صحيفة المثقف

عبد الواحد مفتاح: أحيانا أكون ملحدا

abdulwahid miftahكنت في مطار محمد الخامس، حيت صادفت السيدة (فينسيا) التي سيأخذني حوار ودي معها، لأعرف أنها صحفية بجريدة (لموند)، ما إن عرفت بمغربيتي حتى انخرطت معي في نميمة لذيذة، حول أوضاع بعض السياسيين المغاربة ومستوى التعجرف المضحك الذي وجدته عند بعضهم، حال لقائها بهم، وما إن أخبرتها أني مسلم ردا عن سؤالها، حتى بادرت في مشاكسة سني أو شيعي؟ لأقول أني صرت ملحد. هكذا أرتاح من الدخول في متاهة توضيح التناقضات العبثية التي تحكم واقعنا، وشرح إجابات بليدة عن تساؤلات تحير بي الدنيا، كلما وجهها أحد الأصدقاء الأجانب إلي. 

صحيح أن الناس على دين ملوكهم، كما تقول الحكمة العريقة، لكنني تذكرت في لحظة كاريكاتور ناجي العلي، حين يرد يا أخي إحنا ملحدين، هل صار فعلا الحل الذي بت أرتاح له أحيانا، هو إعلان الإلحاد مؤقتا. كلما هممت بزيارة خارج هذا الجحيم العربي، بعدما صار المسلم رديف الإرهاب أو الذئب البشري، لا أحد في العالم سيقول أن من فجرو مترو الأنفاق ببلجيكا هم من البشر. ولا أحد هناك أو أي مكان أخر، يفهم غير أن من فجروا بلادهم، كمن فجروا باريس فعلوا ذلك لسبب واحد لا شريك له، أنهم مسلمون.

أنك مسلم معناه أنك مشروع قاتل وبلا مبرر، هكذا أصبحت الصورة منطبعة بمرح في الخيال العمومي الأروبي، مدعومة بجحافل المؤسسات الإعلامية، في وقت تقدم فيه الجماعات الإسلامية بكل أنواعها، يوميا حطبا جديد لإشعال وازدهار هذه الصورة، التي تعمل بمعاول من حديد لتهشيم وجه الإسلام، في جهد كامل لنسفه.

ما الذي تقوم به داعش، غير مد أسباب جديدة لتدخل دولي في الشرق الأوسط، يمهد لاستعمار جديد فوق الاستعمار القديم، وإعطاء شرعية حضارية لإسرائيل، باعتبارها الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة،وسط حظيرة دول من القرون الوسطى.

إن هذا التناحر الطائفي، الذي يجر ورائه هذه الإصطفافات الإقليمية، يكاد يبتلع أخر ما تبقى من قيم داخل وجودنا الحضاري، إلى عهد قريب لأقوى الدكتاتوريات، صدام حسين،معمر القدافي، نظام حسني مبارك، كان يمكن الحديث ولو صوريا عن الديمقراطية، والحداثة، ومشاريع التنمية البشرية، أو إحدى مفرقعات النهضة العربية، لكن كان من الممكن أيضا رؤية مستويات بطيئة من التقدم..اليوم لا مشاريع أو برامج ليس غير أن تكون سنيا أو شيعيا، في رجوع إلى تصنيفات محاكم التفتيش الكنسية، ما قبل العصور الوسطى لأروبا. الحضارة العربية، العبقرية الإسلامية، وتاريخها، يتم اختزاله في تناحر بين طائفتين دينيتين، من يقع في معسكر الأخر يقطع رأسه ..أموال وأسلحة ومئات الآلف من القتلى من الطرفين، إلى جانب ملايين المشردين والجوعى المنتشرين الآن، كالألم في مفاصل العالم ونقطه الحدودية البغيضة.

أتذكر شارون في مجزرة (جنين) حين أعدم بدم بارد مئات النساء والأطفال الفلسطنيين، وأقام مؤتمر صحفي لذلك وهو يتوعد أن الأسوأ لم يأتي بعد.  أتذكر حينها كيف ارتسمت على وجهي ابتسامة (اغتصبت حالة الحزن المنتشر فيه)  أي سوء يمكن أن يقع بعد هذا؟ تم إنه ليس من بعد ما قمت به سوء أكثر؟. لكني كنت مخطأ شارون لولا العقاب الإلهي الذي نزل به، لعاش ليضحك بجنون كامل، وهو يشهد ما يكيله العرب لبعضهم البعض اليوم، ويطمئن لصدق نبوءته ..الأسوأ وقع دون أن تحرك إسرائيل جندي واحد، أو تهتز بها شعرة، بعدما أعلن أمير داعش أبو بكر البغدادي نصره الله علينا، وأطال قتله فينا، أن إسرائيل ليست عدوهم. وأن مقاتلة الشيعة أولى وأهم.. وهي ليست أستراتيجيته وحده فبعد طول تحليل لأدبيات القاعدة وفتاوى شيوخها لا نكاد نعثر على مجرد إلماحة حقيقية للعداء لإسرائيل، فقط الشيعة مشركون ومقاتلة المشركون أولى من مقاتلة الكفار، ليفاجئني أحد المؤيدين لفكر داعش والذي ليس غير أستاذ لمادة التربية الإسلامية بالإعدادية القريبة من حينا: اليهود هم أهل كتاب وليس من الضروري الإمعان في تجريحهم أما الشيعة فقردة وخنازير أكثر منهم مشركون لا تهتم بتوحيدهم وما يقولون بألسنتهم وإنها يجب قتلهم لما لا يقولون ويخفون.

على الطرف الأخر شيوخ الشيعة مهابيل حقا كل عملهم لعن السنة ليل نهار وجمع مقاتلين لإرسالهم للدفاع عن جيش الأسد, أو تفريخ مظاهرات جديدة لإحداث القلاقل بدول الخليج ..على إمتداد هذا الزمن العربي، لم نستطع إرساء مؤسسات فاعلة ومستقلة  للحوار، والتقريب بين المذاهب والطوائف، لتوحيد كلمة العرب..مرارة هذا الفراغ العقلاني المهول نتجرعها، يوميا بعدما استغل السياسي الطائفي كورقة حرب بالوكالة، بين إيران والسعودية ودول الدعم الواقفة وراء كل واحدة منها ..كم يرعبني الشيطان حين يأتي ذاكرا اسم الله كما يقول غاندي، ملايير نفطية عابرة للقارات، من الطرفين اليوم هي ما تحرك هذه الآلة المجنونة، من  الفضائيات التي تبت سموم الفتنة على مدار الساعة داخل البيوت والمنازل. يكاد العرب اليوم أكثر أمة لها فضائيات طائفية في العالم، خطابات متطرفة بأجندة سياسية واضحة، تسير كأدوات حرب، بيد جنرالات يقودون ألعاب فيديو بمرح شِرير.

قد لا يكون كمن يدخل رأسه في التراب كنعامة، عندما يتبادر إلى الذهن هل الإلحاد هو الحل، كما بادرت جماعات إسلامية تقول عن نفسها معتدلة، أن الإسلام هو الحل، عدم القدرة على الفهم ومواجهة هذا الواقع الذي يتبلد، حتى عند بعض مثقفينا ممن ما زالو يرتعون في برجهم العاجي، خوفا من النزول بمشارط النقد والتحليل لهذا المستنقع الوسخ، فما بالك بشخص بسيط مثلي وإن كنت لا أطرق ذلك إلا من باب السخرية السوداء واللعب بعبث بعيدا عن المنعرجات التي صارت تطوق العربي، كلما وجد نفسه وجها لوجه مع أسئلة العالم.          

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم