صحيفة المثقف

علجية عيش: مُعَادَاةُ السَّامِيَّة- Anti – Sémitisme .. تعويذة سحرية تُسَمِّمُ العالَمُ الإسلاميُّ

eljya ayshالتقرير الذي نشرته الخارجية الأمريكية مؤخرا حول الحريات الدينية في العالم، وبالضبط حرية المعتقد في الجزائر، وأشارت في تقريرها إلى أن 200  يهودي متواجدين بالتراب الجزائري إلى غاية الآن، أثار حفيظة وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسي، الذي اعتبر تقرير الخارجية الأمريكية بأنه عبارة عن  تضييقا تمارسه السلطات الجزائرية  ضد أتباع الديانات الأخرى، وهو لا يخرج أن يكون  سوء فهم للثقافة الإسلامية الجزائرية وموروثها الديني، وليس بغرض الإساءة إلى الجزائر،  وشدد وزير الشؤون الدينية الجزائري على أن الجزائر ستبقى تعتز بانتمائها الثقافي والحضاري وتكرّس حرية المعتقد، وممارسة الشعائر الدينية في الدستور وفي قوانين الجمهورية، والحقيقة  أن هذا التقرير يجدد النقاش حول إشكالية عميقة ومعقدة تتعلق أساسا بـ: "حوار الأديان" وما جاءت به الشرائع السّماوية، كما يُجَدِّدُ النقاش أيضا حول مفهوم "معاداة السّامية"، فقد تعدد وكثرت آراء المفكرين حول الدين والمعتقد ، حيث يجمع المؤرخون على أن حرية المعتقد تلزم على المجتمعات المختلفة احترام الإنسان وعدم إجباره على اعتناق دين آخر  غير دينها، أو إتباع مذهب معين، وهذا يعني أن لكل إنسان الحق في  حرية المعتقد، لاسيما وهذا الحق يدخل في إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 1948) في مادته الثامنة عشر والتي تنص على أن: " لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين"، ويشمل هذا الحق حريته في انتمائه إلى أحد الأديان أو العقائد "، فقد أجمع المؤرخين أن حرية المعتقد الديني تلعب دورا مهما في إفساح المجال أمام "الحوار" بين الأديان لأجل تعميم التعايش السلمي والأمان بين جميع البشر، كما يجمع الخبراء أن ثمة أزمة خطيرة يشهدها القانون الدولي الجديد، وأن ثمة محاولات جادة تسعى من ورائها الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة تشكيل قواعده ومبادئه الحاكمة.

و قد جعلت الولايات المتحدة من الصراعات الطائفية أو المذهبية وما ينجم عنها من توترات أمنية وسياسية ذريعة أو حجة في التدخل في الشأن الآخر، فأعلنت أمام المجتمع الدولي بأن تدخلها من أجل نشر الديمقراطية في تلك الدول التي تعيش غليان داخلي، ومحاربة الإرهاب الذي يشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين، فقد شكلت في هذا مجموعة المعاهدات التي تشكل سلاحا مهما في الحرب الدائرة ضد الإرهاب  بلغ عددها اثنتا عشرة  معاهدة، والحقيقة هي تعمل على تعميق الانقسامات الداخلية، كما تسعى في إعادتها صياغة العالم  أن تضفي حمايتها بكل الطرق والوسائل الممكنة على "إسرائيل"، من خلال إصدار قانون تجريم معاداة السّاّمية عالميا" وهو مشروع طرحه  المسمى "توم لانتوس" عضو الكونغرس اليهودي عن ولاية كاليفورنيا، والمشهور لعدائه الشديد للعرب، وصادق عليه الكونغرس الأمريكي في 10 أكتوبر 2004،  ووقع عليه الرئيس الأمريكي جورج بوش في السادس عشر من نفس الشهر والسنة،  في سياق حملته الانتخابية، وألزم وزارة الخارجية بإحصاء الأعمال المعادية للسامية حول العالم، وأنشأت لهذا الغرض مراكز ومعاهد كثيرة ( معهد أيباك Aipac، ومامري Memri ، منظمة أدي آل ADL، رابطة ليكرا  Licra وهذه الهيئات ركزت اهتمامها  بكل ما يتعلق بالعالمين العربي والإسلامي بعد أحداث سبتمبر 2001، ولم تتسم مهامها بالبراءة، لأن القانون جاء متحيزا لصالح فئة ضيقة، وفاضحا لجملة من المصالح السياسية.

فمصطلح "معاداة السامية" anti - sémitisme لا يقصد به معاداة العرق السامي، وإنما  يقصد به معاداة اليهود،  ومعاداة السامية هي مجرد أداة للحركة الصهيونية كما يقول المؤرخون، وأطلق هذا المصطلح في أوروبا ولأسباب تخص أوروبا والغرب بشكل بحت، لكن وقع التباس في ترجمته وتفسيره لغويا وقانونيا، فإذا عبّرت دولة ما، عن رفضها لثقافة دولة أخرى، فهذا الموقف في نظر القانون السّالف الذكر يُعَدُّ عملا عنصريا، كما أن الاعتراض على بناء المستوطنات في فلسطين يعد عملا عنصريه يرفضه قانون تجريم معاداة السامية، الذي هو في الحقيقة غطاء لجرائم إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني، والجدير بالإشارة أن هذا القانون جعل من  إسرائيل كيانا  لا يمكن المساس به أو التعدّي عليه، وقد كتب الإسرائيلي "هيليل هالكين" : " إن لإسرائيل هي دولة اليهود، والصهيونية هي عقيدة الإيمان بأن اليهود يجب أن تكون لهم دولة، وبالتالي فإن تشويه صورة إسرائيل تعد بمثابة تشويه صورة اليهود، ومن ثمّة معاداة للسامية"، وقد ساهمت وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية التي أنظمتها تمارس التطبيع مع الكيان الصهيوني في بث رسائل معاداة السامية، وحشد التأييد السياسي والإعلامي للجمعيات والمنظمات، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي،  والدليل أن إسرائيل اليوم تتكلم عربي عبر هذا الفضاء المعلوماتي.

ومن جهتها فرنسا، فقد سنّت هي الأخرى قانونا يشبه إلى حدٍّ ما، القانون الأمريكي لمعاداة السامية، ودعمت الاستيطان اليهودي في كل الدول التي استعمرتها، ومنها الجزائر، فقد استخدم الاحتلال الفرنسي في الجزائر  ألأقلية من اليهود لخدمة أهدافه ومصالحه للسيطرة على الأرض والسكان، وكان عدد اليهود في الجزائر  عام 1830 أثناء دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر سبعة عشر (17) ألف  يهودي موزعين في أربع مدن كبرى هي : (مدينة الجزائر  خمسة ألاف يهودي،  قسنطينة  ثلاثة آلاف يهودي،  وهران  ألفين وثلاثمائة،  تلمسان ألف  وخمس مائة) بالإضافة إلى اليهود  الرحل  الذين أقاموا على أطراف الصحراء بجنوب مدينة قسنطينة ويهود منطقة "الزّاب"، وفي سنة 1931 ارتفع عددهم إلى 23 ألف يهودي، ويقود الطائفة اليهودية في الجزائر  يعقوب بكري وهو ينحدر من ليفورن  في إيطاليا، وكان اليهود في الجزار ينقسمون إلى شرائح وهم: السفارد  (سفارديم بالعبرية) وهم يهود إسبانيا، الإشكناز (بالعبرية إشكنازيم)، وهم يهود فرنسا وألمانيا.

وقد  شجع الاحتلال الفرنسية فرنسة اليهود، بعدما ضمنت لهم الحماية على ارض الجزائر مقابل منحهم الجنسية الفرنسية، وقد حدثت مواجهات عنيفة بين اليهود والجزائريين بسبب منحهم الجنسية الفرنسية،  والنتيجة التي يمكن استخلاصها هي أنه مخطئ من قال أن "بروتوكولات حكماء صهيون" دار عليها الزمن، لأنه مخطط على مدى بعيد، بل خريطة سياسية تطبق الآن، فالمؤرخون يرجعون فكرة العداء لليهود هي من أهم أدوات الصهيونية، وبدون هذا العداء فإن الصهيونية في الحقيقة تفقد معناها، ولهذا حسب المحللون فإنه وجب إعادة النظر في هذه المسائل والدعوة إلى حوار شامل للأديان السماوية الثلاثة (اليهودية، المسيحية والإسلامية) لاسيما وهذه الأديان دعت إلى تطبيق مبدأ  التسامح في المجتمع البشري وتطهيره من الأحقاد والكراهية للأخر، ونبذ التعصب والتطرف الديني .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم