صحيفة المثقف

رجـَالٌ يـُقـَاومـُون ويـَكـْتـُبـُون .. الروائي مولود معمري تشابكٌ بين الوَعْيِ والتاريخ

eljya ayshلا أحد يمكنه أن يتنكر أن المرأة القبائلية خرج من بطنها "رجال" آمنوا بأن المقاومة والبناء أساس السيادة والحرية، فما كان لهم إلا أن يتعلموا كما قال - كاتب ياسين- "متى وكيف يكون النضال ممكنا" فكان عليهم أن يتقاسمون الألم والمحن والاعتقال والسجن وحتى الاغتيال، كما تقاسموا الفكر والإبداع بالطريقة نفسها فكتبوا وأبدعوا وأنشدوا وغنوا للوطن والحرية والعدالة من أجل التجديد وآفاق المستقبل

و من هؤلاء نذكر المؤرخ عمار بن سعيد بوليفة الذي اهتم بالدراسات البربرية، كما اهتم بوليفة بوضع القوانين العربية لمنطقة القبائل ومنها قانون عدني عام 1905 وهي قرية تقع بالأربعاء ناث إيراثن أسفل قرية عزوزة،  ويعتبر كتاب " جرجرة عبر التاريخ" أهم مؤلفات عمار بوليفة نشره عام 1925 ذكر فيه تاريخ منطقة القبائل منذ العهد الروماني إلى غاية الاحتلال الفرنسي يبين فيه كيف واجهت منطقة القبائل كل القوى الاستعمارية، كانت له مواقف مرابطية جعلته يدفع ثمنا غاليا من قبل ألإدارة الاستعمارية ولاقى على إثرها إهمالا كبيرا إلى غاية وفاته في 08 جوان 1931، ونقف مع شعراء منطقة القبائل الذين جعلوا من أشعارهم قنابل زعزعت من يمشي فوق الأرض ومن يرقد تحتها، ونشيد "انهض يابن مازيغ" من جملة الأناشيد التي نظمتها مجموعة "البربرو وطنيين"، وكان هذا النشيد كثير الإنشاد في منطقة القبائل قبل الاستقلال وأشهرها على الإطلاق يذكر فيه أبطال آيت عمران ومنهم الأمير عبد القادر، ونقف مع نشيد " بلادي" الذي وضعه محند إيدير آيت عمران الملقب بـ: " أب البربرية"  عام 1950 وهو يعبر عن تفاهم العرب والبربر تقول بعض أبياته:

"وامتزجت دماءنا وسكنا بيتا واحدا وخرجنا من الظلمات ودخلنا الإسلام"

ألقي القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية بتيارت عام 1956 وهو بصدد تأسيس الخلايا الأولى لجبهة التحرير الوطني وبقي في السجن إلى غاية الاستقلال..،  وكانت الكتابة محل مضايقة ومراقبة بخلاف ألأغنية، فالدولة كانت تحتكر وسائل النشر وتراقبها إلى غاية التعددية، خاصة تلك الصادرة باللغة الأمازيغية اضطر هؤلاء الكتاب إلى نشر مؤلفاتهم خارج الوطن ومنهم الكاتب مولود معمري، مما مكن الشباب إلى التزود بالثقافة الأمازيغية وتعلم قراءة وكتابة الأمازيغية، على إثرها شدد الحصار على النخبة القبائلية وفرض عليها السياسة القمعية، وتقول المصادر التاريخية أن 117 أطروحة كانت مقيدة في الفهرس في 01 جوان 1998، ومن بين الأطروحات التي نوقشت في الجزائر تحتل منطقة القبائل المرتبة الأولى من حيث المناقشات بـ: 33 أطروحة، بخلاف أطروحة واحدة في الأوراس و03 أطروحات في مناطق أخرى وهذا ما يؤكد على الثراء الثقافي الفكري الذي كانت تتمته به منطقة القبائل، ويعد مولود معمري من الروائيين الجزائريين الذين ينتمون إلى الرعيل الأول، أجبرته الظروف الاستعمارية على الكتابة بالفرنسية، فكان من الأدباء الذين قرأت لهم النخبة الفرنسية، ولد في قرية تاوريرت ميمون في 28   ديسمبر عام 1917 وسط أسرة تتمتع بالثراء والجاه الاجتماعي، وتلقى تعليمه في مدرسة القرية، ولما بلغ سن السادسة عشر من عمره التحق الشاب بما يسمى بالفرقة الأجنبية التي تعسكر في الصحراء، وهي تضم الجنود من مختلف بلاد أوروبا..

و عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وجد نفسه جنديا في الجيش الفرنسي، وهو أمر لم يكن بالطبع على هواه.، مع بداية الاستقلال شارك مولود معمري في تأسيس خلية التفكير في مستقبل اللغة الأمازيغية عام 1963 رفقة بعض النخب القبائلية ولكنها توقفت عام 1965 بعد اعتقال نظام بومدين بعض أعضاء الخلية وحله مجلة " الضوء" taf tilt  والنادي الذي كان يصدر هذه المجلة ببن عكنون، والمطلع على كتابات مولود معمري يقف على أن هذا الرجل كان مهيكلا في مجموعة الدراسات البربرية بجامعة باريس 08 بفان سان بعد تزعمه "الاتجاه البربرو جامعي"عام 1978 وهو اتجاه ثقافي معتدل في تعبيره وأكثر أكاديمية ومنهجي في العمل المبني على الأسس العلمية..

وكان مولود معمري يشغل إدارة مركز البحوث الأنتروبولوجية للشعوب والأثينيات ولمجلتها (ليبيكا) لخدمة الثقافة البربرية ولكن النظام أحاله على التقاعد، لكن هذا لم يمنعه من أن يترك بصماته من خلال رواياته التي ألفها: (التل المنسي نشرت عام 1952، الأفيون والعصا التي تحولت إلى فيلم، ورواية نوم العادل عام 1955، ثم رواية العبور) ركز فيها مولود فرعون على الصراع الموجود من أجل ترسيخ الهوية الأمازيغية..، وتشكل الكتابة عند مولود معمري في التحامها بقضايا الوطن والدفاع عن القيم الثابتة التي رسخها الأسلاف والمحدد للهوية والانتماء، ما يمكننا قوله هو أنه لا أحد يمكنه أن يتنكر أنه المرأة القبائلية خرج من بطنها "رجال" آمنوا بأن المقاومة والبناء أساس السيادة والحرية وأن هذه الأخيرة (الحرية) تحتاج إلى نزيف فما كان لهذا النزيف إلا أن يزيدهم إيمانا ووعيا بعدالة قضيتهم وإصرارا على المقاومة مهما كانت النتائج، وإن مات هؤلاء فذكراهم ما تزال حية في قلوب أبناء المدينة، من خلال التمثال المنتصب بالمركز الثقافي بوسط مدينة تيزي وزو، والذي سمي المركز على اسمه، والمتأمل في تمثال هذا الرجل يمكن أن يحلل شخصيته ويقرأ ما تخفيه تلك النظارات، رجل عرف كيف يراقص القلم بين الأوراق المختلفة الألوان والأفكار المتضاربة للانفلات من المأزق..

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم