صحيفة المثقف

كونوا نيلسون مانديلا..!

«أضحك ولو بالحلم يلما صحالك كيف» . . .!

لا اعرف لماذا قفزت الى مخيلتي وذاكرتي تلك الأغنية السبعينية المحببة، لكاتبها الشاعر الجنوبي السومري عريان السيد خلف.

                           *               *              *             

سئلني أحد الأصدقاء المغتربين وهو يتابع الحراك السياسي للنواب العراقيين المعتصمين، هل هنالك فائدة ترجى من أعتصام النواب البرلمانيين، أم انهم يبحثون في شباك صيدهم عن سمك القرش في بركة ماء لا تعدو مساحتها مئة متر على وشك ان تجففها حرارة صيف العراق اللهاب؟

أجبته نيابة عن السيد عريان السيد خلف. . «أضحك ولو بالحلم يلما صحالك كيف».

نعم دعونا نتفائل ولو قليلا لأن التفائل بأنقلاب ديموقراطي من داخل قبة البرلمان ربما يقود الى ثورة اصلاح (ولو بالحلم) لتقتلع اشواك المحاصصة الطائفية وتهدم عروش طغاة رؤساء الكتل الذين اقاموا مماليكهم ومملكاتهم على مسطحات مياه آسنه تحكمها المحاصصة والطائفية والحزبية والفئوية البغيضة.

النواب المعتصمون، وتحديدا اولئك الذين بالأمس القريب كنا نعتبر الكثير منهم اداة التواطؤ والخيانه والغدر، واداة الفساد والمحاصصة الطائفية المقيته، نراهم اليوم يحملون راية الوطن، ويحاولون تصحيح  مسار التجربة الديموقراطية الخاطئة، ويصرخون بصوت عال ضد قوى الظلام وقوى المحاصصة المقيتة، وهذا شيء جميل يدعو للتفائل، وربما يغفر لهم سيئاتهم وخطاياهم، ويغسل عار الصمت الذي التصق بهم بسيكوتين الخنوع والذل والانبطاح لسنوات من عمر التجربة البرلمانية الديموقراطية الفاشلة.

رصدت في متابعتي الأخيرة بعض من النواب المعتصمين الذين اختلفت آراء العراقيين في تقييمهم.

النائبة المثيرة للجدل «حنان الفتلاوي» التي كنت صراحة اتشائم حد التمرد على الذات عندما كنت استمع لمداخلاتها وتصريحاتها وصراخها سابقا (معذرة لصراحتي).

اليوم حقا، اشعر بها اثلجت قلبي وابهرتني وهي تقف متحمسة في صفوف النواب المعتصمين.  انا اتوسم بها، ربما في قادم الأيام، ان تبدي وتظهر مزيدا من الشجاعة في كشف ملفات الفاسدين والمجرمين والأنتهازيين، وتقف كاللبوة الجريئة بلا خوف او تردد او مهادنه بوجه المتواطئين في تمييع الأصلاحات التي نادي بها العراقيون في تظاهراتهم.

ربما عادت روحها المُغيّبة الى جسدها بعدما هربت منه لسنوات خارج دائرة الحقيقة، وعادت الى مرافئها زوارق الضمير الأنساني والوطني لتبحر في شواطيء التمرد «التمرد الأيجابي المطلوب» على الفساد والسرقات والشبهات، والوقوف جنبا الى جنب مع الجماهير الثائرة ضد قوى الفساد والمحاصصة والأنبطاح للقوى الخارجية، وهذا فعلا شيء مفرح يدعوا للتفائل.

مقرر مجلس النواب «نيازي معمار أوغلو» شدني وابهرني حماسه، اتوسم به رجلا قياديا لتغيير وتصحيح العملية السياسية العرجاء داخل قبة البرلمان . . . 

النائب المعتصم «عواد العوادي» استمعت اليه وهو يصرخ ويقول كفى ثلاثة عشر عاما من السكوت والخنوع والأنبطاح.

استشعرت فعلا بكلماته وهو يردد مقولة: "الشعب يريد اصلاح النظام". حبذا يستشعر كل النواب ماذا يجري في عراقنا الجريح من تعسف وظلم واضطهاد ومصادرة حقوق وطن أسمه العراق.

 النائب الشاب «هيثم الجبوري» الذي اشعر بأن اداءه البرلماني بدأ يتحسن اكثر من ذي قبل، اثلج قلبي هو الآخر، وانا أرى فيه صورة الشاب المتحمس المتطلع الى عراق جديد يحكمه صوت العقل والمنطق، وتحكمه ارادة  الجماهير الثائرة ضد الفساد وسراق المال العام، وليس التخبط والهمجية والفوضى في القرار السياسي.

أما النائبة الخجولة الهادئة الدكتورة «ماجدة التميمي» فهي لعمري مزيج من حماس ووطنية صادقة، فعلا يشعر المرء وهو يستمع الى تصريحاتها ان الوطن بدأت تتحسن صحته، وبدأ يتعافى (ولو بالحلم) بعد ثلاثة عشر عاما من مرض خبيث دب في جميع مفاصل الدولة العراقية.

حبذا لو كل النواب المعتصمين يحذون حذو تلك المرأة  العراقية الأصيلة «ماجدة التميمي» الهادئة الخجولة التي تجسد بصلابتها وشجاعتها قيم واخلاق الفرسان.

أنا اقول لهم، مرحى بتلك الوقفة الوطنية التي اتمنى ويتمنى معي كل احرار العراق ان تكون فعلا وقفة رجل واحد لغسل عار البرلمان العراقي المتواطيء مع لصوص وسراق المال العام.

كونوا احرارا في قراركم ولو مرة، ولا تكونوا اذلاء منبطحين يتحكم بكم الأجنبي، وستجدون الشعب العراقي يقف معكم ويساندكم . . .

كونوا«نيلسون مانديلا» في صوته وجرأته ورباطة جأشه في القرار السياسي، ولا تكونوا «ببغاوات» ترددون صدى أصوات العملاء المتخبطين الذين يلوكون فتات موائد الغرباء.

كونوا كما عاهدتم وأقسمتم للعراقيين بأنكم ستحفظون للوطن هيبته، وللعراقي كرامته، وابتعدوا عن سياسة المراوغة والمهادنه والكيل بمكيالين التي طالما لم تحصدوا منها سوى كراهية وبغض العراقيين لكم.

كونوا صادقين ولو مرة،  وانتصروا للشعب المظلوم، ولا تكونوا «كأخوة يوسف» تتآمرون على قتل «يوسف» وتدّعون بأن الذئب أكله وانتم عنه غافلون.

 

أحمد الشحماني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم