هيمنتها على وزرائها والابقاء على ولاءاتهم لها، فتكون النتيجة، ان هذه الحكومة "التكنوقراطية" ستبقى مهددة ومقيدة وتحت رحمة مصالح هذه الكتل وبنفس الفشل القائم المتسم في عدم قدرتها على معالجة وتحدي الفساد والذي سببه هذه الكتل . ومن ثم، الابقاء على المحاصصات وعلى نفس مستوى "طيحان الحظ" السائد الان... فهل من يسمع أو يعي ماذا يجري... وهل أن هذا هو ما كان يرجوه العراق وشعبنا بينما الجميع بانتظار الحكومة المعجزة؟؟؟!!

لقد كنا دائما حينما ننتقد هذه الحكومة القائمة ورئيسها بهذه الحدة التي يستحقها، فاننا لا ننكر شعورنا بالحرج امام زميل يحمل شهادة الدكتوراه ولا نتمنى له ان يكون في وضع الانتقاد الدائم لنهجه غير المسؤول وعدم وفاقه المستمر مع شعبنا نتيجة لوقوعه تحت تأثيرات الكتل السياسية الجائرة والسير في نهج سياستها الهدامة . فباعتقادنا أن بامكان الدكتور العبادي ان يكون اكثر تحررا من قيود لا تزال تترك اثارها الدامية على الجسد العراقي نتيجة السكوت عن ضروب الفساد الذي تعبث به .  فالدكتور العبادي يستطيع كسر هذه الاصفاد من خلال اعتماده على الخيرين المستقلين من شعبنا وما أكثرهم ممن يتمنون خدمة هذا الوطن الغالي والعمل بتفاني ونهج وطني اعظم من سواهم. فالعبادي ملام اكثر من غيره لفشله وهو "المهندس" في "هندسة" مجتمع الفوضى هذا . فهو الذي يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم الهندسية، واختصاصه هذا بالذات يعنى على افتراض ان لديه قدرات اكاديمية وتنظيمية وقدرات على الخلق والابداع بما يتلائم مع التفكير العلمي والمنطقي المنظم من خلال اتباعه اساليب المنهج العلمي والتقني والاعتماد على البحث والنظريات والفرضيات والتقصي عن الحقائق العلمية والخروج بما من شأنه من نتائج تستطيع ان تحدث انقلابا تقنيا واسعا في المجتمع العراقي، لا ان يستمر في الاعتماد على كتل فاسدة ومفسدة بدعوتها للاستمرار في ممارسة محاصصاتها وولاء وزرائها لهم.

أو ربما كأضعف الايمان، يمكن للعبادي تطبيق تجارب بعض الشعوب التي تتشابه مع الظروف العراقية لما يمكن تطبيقه على الواقع العراقي، تماما مثل الذي مارسته تلك الشعوب ونجحت في منهجيتها العلمية التي تناسب ظروفها من خلال اعتمادها على كفاءات ابنائها، فوصلت الى حيث تستطيع البناء وخلق المجتمعات الحرة المنظمة . ولكن العبادي في كلا المنهجين، لا نجده جادا في توفير ولا حتى الاقتراب لا من منهجيته العلمية ولا من تجارب تلك الشعوب. فالواقع العراقي وكما هو واضح، يراد له البقاء والاستمرار في الاعتماد على لعبة (الحظ يا نصيب)، والابقاء على ولاءات عمياء لكتل استهترت اكثر مما يجب بحق العراق وشعبه، وباقية من اجل مغانمها ومكتسبات السحت.  

إننا نعزي شعبنا على هذه المبادرة الغبية لرئيس وزراء يحمل لقبا "تكنوقراطيا" لكنه لا ينوي سوى جعل مبتغياته السياسية تنسجم مع اهداف مرهونة بعقلية الكتل السياسية التي هي السبب في كل هذا البلاء العظيم الذي يعيشه شعبنا ولا نجد له من مبررات سوى استمرار المصالح والتخريب لا البناء. كما ونعزي ونرثي الدكتور العبادي شخصيا على اصطفافه من اجل تفكير غير سليم كهذا والذي ينوي جعله مصيرا جديدا اكثر إيجابية لكتل سياسية ومزيدا من تدمير الحياة العراقية .

أن اشكالية اهداف الدكتور العبادي وتماهيه من اجل الابقاء على الفساد على الرغم من بعض التصريحات الطنانة له أحيانا، فانه ومن خلال اختيار عدد من شخصيات هذه الكتل السياسية، فاننا لا نعني أبدا ان هذه الكتل تخلوا من الوطنيين الطيبين.  ولكن اعتراضنا ينصب على ان وجود هذه الشخصيات في الحكومة الجديدة، من شأنه الابقاء على ولاءات هذه الشخصيات لكتلها . ففي ذلك بقاءا للصراعت السياسية بين الحكومة وهذه الكتل من اجل مصالح الاخيرة، وكذلك فييه مضيعة للوقت والجهود وزيادة في المعانات العراقية. فقد بدا واضحا مرامي الدكتور العبادي منذ ان وقفت المرجعية الدينية الكريمة العليا خلفه، ومنحته تفويضاتها لضرب الفساد والقضاء على مصادره، لكنه فضل التخاذل والتراجع عن مسؤولياته كقائد سياسي، وادار وجهه عن تلك الفرص الذهبية التي كان من شأنها القضاء على ما يسود المجتمع العراقي من فوضى الحياة. ولم نفهم بالضبط، لماذا فوت العبادي على شعبنا وعلى نفسه تلك الفرصة الكبرى مع ان المرجعية الكريمة، ضحت من أجله بقائد وطني نزيه ومنتخب كالقائد المالكي، ووقفت ضد ارادة شعبنا على اعتقاد ان العبادي وجها جديدا ودماءا جديدة من شأنه جلب مميزات سياسية واجتماعية افضل من غيره! فاذا كان العبادي قد أسرف في عدم تلبية دعم المرجعية من جانب، ولم يستطع ادارة الازمة العراقية الكبرى التي يعيشها شعبنا، من جانب اخر، وكذلك، نجده الان يحاول استمرار تكريس الفساد من خلال الاعتماد على بعض الوجوه "التكنوقراطية" التي ستنتخبها له هذه الكتل، فيا ترى من هم وراء العبادي في كل هذه المساعي لابقاءه في ممارسة كهذه وبما لا ينفع شعبنا شيئا؟   

 مع عظيم الاسف، اننا لا نزال نجد في هذا النظام "الديمقراطي" بعضا من الشروخ التي لا يمكن للانظمة الديمقراطية استيعابها أو تحمل مسؤوليتها امام شعوبها وخصوصا على مستوى رئاسة الوزراء، إذ لايمكن السكوت باي حال من الاحوال عن اهداف ليست لصالح الشعب . ففي حين تكون هناك استعدادات على قدم وساق من اجل نهج الاصلاحات المطلوبة، نجد السيد العبادي غير مبال في الابتعاد عن ما هو منتظر من اجل تنشيط العملية السياسية الجديدة والقضاء على الفساد على الرغم من خروج التظاهرات الحاشدة التي تهز الشوارع العراقية مطالبة بذلك، ويبقى صوت الشعب الهادر لا استجابة له لدى امثال حيدر العبادي . ومن المؤسف أيضا، ان التجارب الحياتية قد اثبتت ان البناء النفسي للعراقيين يتماشى بشكل طوعي مع ممارسات القوة والفرض على الارادات، في حين أن ممارسات الديمقراطية واللين يتم فهمها كنوع من خنوع، وما نراه ليست بمباديئ ديمقراطية، بل نوعا من طغيان حكومة تعمل وفقا لأهواء معينة. وبما أن واقع الحال يثبت أن عراقنا الغالي اليوم، تتوفر له فرصة كبرى من اجل الاصلاحات المطلوبة والقضاء على الفساد، يأتي السيد حيدر العبادي ليضع "لغما" جديدا في قلب هذه الاصلاحات من خلال الابقاء على ولاءات وزراء الكتل لكتلهم . فمن يستطيع ان يواجه العبادي، ويقول له انك لا تصلح كرئيس للحكومة، وأن من أتى بك، لا يريد للعراق خيرا. ونعود مضطرين لنقول ما يقوله المؤمنون حينما تصيبهم مصيبة ...(إنا لله وإنا اليه راجعون)...

حماك الله يا عراقنا السامق ...  

 

أ . د . حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم