صحيفة المثقف

الشَّهَادَةُ.. مُشَاهَدَاتٌ ومُلاَحَظَاتٌ

eljya ayshالكثير من علماء التربية من خاضوا في مجال الفكر التربوي  يؤكدون أن التربية تحمل طابعا إنسانيا، وترتكز على مبدأ المسؤولية لبناء مستقبل  العالم، فسيادة أيّ دولة تبدأ من تكريس المنظومة التربوية، ولهذا دأبت النظم التربوية في كل بقاع العالم على بناء المُوَاطِنُ الصّالحِ، لكن في ظل التغيرات ومنذ أن تم توظيف المنظومة التربوية توظيفا "إيديولوجيا" أي تسييسها وتدخل الأحزاب فيها، أصبحت هذه الأخيرة تعيش خلل في وظيفتها التربوية،  وفقدت هذه المؤسسة وظيفتها الأساسية في تكوين الأجيال، ولم يعد للفعل البيداغوجي أي قيمة، والدليل الإضرابات عن العمل التي يشنها المعلمون والأساتذة طيلة السنة، وعرقلة البرنامج المدرسي، فقضية الغش الجماعي في امتحان شهادة البكالوريا التي وقعت في السنتين الأخيرتين من أجل الحصول على "الشّهادة"، كانت القنبلة الموقوتة التي تفجرت داخل المنظومة التربوية في  الجزائر، وتعرّض الطلبة النجباء إلى التهميش، غير أن هذه المسألة (الغش) لم تعد  تتعلق بالتلاميذ وحدهم، بل طالت المعلم والأستاذ نفسه، الذي تحوّل إلى " تاجر"  يبيع ويشتري في مبادئه، من أجل كُمْشَة فْلُوسْ، وكان سببا في أن تفقد المنظومة التربوية أهليتها وتعلن فشلها في ترسيخ مفهوم المسؤولية المجتمعية..

لقد عاشت الجزائر واقعة "الغش الجماعي"  في امتحانات بكالوريا 2014، وفي أغلب المراكز، باستعمال الوسائل التكنولوجية المتقدمة، وتم تزكيتها من طرف أطراف في الوزارة، أجبرت المراقبون من الأساتذة وتحت ضغوطات على مغادرة القاعات، وتم خلالها اتخاذ إجراءات ردعية في حق الطلبة المتورطين بتوقيفهم عن المشاركة في الامتحانات لمدة معينة..، وهاهو السيناريو يتكرر من جديد هده السنة، لكن "الطبّاخون" هذه المرة  كانوا أساتذة، فقدوا كل شعور بالمسؤولية، من خلال تسريب مواضع البكالوريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي،  فكان الطلبة النجباء الضحية، لقد  تحولت "الشهادة" إلى عقدة  ليس للطلبة وحدهم، بل للأسرة كذلك، نعم الأسرة التي استهلكت كل طاقتها لتوفير الجو الملائم لابنها أو ابنتها وتحضيرهم لهذا اليوم الفاصل، الذي يحدد مصيرهم ومستقبله، وكانت تواقة طيلة سنوات لرؤية هذا الحلم يتحقق،  إن هذا الجهد ليس عمره 365 يوما فقط، بل عمر بحاله، أي منذ دخول ابنهم إلى المدرسة وهي تزوده - أي الأسرة - بكل المعارف، ودربتهم على العمل الجدي والاعتماد على النفس، وعلمتهم أن يكون الاعتزاز  بالذات وليس بالمال، وألا يعرضون قيمهم للشبهة، وأن قيمة الذات لا تضاهى،  ثم تأتي جماعة تتاجر في العمل التربوي لتحبط آمال الطلبة النجباء الذين عملوا وكدوا  طيلة السنة،  وتدمِّر حلمهم في الارتقاء إلى الدرجات العليا، بحيث لم تدعهم ينعمون  بلحظات الفرح، من أجل أشخاص أقلّ موهبة وأقل صلاحًا، غاصوا في المكان الظلامي.

فكثير من المترشحين اصطدموا أمام هذه الواقعة،  وفقدوا إيمانهم في النجاح، ومنهم من وضع حدا لحياته من أجل "الشهادة"، تلك حادثة وقعت بولاية شرقية عندما أقبلت طالبة على الانتحار، ووضع حد لحياتها من أجل "الشهادة" بسبب إقصائها من  مواصلة الامتحان وإقصائها  منه لسبب واحد وهو تأخرها عن الموعد،  لم يعد المُدَرِّسُ في الجزائر (ودون تعميم طبعا) ذلك المُدَرِّسُ الذي يبني المواطن الصالح، وذلك الذي يغذي تلاميذه بثروة لم يكونوا يتوقون إليها، لم يعد المُدَرِّسُ في الجزائر ذلك الذي يوقظ عقول تلاميذه وينفخ فيهم الروح لتغدو شُعْلَةً حَيَّةً، ويرعاها ويشجعها، ويحافظ عليها كي لا تنطفئ، لأنه يمثل الأب الثاني للتلميذ،  إن المدرس الحقيقي هو الذي يساعد في تشكيل العقل والحياة والمصير، فلماذا يخون بعض المعلمين هذه الوظيفة المقدسة، ويضربون القوانين عرض الحائط؟،  في كل ما قيل، لعل المنظومة التربوية  في الجزائر اليوم بحاجة أكثر من ذي قبل إلى "أمْنٍ تربويٍّ"  لوضع حد للفوضى وقانون الأقوى الذي أسقط كل المُقَدَّسَاتِ، من أجل خدمة طرف على حساب طرف آخر، وهو ما يؤكد على غياب  الكوادر الوطنية التي تحترم نفسها ووظيفتها في قطاع التربية، قد يكون الخطر أبشع إذا ما لم تتحرك الوزارة في ابتكار نظاما جديدا، وربما وجب على جهات أخرى التدخل لمحاربة هذه الظاهرة، لأن المسألة خطيرة جدا، وهي تتعلق بمصير أجيال تعمل أطراف على تدميرها، في وقت يخيم السكون والسكوت على المسؤولين في الوزارة وفي النقابات وكذلك الأولياء، إن المدرسة الجزائرية قادرة على أن تخرج رجالاً صالحين ونساءَ صالحات أيضا، لو أدركت حجم هذه المسؤولية من خلال اختيار كوادرها.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم