صحيفة المثقف

مُجْتَمَعٌ يَحْتَضِرُ.."َحْكَمَهْ..!!!"

eljya ayshيُقال من أراد أن يعرف واقع مجتمع ما، عليه بزيارة المَحَاكِمِ، فهي المجهر الذي يشخص قضايا الأسرة وما تخفيه من أسرار، وأمراض المجتمع ككل، مجتمع يعيش التناقضات في كل مستوياتها، ويكاد أن يصرخ ويقول " أنقذوني"، هذا التناقض سببه أن الخلية الأولى في المجتمع التي هي الأسرة أصابها الخلل وفقدت توازنها، فموضوع الزواج والطلاق أصبح كثير الاستهلاك في الندوات والموائد المستديرة، وإن أخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا من النقاش والدراسة، غير أن تشخيص الداء كان ولا يزال على مستوى شكلي، لأن البعض يعتبره من الطابوهات، وبالتالي فمثل هذه القضايا وجب التحفظ عليها، ولو أن قضايا الأسرة تشترك فيها كل نساء العالم، فلا يوجد اليوم بيت لا توجد فيه بنت مطلقة أو عانس، ولا توجد أسرة لم تمر بهذه التجربة، كما لا توجد أسرة لم تدخل المحاكم.

فالمحكمة هي مرآة المجتمع ومنها يتعلم دروس الحياة، والزواج والطلاق كظاهرة لابد أن تخضع إلى التحليل، وهذا يدعو إلى التساؤل إن كان الزواج والطلاق مسألة قدر أم اختيار؟، فقد يتبادر إلى أذهان الناس لماذا فلان طلق زوجته، وماهي الدوافع التي جعلته يتخذ مثل هذا القرار، رغم أن هذا الزواج كان باختيار الطرفين، وأن علاقة عاطفية ربطت بينهما، والعكس كذلك بالنسبة للزوجة؟، لقد أصبحت المرأة وهي تتردد على المحاكم لفك النزاع مع زوجها وكأنها في سوق المزايدات، هي لحظة غضب شديدة قادت بواحد منهما إلى الانتقام، وتجاهل الاثنان الكثير من المعايير التي تبنى عليها الأسرة، فنجد الزوجة على سبيل المثال تحضر قائمة مدونة فيها أسماء حاجياتها وكل ما أحضرته في جهاز عرسها، وكأن حياتها الزوجية تأسست على اللباس والذهب والفراش، وغاب عن ذهنها الاستقرار والسكينة، وكم هو مؤلم والقاضي ينطق بالحكم: " بتاريخ كذا وكذا وبحضور... حكمت المحكمة حضوريا بإنهاء رابط الزوجية بين فلان وفلانة... رفعت الجلسة"

جلّ النساء بما فيهم المثقفات يتعاملن مع هذه القضية بنفس القالب (من باب الانتقام من الزوج وتغريمه)، فالجميع ينظر إلى الطلاق أو فك رباط الزوجية هو الحل الوحيد لحل المشكلات الأسرية عندما تصل الأمور إلى حالة انسداد بين الزوجين، وحتى لو كان ذلك صحيحا أو منطقيا ، فعادة ما يكون "الأطفال" ضحية هذا القرار، خاصة في الحالة التي يعيد فيها الزّوج الزواج ويهمل أبناءه، انتقاما من زوجته الأولى، لأنه غالبا ما تتحمل الزوجة مسؤولية تربية أبنائها وقد تضحي بحياتها من أجلهم، و إن كانت تجبر أحيانا على إعادة الزواج لظروف قاهرة، المشكلة طبعا لا تكمن هنا، لأن الطفل مثلما هو بحاجة إلى أمّه فهو بحاجة أيضا إلى أبيه، وليس مُهِمًّا أيضًا معرفة كم عدد حالات الطلاق التي تسجلها الأحوال الشخصية، وكم عدد "أبناء الطلاق" كون العملية من الصعب إحصائها، خاصة بالنسبة للأسرة الجزائرية التي ترى الإنجاب كل سنة عملية ضرورية، بل حتمية عند بعض الزوجات التي تفكر بأن إنجاب الأطفال وسيلة للتحكّم في الزوج  والسيطرة عليه حتى لا يفرط فيها، وهذه مسألة تحتاج إلى وقفة أخرى، ما جعل بعض الأصوات ترتفع لإعادة النظر في قانون الأسرة وبالتحديد في مسألة تحديد النسل وابتكار حلول منطقية.

الحقيقة ان الزواج قضية معقدة جدا ليس لأن المجتمع ابتعد عن دينه، ولكن القضية هي نفسية بالدرجة الأولى، لأن الغالبية العظمى لا تعرف المغزى من الزواج، فبعض الناس يتزوجون من أجل المتعة، أو خوفا من الشيخوخة، وأجل فستان الزواج والجلوس في الكوشة، والبعض من أجل إنجاب الأطفال، طبعا لكل واحد نظرته الخاصة في الزواج وما يريده كل واحد من الآخر، كما أن كل واحد يضع شروطا، وهذه الشروط قد تضيعه عليهما فرصا ذهبية ومن ثمة يقضيان على المفهوم الأسمى للزواج، فما نلاحظه من فوضى وشقاء يعود إلى ان الناس تجاهلوا القوانين الطبيعية، بحيث جعلوا من الزواج مفهوما اجتماعيا زائفا، وجعلوا من المحبة والسكينة قاعدة اجتماعية تتمثل في " الكذب"، وكانت النتيجة أن المجتمع اليوم فقد  الكثير من " المثالية" وأضاع الكثير من " القيم" ، وقد جعلت منه " الفوضوية" ألعوبة، وجرتهم إلى المحاكم، فكانت النهاية الضياع، هم الآن يعيشون في عالم قوامه "اللاهدفية"، وهذا حال مجتمعنا اليوم الذي اهتم بقشور الحياة، لأن التضييق الاجتماعي وتقسيمه إلى طبقات (فقير وغنيّ) أفسدت المجتمع وأفقدت الأشياء ميزاتها فلم يبق منها إلا الشكل.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم