صحيفة المثقف

رأيت في حياتي عبائتين: واحدة منزوعة والأخرى ملبوسة

abduljabar alobaydiنعم رايت في حياتي عبائتين واحدة ملبوسة حين حاصرت الجموع المرحوم نوري السعيد في منطقة البتاوين في 15 تموزعام 58 وهو يهم بالخروج ليركب السيارة متخفيا ومتوجها الى دار المرحوم الاستربادي في الكاظمية صديقه الحميم ليحميه من غضب الجماهير الغاضبة بعد قيام ثورة 14 تموز في بغداد.

ورأيت عباءة منزوعة من على كتف السيد علي العلاق وهو يهم بركوب الطائرة العراقية المتجهة الى عمان هاربا ومذعورا من الجماهير الغاضبة التي هاجمت البرلمان (صوت الشعب) كما يقولون، خوفا من القاء القبض عليه وسحله في ساحة التحرير .

لكن الذي راعني ان احد ركاب الطائرة التي كانت تقل العلاق مستشار الرئيس و ابنه وسامي العسكري الذي تخفى في المقعد دون ان يراه احد..التفت احد الركاب  وقال للعلاق ...هاي وين رايحين يا (سرسرية) ولم يجيب هذا المسئول الجبان –حامل اختام الملكة الى السليمانية - خوفا من النهاية المعروفة.

كان الاول الباشا السعيد قد لبس العبادة متنكرا بزي أمرأة ..وهو لا يستحق لبسها، لكنه كان غبيا لم يفكر بنوائب الزمان..ولبسها الثاني لكنه كان خائنا ومتقصدا الخيانة وللخائنين مصيرهم المعروف .

حالتان الفرق بينهما كبير ...؟

كان بيتنا في الخمسينيات في منطقة كرادة مريم محلة المطيرية، وبيت الباشا لايبعد عنا سوى كيلو مترا واحدا، وكان الباشا في كل يوم يمر بسيارته الخاصة (رقم 20 بغداد) مرتدياً سدارته السوداء وبلا حراسة - واقسم بلا حراسة – وكان بجوار الشارع مقهى عربي لسكان المحلة يملكة رجل اسمه عبود الخضير، لكن الرجل رغم كونه أمي لا يقرأ ولا يكتب، لكنه كان يحمل افكار الشيوعيين الحاقدين على حكومة نوري باشا السعيد.

في المقهى الكثير من الرواد، احدهم كان يحب الملك ونوري السعيد حبا جما، وهو دوما على خلاف مع صاحب المقهى، ولكنه ما كان يرى سيارة الباشا قد لاحت في الطريق حتى ينهض ويقف ليسلم على الباشا، فيرد عليه الباشا التحية بحرارة.

في احد الايام بعد السلام اليومي المعتاد وذهاب الباشا الى بيته ارسل احد ضباط الامن التابع لحراسته الى المقهى ليسأل عن هذا الرجل، فقيل له ... فلان؟ فدنا منه وسئله :عمي انا ضابط امن عند الباشا، الباشا ايسلم عليك ويقول لك : لماذا انت وحدك كل يوم تقف وتسلم عليَ؟ فقال له كلمته التي لازالت عالقة في ذهني منذ 60 سنة خلت :انا اسلم على الباشا ليس حبا به بل بالوطن، والله عمي قل للباشا بعدك البلد أيضيع وينتهي خلي بالك منه ومن الشعب؟

الرجل كان بعمر الثمانين ومتعب، لكن كم كان حصيفا ومفكرا وشريفا ومحبا للوطن وصاحب رؤية وبعد نظر؟ فماذا لو كان مثقفا؟

الرجال كانوا يملكون خبرة السنين واخلاص الوطن والشعب بأمانة وتقنين، لان الله والوطن والناس في اذهانهم ابداً، فقد كانوا شرفاء يجهلون الخيانة وسرقة الناس اجمعين.

عاد الضابط مرة اخرى الى المقهى في اليوم الثاني، ليسئل الرجل عمي الباشا يقول: شكراً على التحية والمحبة وهو يبادلك التحية والتقدير، ويقول عمي لو أردت اي خدمة من الباشا هو مستعد لتقديمها لكم، فرد عليه الرجل الوقور في الحال قائلاً : لا عمي، قل للباشا: خلي بالك من الشيوعيين لانهم اعداء الشعب والوطن (المعارضة كلها تعرف سابقا بالشيوعيين )... وبعدكم ترى ماكو وطن..

.صدق الرجل الكبيرالوقور ومات... ومات نوري السعيد هو الأخر ... وها هو حال الوطن اليوم... كما قال الرجل الصدوق...؟

طاح .. يا مرافقو التغيير...شلون بعتم الشعب والوطن ....؟

 

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم