صحيفة المثقف

بكر السباتين: أوردغان يتنفس الصعداء والانقلابيون في أزمة

bakir sabatinأعلنت مجموعة متمردة من "الجيش التركي الأول" بياناً عسكرياً، أكدت فيه الانقلاب العسكري على الرئيس التركي (طيب رجب أوردغان)، بعد أن أحكمت سيطرتها على مطار أنقرة، ومحطة البث التلفزيون الرسمي التركي، ومداخل جسر استانبول الواصل بين شقي المدينة الآسيوي والأوربي، إضافة لسيطرتها على قيادة أركان الجيش، وتطويقها لقيادة المخابرات العامة، ما أدى إلى إحداث شلل كامل في البلاد، ثم أعلنت المجموعة الانقلابية عن تعطيل الدستور ومنع التجول في عموم المدن التركية.

ويبدو أن المفاجأة كانت قد أربكت المواقف والتحليلات حول ما يجري في تركيا، التي عانت طويلاً من تعثر التنمية وانتهاك حقوق الإنسان، إبّان الحكومات الانقلابية العسكرية الأربع التي تعاقبت على حكم تركيا، حتى مجيء حكم حزب العدالة والتنمية الذي قلل من سلطة المؤسسة العسكرية، وصب جلَّ اهتمامه في التنمية الشاملة والمستدامة؛ وإجراء الإصلاحات الجذرية بغية بناء القاعدة المناسبة لنهضة تركية حداثية، تنسجم مع تطلعات الديمقراطية، فتحولت تركيا إثر ذلك من دولة ترزح تحت مديونية عالية إلى دولة دائنة تشهد معدلات نمو وضعت البلاد في مصاف الدول المتقدمة، وهو الأمر ألذي جعل أوردغان يحصل على دعم كبار رجال الأعمال الأتراك بكل توجهاتهم، حتى العلمانيين منهم، لتترسخ مباديء الديمقراطية التي نقلت تركيا من مرحلة اليباب التنموي، إلى دولة جاذبة للاستثمار.

ولكن كما يبدو فإن سلسلة الانفجارات التي شهدتها تركيا مؤخراً، وكان اخرها الانفجار المؤثر في مطار استنبول الدولي؛ قد خلقت حالة من التذمر في صفوف الشعب التركي، ما شجع قادة الانقلاب على الإعلان المبكر عن الإنقلاب المفاجئ الذي وُصٍفَ من قبل أتباع أوردغان بالقرصنة الفاشلة.

إلا أن التداعيات أخذت المسارات باتجاه آخر، بعد أن فاجأ أوردغان الشعب التركي بالظهور عبر السكايب على قناتي ntv و cnntv التركيتين، معلناً بأن الانقلابيين يمثلون فصيلاً صغيراً من (الجيش الأول)، يقودهم المعارض التركي فتح الله غولن (أعلن فتح الله عن رفضه للانقلاب بعد ساعة من كلمة الرئيس)، وسوف يتم السيطرة عليهم وتقديمهم للمحاكمة، ودعا الشعب التركي للنزول إلى الشوارع، والتصدي للخونة (على حد وصفه).

وكان قبل ذلك قد أكد رئيس الوزراء التركي، بن علي، بأن الانقلاب قد فشل، ولن يسمح له بتحويل تركيا إلى دولة فاشلة ومرتع للإرهاب، وعقب ظهور

أوردغان على السكايب استجاب الشعب التركي لدعوته بالنزول إلى الشارع في عموم المدن التركية لحماية الديمقراطية من حكم "الخونة المنقلبين"، فأغرقها بالجماهير الرافضة للانقلاب، فيما أعلنت أحزاب المعارضة، وخاصة رئيس حزب الشعب، رفضهم للانقلاب العسكري والعودة بالبلاد إلى عهد الدكتاتوريات العسكرية رغم انتقادهم المستمر لأوردغان، واتهامه بأنه عمد في أواخر عهده إلى جرّ البلاد نحو مستنقع الأزمة السورية، وهو في نظرهم ما أدخل البلاد في صراع مباشر مع "حليف الأمس" تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وبالتالي تلقي ضرباته الانتقامية في العمق التركي.

وفي سياق تداعيات ما بعد الصدمة فقد أعلن قائد (الجيش الأول) التركي بأن الانقلابيين يمثلون مجموعة محدودة من القوات التي تخضع لقيادته، والعمل جارٍ على التصدي لهم بقوة من أجل القضاء عليهم. وفي أتون الأزمة فقد تم إسقاط مروحية تابعة للانقلابيين بواسطة طائرة عسكرية تابعة لسلاح الجو التركي، فيما أعلن عن اشتباكات بين الشرطة الموالية للشرعية وقوات الجيش التابعة للانقلابيين المتمركزة حول قيادة الأركان في أنقرة، حيث تم اعتقال بعض الانقلابيين، فيما قتل ١٧ شرطياً نتيجة الاشتباكات التي ما زالت مستمرة، وشوهد المعارضون للانقلاب وهم يواجهون رصاص الانقلابيين عند جسر استمبول المعلق. وفي شوارع أخرى كان المواطنون يخرجون الجنود المرتعدين من الدبابات المجنزرة ومن ثم تسليمهم لرجال الشرطة الذين كما يبدو أحكموا السيطرة النسبية على الشوارع والأزقة، كما جاء في بيانات مراسلي بعض محطات التلفزة العربية والعالمية ومواقع الشبكة العنكبوتية، وشهود عيان راحوا يبثون الصور من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بكل اللغات.

وتشير التقديرات بأن تطورات الانقلاب باتت تتحول لصالح أوردغان، إلا أن بعض المحللين يرون بأن تركيا قد دخلت نفق الأزمة، ومن المبكر الارتهان للنتائج في بدايتها، وهذا في تقديري يعني بأن تركيا تقف أمام ثلاثة سيناريوهات تمثل مخرجات الأزمة التي نجمت عن الانقلاب، وهي:

أولا: أن تتمكن المجموعة الانقلابية من إحكام السيطرة على البلاد بفرض الأمر الواقع، رغم انفلات زمام الأمور من بين ايديها تدريجياً، كحالة شبيهة بانقلاب عام تسعة وستين.

ولو نجح هذا السيناريو، فإن الضحية سنكون الديمقراطية، وسترضخ البلاد للأحكام العرفية لمدة طويلة والتمترس وراءها بغية التصدي لأتباع حزب التنمية والعدالة. ناهيك عن تحويل تركيا لمنطقة منفرة للاستثمار كون هؤلاء الانقلابيين لا يمتلكون مشروعهم التنموي القادر على حماية المشروع التركي النهضوي.

ثانيا: إفشال النقلاب من قبل الجيش الشرعي للبلاد، وتقديم المتمردين إلى محاكمة عسكرية، ومن ثم إعادة هيكلة الجيش حتى لا يباغت الديمقراطية من الخاصرة تحت أي ظرف. وهو مشروع كان أوردغان قد حقق فيه نتائجاً أخذت تتجلى في بوادر الفشل الذي أصاب الانقلاب الناقص.

ثالثا: تحويل تركيا إلى دولة فاشلة من خلال حرب أهلية ستأخذ معها الأخضر واليابس، هذا إذا ما تحولت تركيا إلى معسكرين في إطار مواجهة شاملة على الأرض بين الانقلابيين والجيش الشرعي، الأمر الذي سيوقظ الفتنة الطائفية والقومية لدى الأقليات كالأكراد، التي تتبرعم عادة في الدول الفاشلة التي تعمها الصراعات الإثنية، والفوضى. وهذا من شأنه لو حدث، تعريض تركيا لمخاطر التقسيم ، ثم تحويل تركيا إلى مرتع للجماعات الإرهابية، وهو الاحتمال الذي يرعب أوروبا، لذلك اتجهت بعض المواقف الأوربية نحو تأييد أوردغان، فيما أعلن الرئيس الأمريكي أوباما وقوف بلاده إلى جانب الشرعية التركية.

وما زالت التداعيات السريعة تأخذنا باتجاه المجهول رغم المؤشرات التي توحي بالاحتمال الثاني. فهل يستطيع أوردغان العودة من جديد! النتيجة مرهونة بالساعات المقبلة.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم