صحيفة المثقف

حسن حجازي حسن: رواية تريسترام شاندي إبداع خارج حدود

hasan hujaziالزمن!‏علي مدى عام ونصف تقريبا‏، ربما يزيد‏، في محاولات حثيثة‏، مضنية ومستمرة أمضيتها في ترجمة تلك الرائعة التي لم يسبق ترجمتها في ترجمة رائعة الروائي الإنجليزي الشهير‏،‏ لورنس ستيرن‏، (‏حياة وآراء حضرة المحترم ‏، السيد ترسترام شاندي‏).‏

المهمة لم تكن أبدا سهلة كما اعتقدت في البداية خاصة من ناحية نص رواية مراوغ يعود للقرن الثامن عشر، بلغته ورصانته وغموضه وتعقيداته ومدلولاته ومضامينه المختلفة والقضايا التي أثارها وربما يثيرها. فنراه يجمع بين الدين والفلسفة والحكمة والتهكم والسخرية والإيحاءات النفسية والجنسية والرموز المتعددة والمعقدة والأسلوب القصصي الذي يزخر بالكثير من السمات الفريدة والمتميزة، علاوة علي سيرة ذاتية للمؤلف والتي يشير إليها من حين لآخر، وسط الكثير من الاستطرادات والإسقاطات ووجهات النظر والآراء المختلفة في مجالات عدة  ومتباينة .

– ويفوز باللذات كل مترجم: لا أدري هل هي اللذات أم اللسعات التي ننتظرها، أم اللكمات، أم الرفسات والركلات كما ذكرها كثيرا المؤلف، في روايته، لكنها مغامرة بحق ..

في البداية عندما اتصل بي الشاعر والمترجم الكبير رفعت سلام وعرض علي تولي تلك المهمة لترجمة تلك الرائعة، فلم أتردد، بل وافقت علي الفور خاصة عندما علمت أن الرواية لم يسبق ترجمتها للغتنا العربية من بين لغات العالم، فخضت التجربة.  فكل ما كان يشغلني ويؤرقني هو الكتاب وأهميته وضرورة ترجمته للغتنا العربية. فكنت كلما تقدمت في الترجمة وتعمقت في فهم النصوص بصورة أفضل، أدركت بصورة واضحة سبب إحجام المترجمين العرب عن تلك الرواية.  ربما صعوبتها، وغرابتها، أو القضايا الشائكة التي تخوض فيها وما قد ينجم عنها من قضايا، في مجال الدين والفلسفة وشتي نواحي الحياة، بصورة جريئة  واضحة وجلية. وعلي رأي المثل الشائع :، الباب الذي يأتي منه الريح !

..

عودة للرواية وترجمتها: ربما هنا أبادر وألجأ لأسلوب المؤلف نفسه فيما قاله بخصوص مقدمته التي أوردها فيما بعد في الفصل العشرين من المجلد الثالث للرواية، عندما انتهز المؤلف فرصة سانحة لذلك، بل وربما أحذو حذوه وأقرر بأنه لا داعي لتلك المقدمة، فالكتاب يجب أن يتحدث عن نفسه، فنجده يقرر ويقول : لا، لن أتفوه بكلمة واحدة عنها ها هي،- فهي عند نشرها ناشدت وما زلت أناشد العالم  بل وأتوسل إليه وإلي العالم أتركها،- فهي يجب أن تتحدث عن نفسها !

.

وتتجلي أهمية هذا العمل عبر تطوير، لورنس،  لبنية الرواية من خلال أسلوب السرد، الذي تبناه العديد من الكتاب في إطار أدب الحداثة وما بعد الحداثة، فالموضوع لا يرتبط بشخص البطل، بل بالمواضيع التي يحلو للكاتب تناولها، والتي تكون متفرعة عن المحور، إلي جانب حوارات متخيلة ممتدة مع قراء ونقاد .

ويهدف من خلال بنية الرواية إدخال القارئ إلي عقل شاندي، وهو الأسلوب الأدبي الذي تبناه كتاب القرن العشرين، حيث يتدفق النص من خلال الوعي الداخلي للشخصيات. ويتخلل العمل كما ذكرنا الكثير من الحوارات مع القراء والتعليق علي ما في الأحداث، ومثال علي ذلك، عندما نجده يقول: لقد وعدت بكتابة الفصل الخاص بالأزرار, ولكن علي قبلها أن أقدم لكم الفصل الخاص بخادمات الغرف .

هذا هو أسلوب المؤلف علي مدار مجلداته التسعة التي تضمها الرواية، في شد وجذب وفي حوار ممتد متواصل بلا نهاية بينه وبين القارئ، ذكرا كان أم أنثي، أو بينه وبين النقاد أو وبينه وبين الناشر، أو رجال الدين والسياسة، أو العالم بصفة عامة، فهو يصر علي هذا، فنادرا ما كان ينحاز لأي جانب من البشر ألا مرة واحدة علي ما أذكر هو عندما  انحاز للمرأة الأسبانية الجميلة.. لعل السبب في بطن الشاعر، أقصد ربما في قلبه وعقله .

وفي النهاية نترك القارئ الكريم الإبحار في خضم عمل يستحق القراءة ويليق بالاهتمام، (هذا عند نشره بعون الله)، وجدير بكل ما تحمله من معني، ليس بالاقتناء والقراءة فقط، بل بالبحث والدراسة والتحقيق. وننتظر صدوره ومثوله للطبع والنشر في أقرب وقت ممكن، لتكون أول ترجمة للغتنا العربية .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم