صحيفة المثقف

علي صالح جيكور: عقدتي المُستديمة مع ربطة العنق

ali salihjekorتعلمت القراءة والكتابة، والحدادة، والرسم، وعزف العود، وقص الشعر، وكل مايخطر على البال، لكني وقفت عاجزاً عن تعلم عقد ربطة العنق..

حاولت مراراً لكني فشلت، رميتها بعيداً، وأوكلت هذه المُهمة الى زوجتي العزيزة..

إستيقظت هذا الفجر الساعة الرابعة والنصف، فدوامي يبدأ الساعة السادسة تماماً، عادة ماتكفيني ساعة للأستحمام وإعداد الشاي والفطور السريع، وقراءة الأخبار للحظات..

وعشرون دقيقة هي مسافة الطريق الى مقر عملي، وعشر دقائق لشرب القهوة من الزملاء..

ماحدث لي اليوم، بعد أن أكلت فطيرة الجبن الهولندي، وشربت الشاي، وقرأت رسالة حسن النواب بخصوص روايته الاخيرة، وقفت أمام المرآة الكبيرة المسنودة الى الحائط عند الباب الرئيسية، لأتأكد من مظهري وهندامي، وبينما كنتُ أسحب ربطة العنق لتعديلها، فإذا بها تَنحّل في يدي!!

صعقت وأرتبكت، ركضت نحو السلم، إرتقيته بثلاث خطوات طويلة، وصلت الى غرفة النوم وتسمرت هناك لثوانِ،إذ لو خيروني تلك الاثناء بالدخول الى قفصٍ يربض فيه أسد جائع، وبين إيقاظ زوجتي في هذه الساعة من الفجر الشتائي البارد، لسؤالها عن عَقد الربطة، خصوصاً وأن هذه الايام هي عطلة الاولاد وفترة إستراحة الجميع إلا أنا، لأخترت الأول دونما تردد!!

ماالعمل ياإلهي؟؟؟

الوقت يمضي بسرعة، حملتُ حقيبتي وركضت نحو السيارة التي راحت تنهب الطريق، ركنتها كيفما إتفق في المرآب، لم يتبق لي سوى سبع دقائق، وقفت تحت المظلة الحجرية لباب الدائرة، والتي لم تحمني تماماً من وابل المطر المُنهمر..

عتمة داكنة، مطر غزير، وقفت مثل اللص، في إنتظار قدوم أحد، يشد لي الربطة وينقذني من هذا المأزق، إذ يستحيل علي الدخول بهذه الهيأة، ومسؤولتي التي تشبه مادلين اولبرايت خلقة وخُلقاً، تقف الآن مثل أبي الهول في باب الاستعلامات، تحدق بالداخلين والخارجين بشزر وحدة، باحثة عن أي زلة مهما كانت صغيرة، لتصب جام غضبها، وعقدة عنوستها، على قليل الحظ الذي يقع بين براثنها..

لا أعرف سِرَّ خوفي وخشيتي من هذه اللعينة، وانا المُتمرد بطبعي على كل شيء؟؟!!!

شَقّت صيحتي فضاء العِتمة : وليم، وليم، كاد زميلي المسكين يغمى عليه من هول المفآجأة، تَسمّرَ للحظات كي يستعيد هدوءه، ويضبط تنفسه، دنوتُ منه، لاتخف ياوليم أنا علي زميلك، وليس لصاً..

مددت له يدي بربطة العنق، وليم أرجوك شدها لي بسرعة، لم يبق لي سوى دقيقتين..

عقدها بيدين مرتعشتين وناولني إياها، ثم أسرع الى الداخل دون أن يفوه بكلمة..

أدخلت رأسي بها وعدلتها، ثم هرولت الى الداخل..

صباح الخير سيدة آنيا، صباح الخير سيد علي، قالتها وإبتسامة ماكرة تختبي خلف وجهها المتجهم..

إستلمت رقم الباص الذي سأعمل عليه اليوم، ثم ملأت كوب فليني قهوة بالحليب، عند الباب إستوقفتني السيدة آنيا، تبسمت بخبث وقالت:

عليك أن تتعلم عقد ربطة العنق، بدل الإتكال على الآخرين!!

قلت: أوكي سيدة آنيا سأفعل..

فَتشتُ بعَينَي عن وليم اللعين، كان يختلس النظر إلي من وراء الجريدة، ويضحك....

 

علي صالح جيكور

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم