صحيفة المثقف

عادل عامر: فشل الانقلاب التركي و مسرحية تمرير اتفاقية مع إسرائيل وتصفية المعارضين من الجيش

adil amirأن إسرائيل لديها علاقات جيدة جدا مع روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبإمكانها أن تلعب دورا في تحسين علاقات تركيا في تلك الدول، ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت لتحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل في المقام الأول.

أن الطرفين اتفقا على عدة نقاط، وهي التعويض المالي للأتراك وتجديد العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتشريع البرلمان التركي قانونا يلغي الدعاوى القضائية ضد ضباط وجنود إسرائيليين، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكن لحوحا في تحسين العلاقات مع تركيا    لكنه أيضا لا يريد أن يقوم أي طرف في المنطقة بجعل تركيا عدوة لإسرائيل، كما أن هناك مجالات يمكن للبلدين التعاون فيها كموضوع الغاز والوضع في سوريا. واستمرت العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية بالتطور حتى في ظل ازدياد النفوذ الإسلامي في تركيا : اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وبخاصة بعد تسلم نجم الدين اربكان Necmettin Erbakan، رئاسة الحكومة في الفترة من حزيران 1996م - محرم 1417هـ إلى حزيران 1997م – محرم 1418هـ وكان اربكان زعيم حزب الرفاه من المعادين لإسرائيل والغرب، ومن دعاة التقارب مع العالم الإسلامي، لكن التيارات السياسية العلمانية

بعامة، وقيادة الجيش بخاصة، قد مارست عليه شتى أنواع الضغوط السياسية والإعلامية والعسكرية، مع العلم بأن العلاقات الخارجية مع إسرائيل كانت تدار من قبل جنرالات الجيش التركي، مما أجبر اربكان على تغيير مواقفه من إسرائيل، وأخذ يبرر التعاون العسكري بين الدولتين بأنه في مصلحة تركيا(24) .

ومن الأمثلة التي توضح دور الجيش في العلاقات مع إسرائيل أن إسماعيل حقي كردائي Ismael Kardai قام بزيارة إسرائيل في شهر شباط 1997م –رمضان، 1417هـ، وبرفقته 13 صحفياً، دون إبلاغ اربكان بها، وبرر ذلك بأنه ليست هناك حاجة للحصول على موافقته (25). ومن الأمثلة التي تبين تغير موقف اربكان من إسرائيل انه اجبر على استقبال دافيد ليفي David Lavy وزير الخارجية الإسرائيلية في أنقرة خلال شهر شباط 1997م – رمضان 1417هـ وقابلة دون أن يتحدث معه عن العلاقات العسكرية بين البلدين .

لقد اعتبرت المؤسسة العسكرية، النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها أنصار التيار الإسلامي تهديداً للعلمانية في تركيا لذلك برروا سياستهم إزاء نجم الدين اربكان بانها وفق الدستور الذي منحهم دورا سياسياً فهذا سيفيل باير Cevik Bir، نائب رئيس هيئة الاركان والمتحدث باسم الجيش التركي يقول عن ذلك الأمر " بأننا نتصرف وفق الدستور التركي بشكل صارم حيث يشير البند الثاني أننا دولة علمانية، ويشير البند الرابع أن هذا النص لا يمكن تغييره، ولقد أعطانا البرلمان مسؤولية حماية الأراضي التركية وحماية الجمهورية التركية . في الولايات المتحدة وبريطانية ليست من مهمة الجيش الدفاع عن النظام السياسي، أما في تركيا فان هذه المهمة معطاة لنا من قبل القانون " . ولذلك فأن قادة الجيش قد أرغموا اربكان على الاستقالة من منصبه في 18حزيران 1997م –12صفر 1418هـ.

 وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات العسكرية التركية مع إسرائيل قد منحت قادة الجيش التركي قوة دفع، ووسائل مناسبة للتصدي لمختلف النشاطات الإسلامية في تركيا، كما وفرت لهم المعلومات المناسبة عن الارتباطات الخارجية لتلك النشاطات.

وشهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة محاولة انقلابية فاشلة نفذتها عناصر محدودة في الجيش، تتبع لما تسمى "منظمة الكيان الموازي" التي يديرها فتح الله غولن، حاولت خلالها إغلاق الجسرين اللذين يربطان شطري مدينة إسطنبول والسيطرة على مديرية الأمن فيها وبعض المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في أنقرة وإسطنبول، وفق تصريحات حكومية وشهود عيان.

أن تتحالف المعارضة مع السلطة، الجيش مع الشعب، أعداء اردوغان مع حلفائه في مواجهة الانقلاب، فهذا اصطفاف في خندق الديمقراطية، وليس خلف الحكومة فقط، وهذا هو الدرس الاول الذي يجب أن يستوعبه الرئيس اردوغان إلى جانب دروس عديدة غفل عنها، أو تجاهلها، في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، وإلا فان البلاد ستقدم على هزات أخرى كبيرة كانت أو صغيرة.

وقوبلت المحاولة الانقلابية باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية، حيث توجه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان ومديريات الأمن، مما أجبر آليات عسكرية حولها على الانسحاب، الأمر الذي ساهم في إفشال المحاولة الانقلابية. محاولة انقلاب عسكري في تركيا فشلت في الساعات الأولى من صباح السبت، بعد أن لبّت الجماهير دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للنزول إلى الشوارع للتعبير عن تأييده.

وتوجه أردوغان، الذي كان يقضي عطلة على الساحل عندما وقع الانقلاب، إلى اسطنبول جوا قبل الفجر وظهر على شاشة التلفزيون وسط حشود من المؤيدين خارج المطار. وتمتعت تركيا بطفرة اقتصادية خلال الفترة التي قضاها أردوغان في السلطة وعززت أيضا نفوذها بشكل كبير في المنطقة. لكن معارضي أردوغان

يقولون إن حكمه أصبح شموليا بشكل متزايد. المؤسسة العسكرية التركية أحبطت محاولة انقلاب جاءت من صلبها بيد من حديد، لأنها تضع مصلحة تركيا وأمنها واستقرارها فوق كل الاعتبارات الأخرى، ولهذا التقت مع الشعب على قلب رجل واحد، وعلى مؤسساتنا العسكرية وجيوشها استيعاب هذا الدرس جيدا، فالعرس تركي والمعازيم أتراك، والمصلحة تركية، ولا عزاء للإغراب، والعرب على رأسهم.

ولفترة طويلة توترت علاقات حزب العدالة والتنمية الحاكم مع الجيش والقوميين في البلاد التي تأسست على مبادئ العلمانية بعد الحرب العالمية الأولى. وللجيش تاريخ من الانقلابات للدفاع عن مبادئ العلمانية، لكنه لم يسيطر على السلطة مباشرة منذ عام 1980. وقال رئيس الوزراء بن علي يلدريم إن مجموعة داخل الجيش حاولت إطاحة الحكومة وإن قوات الأمن استدعيت "للقيام بما يلزم".

وأضاف يلدريم قائلا في تصريحات بثتها قناة "إن.تي.في" الخاصة: "بعض الأشخاص قاموا بغير سند قانوني بإجراء غير قانوني بعيدا عن تسلسل القيادة".وأضاف: "لا تزال الحكومة التي انتخبها الشعب تتولى المسؤولية. لن ترحل هذه الحكومة إلا حين يقول الشعب ذلك".إن زمن الانقلابات قد ولى إلى غير رجعة في أول خطاب له، أكد مرة أخرى انه العمود الفقري لاستقرار البلاد وأمنها، والحارس الحقيقي الضامن للعملية السياسية الديمقراطية، وموقفه هذا أعاد ثقة الشعب التركي به مجددا، وأصبح يحظى بمكانة وطنية عالية، ربما تتقدم على التعددية الحزبية، الأمر الذي يحتم على الرئيس اردوغان أو غيره، وضع هذه المسألة في عين الاعتبار، من حيث التشاور مع قيادته والتنسيق معها قبل الإقدام على أي مغامرات سياسية أو عسكرية، تعرض البلاد وأمنها ومصالحها للخطر.

محاولة الانقلاب نفذتها قوات من سلاح الجو وبعض قوات الأمن وعناصر من القوات المدرعة، بحسب رئيس هيئة الأركان العامة التركية بالإنابة، الجنرال أوميت دوندار، الذي أعلن في حديث مع صحافيين انه "تم إلقاء القبض على 1563 جنديا وضابطا شاركوا في عملية الانقلاب".

ليس الانقلاب الأول الذي تشهده تركيا، فقبلها شهدت أربعة انقلابات ثلاثة منها مباشرة في الأعوام 1960، 1971، 1980، وانقلاب غير مباشر في العام 1997 عندما تم توجيه إنذار الرئيس الوزراء نجم الدين أربكان فاستقال بعد أشهر معدودة. وهذه المرة "كانت هناك أحاديث في الوسط السياسي والإعلامي عن تحرك للجيش في المدى القريب

 إن "المؤسسة العسكرية التركية قياساً على تجارب الانقلابات السابقة، عندما ترى أو تعتبر إن الوضع الأمني والنظام العلماني مهدّدان، تقوم بانقلاب لتعيد الأمور إلى نصابها وتعاود الانسحاب إلى الثكنات، لكن ما حصل في الأمس اختلف عن المرات السابقة، هناك استياء بسبب تدهور الوضع الأمني نتيجة الحرب السورية والعمليات التي قام بها داعش داخل تركيا، لا سيما عملية المطار التي شكلت صدمة كبيرة لدى الرأي العام، وطريقة حكم اردوغان الذي يحاول أن يكون الحاكم الأوحد والسلطان، والذي يسعى إلى قيام نظام رئاسي"، أنّ "السياق مسئول عنه اردوغان إلى حد بعيد، لكن المسؤولية مشتركة مع المعارضة والأحزاب الأخرى التي تكاد تكون عاجزة".

محاولة هزّ عرش السلطان ستكون لها ارتدادات داخلية وخارجية،شرحها نور الدين "في الداخل سيحاول اردوغان الاستفادة من فشل المحاولة من خلال التخلّص من خصومه في كل مؤسسات الدولة ولا سيما في المؤسسة العسكرية، هذا يعني استمرار النهج السابق في الاستئثار بالسلطة، ولا ينهي المشكلة بل سيبقيها حيّة بانتظار فرصة ثانية لانقلاب سواء عسكري أو تحرك ما بشكل آخر"

ومن جهة ثانية تلقت المؤسسة العسكرية والدولة التركية ضربة قوية، جيش مفعم بالجراح، قُصت أجنحته،معنوياته هابطة حتى ولو لم يكن لرئاسة الأركان أي علاقة بالانقلاب، إذ لا يمكن لمثل جيش كهذا أن يخوض معركة ناجحة ضد الأكراد في الداخل، كما لا يستطيع الاستمرار بتغطية سياسات اردوغان في سوريا لهذا قد يشكل الآمر بداية تحول جدي هذه المرة بالنسبة لسياسته في الداخل السوري، إذ سيركز على التفرغ لترتيب البيت الداخلي".من و أنه "بعد فشل الانقلاب، انتهى الجيش التركي العظيم، وفي الوقت نفسه لم ينجح اردوغان. صحيح انه استطاع مواجهة الانقلاب بفضل التأييد الشعبي ووقوف كل الأحزاب معه إنما دخلت تركيا من الآن وصاعدا في المجهول".

لقد أعادت تركيا اكتشاف الشرق الأوسط، بعد أن تجاهلته المؤسسة التركية العلمانية الموالية للغرب لعقود. وخلال مرحلة الحرب الباردة، بل وعقبها، كان النشاط التركي في المنطقة محدودا، وعادة ما يتم في إطار السياسات الخارجية للولايات المتحدة. أما اليوم، فإن تركيا في سبيل إنهاء انفصالها المفتعل عن منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن الدور التركي في هذه المنطقة يتصاعد، منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن تغييرا نوعيا قد طرأ علي طبيعة هذا الدور أخيرا.

في التسعينيات، كانت علاقة تركيا بالمنطقة تسير في إطار رؤية واقعية لموازين القوي في الشرق الأوسط، فكان تركيزها علي تطوير علاقاتها العسكرية بإسرائيل، كما مارست ضغوطا علي سوريا، وشاركت في فرض العقوبات الغربية ضد العراق. أما اليوم، فإن تركيا تسعي إلي تطوير علاقاتها مع جميع اللاعبين بالمنطقة بغرض دعم فرص السلام والتكامل الإقليمي. وفي إطار هذا الهدف، بادرت تركيا بلعب دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا وحركة حماس وإسرائيل. وكذلك توسطت بين الفرقاء المختلفين داخل لبنان والعراق، وبين الولايات المتحدة وإيران. فقد تعثرت العلاقات التركية - الإسرائيلية منذ عملية 'الرصاص المصبوب' ضد قطاع غزة، وذلك بفضل الاعتراضات التركية علي ممارسات تل أبيب في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي، والخطاب الإسرائيلي الحاد في الرد علي هذه الانتقادات. تصاعدت هذه الأزمة في يونيو 2010، عندما قتلت قوات الدفاع الإسرائيلي تسعة مواطنين أتراك كانوا علي متن سفينة تركية، ضمن أسطول دولي ينقل مساعدات إنسانية إلي قطاع غزة، في تحد للحصار الإسرائيلي المفروض علي القطاع...

لهذه الأسباب فشل الانقلاب :-

1- وجود انقسام في الجيش اتجاه العملية الديمقراطية حتى إن الانقلاب العسكري لم يشارك فيه قادة الجيش البري والجوي والبحري، حيث ظل القادة الكبار خارج المحاولة الانقلابية.

2- عدم قدرة الانقلابيين على الوصول إلى الرئيس أردوغان، الذي ظل حرا يقاوم الانقلاب ويدعو الشعب للخروج إلى الشارع.

3- رفض الأحزاب السياسية المعارضة للحكومة لتبييض الانقلاب أو توفير غطاء سياسي له. 4- كراهية الشعب التركي لتاريخ الانقلابات في بلادهم وامتلاكهم الشجاعة للنزول إلى الشارع رغم حظر التجوال الذي أعلنه الانقلابيون.

5- عدم سيطرة الانقلابيين على وسائل الاتصال ووسائل الإعلام بحيث ظلت خارج السيطرة. 6- قدرة حزب العدالة والتنمية على التعبئة وتوفره على بنية تنظيمية قوية استطاع أن يحركها بسرعة للتصدي للانقلاب والخروج إلى الشارع.

 

الدكتور عادل عامر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم