صحيفة المثقف

المَسْخ

yasamyna hasybi"إِحْرِقْ كل شيء دون قراءته..

أريد أن ينساني الناس" (1*)

 


 

المَسْخ.../ ياسمينة حسيبي

 

على وجهكَ، يتكسّر موجُ الشِّعْر

والحِبْر يسيل متحيّرًا في مجراه

تقول: وُلدتُ بكامل تجاعيدي وسأموت في سنّ الأربعينْ.

سأعيش بِما يكفي لتنام الغواية على حشائش صدري

بما يكفي .. لتفيض الغربة عن حاجتي

ثم تنصبُ لنفسك تمثالاً من ورقٍ ... وتمضي!

وعلى خطّ الاستواء، ترتفع حرارة الصمت،

يضع الليل بيُوضه في بؤبؤ العينْ

تستيقظ وحيدًا داخل الجسم الغريب ..

ووجهكَ مندلقٌ على عينيكَ،

يدكَ اليسرى تقبض على أنفاسكَ ..

والسرير يزْدردُكَ كسائل منويّ اسْتُفرغ في الحرب بشهوتينْ.

فانْهَضْ قبل أن يخرج المَسْخُ من داخلكَ ويَحرِق كل شيءْ!!

***

 

وجهكَ الآخر .. حشرة قميئة،

والكابوس يستنفذُك تحت اللّحاف

تصحو مفزوعاً: "لا، إنَّه ليس حلماً"..

جسدكَ لم يعدْ يسكنُ فيكَ ..

لا يُسعفك رسماً ولا إسماً.

قل لي أيّ الأوصاف تليقُ بهيئتكَ الغريبة بين الأمَمْ؟

وأيّ السنوات تؤرخ لانتشاركَ في الأرض كالعَدَمْ؟

أكُلّ هذا الوطن مغروس كالنصل في خاصرتكَ ..

والشفاهٌ تقضمكَ بنَهمْ؟

وتطبق بلذَاذة على صمتكَ المؤلمْ؟

عينُكَ الثالثة تذرفَ "لُعاباً" ..

كأنما تَتْفَل على أكوانكَ من كوّة الغياب

أو كأنما تفتح باب السماء بصلاةٍ باطلة ..

فانْهَضْ قبل أن يخرج المَسْخُ من داخلكَ ويَحرِق كل شيءْ!!

***

 

لا أحدَ رآكَ تندسّ في رواية كافكا الرجيم (2*) ..

وعلى وجهكَ تكلّس شريط وثائقي قديم:

حشرة تنسلخ من قشرتها المزيفة

وتلوكُ موجز الوطن في دقيقتينْ،

دقيقتين إثنتينِ فقط .. لتسفّ ملامحكَ العربية

وتُقَلِّب رماد التّتر بأذرعها الكثيرة.

في بطنكَ مرقٌ من جحيم ..

وفي التّنور خبزٌ متأمْركُ العجينْ!

فتجمّلْ قليلاً وأنت تدخلُ مهرجان البكاءِ الحرّ

دعْ أصابعكَ المقطوعة تنزف .. شِعراً

تجمّلْ وأنت توثِّق لمواجعكَ على جبهة إسرافيلْ

وانْهَضْ قبل أن يخرج المَسْخُ من داخلكَ ويَحرِق كل شيءْ!!

 

..................

*1- قبيل مماته، أوصى فرانز كافكا صديقه ماكس برود بحرق جميع مخطوطاته الادبية.

*2- في كثير من الدول العربية كانت قراءة كافكا اليهودي محرّمة، ومردّ ذلك إلى قصته القصيرة "بنات آوى والعرب" وربطها بمشروع الصهيونية غير أن ذلك لم يحجب قيمته الأدبية وتأثيره الكبير على جيل الستينات والسبعينات من الأدباء العرب وحتى يومنا هذا.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم