صحيفة المثقف

اطلالة نقدية: ناس الغرباوى وإحساس يعيش فينا فى

875-salwaمجموعته القصصية (حُبّ حتى أطراف الأصابع..!)

خلال تجوّلى بين قصص مجموعة الكاتب المصرى أحمد الغرباوى (حب حتى أطراف الأصابع) عشت حكايات تسمو بالون خيال.. وتهوى أرضاً بنزف الواقع وجرح الحاضر..!

وتمتطى لغتها أجنحة فراشات الشعر.. ونتمايل وزقزقات عصافير اللحن.. وأخرى تحرّك فكراً.. تمزّق روحك جدلاً.. وتبعثر اللامعقول نثراً.. دون تبرير منطقى أو فنى..!

وتارة يقتحمك ديالوجاً فكريّاً.. صارخ الملامح.. مكسّراً به أشكال القَصّ الأدبى.. ومتعديّاً على الثوابت الفنيّة.. بقصد أو غير قصد..!

إنما تسرى بك تموّجات يمّ.. وتهادى زبد على شطّ.. وبَعثرات حبّات رمل مع نسمات طلّ فجر..!

ورغم هذا  الانجراف.. إلا إنه لايجرح ولايخدش حياء الابداع الأدبى عند الغرباوى..الذى تشعر بضعفه الشخصى تجاه لذّة (الخلق الفنى)..!

فتجده يخدش حياءنا.. نحن القرّاء أولاً.. قبيل المتابعين لأعماله.. بجرأته الفنيّة عند تناوله سرداً لقصة (الحلم بإمرأة بيضاء..!).. وهو ضد ما أعرفه شخصيّا عن الكاتب..؟

ويعرج على حشائش السياسة الشاردة فى واقعية لوحته فى (التفاحة..!).. ويتناول دواعى القلق الفنى والاضطراب النفسى بين وهن الانسان وامتناع القلم عن الابداع.. والاندفاع للارتواء الجسدى فى العلاقة الأزلية بين الجنس والابداع.. فى قصته (الرعشة)..!

ويناقش الكاتب حيرة المراهقة النفسية.. الغير مرتبطة بالعمر بقدر التصاقها بالعجز.. وعدم مقاومة الذات.. والسعى نحو التجريب.. والخوف من الاقدام والفعل.. فى العديد من قصصه.. كما يلحظها العائش بين سطور (دائرة اللاهدف) و(لذة المحاولة) .. والرهبة من الحب المشروع رغم حاجة العاشق له فى  (وأجرى)..!

ورغم شمول الرمزية فى العديد من شخوص قصصه.. وارتباطها ببعض.. حتى وأنت تشعر بأنها سيرة ذاتية لبطل واحد..!

وفجأة يخرجك الكاتب لعالم ثانى من العلاقات الناضجة بين المرأة والرجل.. من ذوى الأعمار المختلفة.. واضطرابات العلاقة العاطفية.. واختفاء عالم الرومانسية.. بشاعرية سرد.. وإحكام فنى هو أقرب إلى الأقصوصة.. كما هو فى (خرج ولم يعد) و (أقرر أن أنام) و(عنك شقة) و(الكربون والحب).. ورغم اللغة المكثفة.. الا اننى أعتبرها من أفضل أعمال المجموعة..!

875-salwaوعندما أصل إلى القصة التى تحمل عنوان المجموعة.. تجد نص غريب.. وشكل أجد فى لغة السرد.. يجمع بين عاميّة الحوار.. حبكة سرد وصفى فى شكل المشاهد السينمائية.. ثم قفزة من مشاهد يوسف شاهين الرمزية.. وشخوص متنوعة بين حارس وعسكرى وطلاب جامعة وقصة حب جميلة بين طبيب وطبيبة.. تنتهى بإلقاء لوم على قدر.. اختار لها الموت.. وله الغيبوبة..!

ويدخلنا الغرباوى فى شغف الروح المفتقدة للعشق.. الذى يمنح كل شيء بدون ضوابط ولاحدود.. ولكنه لايتخطّى الشرع.. ولا الأعراف.. ولا التقاليد..!

ولأول مرّة أقرأ حواراً فى قمّة الرومانسيّة باللغة العاميّة.. وكأنّى أشاهد مسلسل اذاعى.. يرمينى لتشكيل الصورة فى ذروة روعة خيال..!

وعندما يفرغ القاريء من هذه المجموعة القصصية للكاتب أحمد الغرباوى.. الذى قرأت له من قبل مجموعته المسرحية (المتحزّمون) و( السقوط إلى أعلى) أجدنى أمام إبداع قصصى ينضح من فعل (اللطمة والصدمة).. وتارة أخرى.. أجده يفيض من تداعيات (الهمس والرقّة)..!

ويرسم بريشته تجليّات أدبيّة.. بقلم رصاص.. تعيدك لزمن الأبيض والأسود.. والرومانسية الحالمة.. ورفض الواقعية المعفّرة بغبار الزمن الحاضر..!

وحكاياته تُجلسك على مقعد هزّاز بفعل (القلق الفنى).. تتأمّل عبر نوافذ رماديّة.. وأخرى سوداء.. وأحيانا  والله شديدة السواد.. آملاً.. آملاً فى الهروب حبا.. (حب حتى أطراف الأصابع..!) أو حُلماً.. حلما بالورقة الخضراء .. أو رغبة فى قتل (العجز) ومداواة (الرعشة) وبحثا عن (امرأة بيضاء) .. وغيرها من قصص وعوالم الغرباوى..!

فهو فنان يؤسره الإبداع.. ويضفّر حيواته فى أدبه إحساسا مؤرقاً..  ولكن لذيذاً فنيّا.. !

بل أزعم إن شعوره يتحكّم فى فكره.. ربما نتحمّل ( ثقل) همومه.. هربا من النافذة.. فينفرط العقد (غصب عنه ).. وتتهادى مشاعره عبر (نافذة الموت) كما رعبه فى كثير نثره.. وشجن شعره هرباً من رفض لمسارات ودروب واقعه..!

أقصد  _ بالطبع _ إبداعاً وفنا خالصاً.. لاتحصد منه غير جدائل ملساء من (الخلق الفنى)..

(الخلق الفنى) و(لذّة الابداع)..!

حجرتا رحايّة.. بينهما طحين.. أقصد نثرات وابداعات الغرباوى..!

مع تمنياتى له بمزيد من التوفيق والنجاح..؟

 ولكن بدون ألم..بدون ألم وجراح.. كما دوماً يمطرنا نزفاً ووجعاً..!

 

بقلم: سلوى العبد الله

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم