صحيفة المثقف

علجية عيش تحاور: حفيد أوّل إمام للجيش العراقي.. د. قصي الشيخ عسكر

1056-qusayالإعلامي والرّوائي العراقي المغترب قُصَيْ الشّيخ عسكر: قابلت الرئيس أحمد بن بلة في باريس ووجدته نادمًا على كثير من المواقف السابقة مع الشهيد عبد الكريم قاسم

(الشهيد عبد الكريم قاسم خصص 05 % من نفط العراق لثورة الجزائر)

(كُنَّا نخرج في مظاهرات لدعم الثورة الجزائرية ونهتف ( ديغول اطلع برَّه.. الجزائر صارت حرَّة)

 

في الساحة الأدبية العربية أقلام كانت سلاحا دافعت به عن الوطن، وردت به مظالم الأعداء، وكان لها وعي الأدب العربي بتمزقه وبأزمته الحادة بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، لقبوا بأسماء عديدة ( الطيور المهاجرة، المغتربون.. اللاجئون..، المنفيون.. و..و..)، فلم يجدوا سوى القلم يعبرون به عن غربتهم وحنينهم إلى الوطن، ومن الأدباء العرب الذين يكنون حبًّا للجزائر ويعتزون بتضحيات شعبها، الإعلامي والروائي العراقي قصي الشيخ عسكر، والحديث مع الروائي قصي يشعرك وكأن كل شيء مجتمع حول هذا المغترب: الوطن والأهل والأصدقاء ..القيم والحياة المجتمعيّة بتفاصيلها كلها حاضرة معه في الغربة، وذلك على مبدأ أنّ الروائي قصي أخذ معه العراق، وهو القائل: " إن أي نجاح في الحياة يكمن في أن يواجه المرء مصاعبها بثبات الطير في ثورة العاصفة، التقينا بالروائي قصي الشيخ عسكر فكان لنا معه هذا الحوار الشيق

 

يريد القارئ الجزائري التعرف على شخصكم الكريم؟

- اسمي قصي عبد الرؤوف عسكر واسم الشهرة قصي الشيخ عسكر والشيخ عسكر هو جدي كان أول إمام للجيش العراقي في بداية تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي، ولدت عام 1951 في قرية نهر جاسم من أعمال قضاء شط العرب، كان شط العرب ناحية حينذاك والتنّومة مركز الناحية، درست الابتدائية في شط العرب والثانوية في منطقة (العشار) حيث مركز محافظة البصرة في حين كانت دراستي الجامعية في جامعة البصرة كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1973- 1984 ثم أكملت الماجستير في جامعة دمشق والدكتوراه في الجامعة الإسلامية بلندن، عشت في الدنمارك وأحمل الجنسية الدنماركية وأعيش الآن في بريطانية مدينة نوتنغهام، أكتب الشعر والرواية والبحث الأدبي، لدي ثلاث مجموعات شعرية مطبوعة وعدد من الروايات وكتب في التراث منها معجم الأساطير الجاهلية وأساطير العرب قبل الإسلام وعلاقتها بالديانات القديمة.

 

العلاقات الجزائرية العراقية عريقة تعود إلى أيام الثورة الجزائرية، ما هو تقييمكم لهذه العلاقة؟

-  نعم لقد علمنا آباؤنا وأمهاتنا رحمهم الله حب الجزائر فكنا نخرج مع أهلنا في مظاهرات خلال فترة ستينيات القرن الماضي بدءا من عام 1959 في مظاهرات عارمة غاضبة ونهتف (ديغول اطلع بره والجزائر صارت حرة) يعني ديغول اخرج من الخراج فإنها حرة وفي المناهج الدراسية كنّا نحفظ شعر شاعر جزائري نسيت اسمه الآن يقول: "دمدم الرعد وهزتنا الرياح حطموا الأغلال وأمضوا للسلاح، حطموها واختفوا ملء الأثير يا فرنسا اشهدي اليوم الأخير"، وكنا في بيوتنا نزين جدران الغرف بصورة المناضلة جميلة بوحيرد، وقد قام الزعيم المحبوب الشهيد عبد الكريم قاسم بتخصيص 05 بالمائة من نفط العراق لمصلحة الشعب الجزائري وثورته العظيمة غير أن الانقلاب الذي حدث على الشهيد عبد الكريم قاسم واحتضان البعثيين والقوميين لأول رئيس جزائري وهو المرحوم أحمد بن بلا جعل تعاطف أهل الجنوب في العراق مع أحمد بن بلا ضعيفا نوعا ما، لعدائه للزعيم قاسم، وقد قابلته مصادفة في باريس نهاية الثمانينيّات من القرن الماضي فوجدته أي الرئيس بن بلا نادما على كثير من المواقف السابقة غير أن حب العراقيين بخاصة أهل الجنوب للرئيس هواري بومدين كان واضحا، لقد وجدوا فيه ذلك الشخص الوطني الشجاع العفيف النزيه الذي بني بلده على أسس علمية وأخلاقية، ولا ينسى العراق أن للرئيس بومدين يعود الفضل الأكبر في الضغط على شاه إيران لإيقاف حرب كردستان بين الجيش العراقي والأكراد المدعومين حينذاك من الشاه، وبقي حب أهل العراق وخاصة الجنوب لجبهة التحرير الجزائرية ورمزها بومدين، وتكللت مسيرة الجزائر بعد بومدين رحمه الله في محاولة الحكومة التوسط لإيقاف الحرب العراقية الإيرانية، فقدمت الجزائر وزيرها حينذاك شهيدا.

 

وماذا عن الجانب الثقافي؟

- أما الجانب الثقافي فأود أن أشير إلى أن هناك من العراقيين من جاءوا إلى الجزائر بعد الاستقلال عام 1963 بصفة مُعَلمين ومنهم ابن عمة أبي الذي كان يسكن في منطقة ناحية التنومة شط العرب أي منطقة سكننا، أما نحن فكنا نقرا لكتاب جزائريين منهم الشهير محمد ديب الذي مازلنا نحتفظ له برواية مترجمة إلى العربية هي النول وأُخرى أظن عنوانها عرس بغل، وهناك كاتب آخر اسمه مالك حداد الذي يقول عنه أحد شعراء المشرق خلال الثورة الجزائرية: سأكتب عنك يا مالك سأكتب بالعربية العطشى إلى تحقيق آمالك.

 

كل العالم يترصد الأحداث وتفاعلاتها على الساحتين العربية والعالمية، ما هي قراءتكم للوضع الذي يمر به العالم العربي؟

- بصراحة الواقع مؤلم جدا لقد انصرف العرب بصفة عامة والمسلمون عن القضية الفلسطينية التي هي لُب الصراع وجوهره مع الإمبريالية إلى حروب داخلية، نجد حربا في العراق هدفها التقسيم وحربا في سورية، مصر تعاني من اضطرابات وتونس تطارد الإرهابيين، لقد عانيتم انتم من مذابح اقترفها المتطرفون بحق الشعب الجزائري أسوأ مما اقترفه المستعمر، لم تكن الجزائر تعرف التطرّف الديني وكان هناك قادة طيبون من العرب والأمازيغ، كان المرحوم حسين آيت أحمد والمرحوم هواري بومدين يتقاتلان جنبا إلى جانب العرب من دون حساسية ما، لا دينية ولا قومية كان مالكيي المذهب لكنهما قاتلا من أجل الإباضي أيضا، لقد كانت الجزائر بعد نهاية حكم الشاذلي بن جديد أول بلد يسقط ضحية الإرهاب، الآن العالم يعيش المأساة نفسها، لقد تبنت الولايات المتحدة وحلفاؤها دعم الفكر المتطرف السلفي (الوهابي) لغرض محاربة السوفيت في أفغانستان، ثم انتشر هذا الفكر بالضبط مثل التجارب المخبرية التي تفلت من المختبرات لتدمر الآخرين، فكانت التجربة الأولى التي راح ضحيتها الجزائر، لكن وعي الشعب كان عظيما، لا ننكر أن الأمازيغ في الدول المغاربية لهم حقوق لكن لا يعني أن تقوم الحكومات بذبحهم، كما فعل الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد حين قمع انتفاضة الريف، يقال أنه في الحسيمة لم يتوان عن ذبح البشر والدجاج، هذه جريمة وقد سجل التاريخ أن الأمازيغ في الجزائر والمغرب هم صِمَام الأمان من التطرّف الديني، أما أحداث سورية والعراق فما زالت تستأثر باهتمام العالم الوهابيون والمتطرفون يطلبون الحكم مهما كان الثمن، وقد انتقلت العدوى عدوى القتل والتدمير نفسها إلى أوروبا والولايات المتحدة ولا حل إلا أن يكون هناك اتفاق عالمي على تجفيف منابع الإرهاب وتخلي آل سعود عن الفكر الوهابي المتطرف، وتغيير المناهج الدراسية التي تبني فكرة العداء والتكفير في الذات البشرية منذ الطفولة.

 

كأديب مغترب كيف يرى الأستاذ قصي وضع الجالية العربية في المهجر؟ وما هي اهتماماتها والمشاكل التي تواجهها؟

- وضع الجالية العربية في المهجر؟ الآن..، لا أظن الوضع مريحا مادام هناك كابوس يغذي التطرّف، من قبل كانت الحكومات تبعث بأئمة مساجد والسفارات لها ملحقات ثقافية هناك المغرب تبعث إماما إلى الجالية المغربية والجزائر تبعث إماما إلى الجالية الجزائرية وكذلك تونس تبعث إماما إلى الجالية التونسية والحكومات دائما تبعث أئمة معتدلين وليسوا سلفيين، ما حدث هو أن التطرّف "الوهابي" اجتذب شعوبا مغاربية وأخرى عربية إليه، وانشقت الجاليات إلى متطرفة سلفية ومسالمة، نضيف إلى ذلك أن وسائل الاتصال الحديثة من (ستلايت وموبايل وانترنت وأي فون وأي باد) جعلت الجاليات العربية أقل اندماجا بالمجتمعات التي تعيش فيها وأكثر اتصالا بالشرق، ثم تأتي مسالة الإحباط النفسي التي يعيشها العرب في أوروبا وأمريكا، حيث تجدين هناك المعتدلين والمتطرفين مما سبب تغييرا في الرأي العام الأوروبي الذي عاد الخط السلفي وذكره بمصطلحات قديمة مثل الرّق والجزية والذمي والقتل وقطع الرؤوس وغير المسلم كافر نجس وعلى المرأة أن تغطي وجهها وكلها عورة ومكان المرأة في البيت وهن ناقصات عقل ودين إلى غير ذلك من الأفكار البالية التي لم تعد منسوبة والدين منها براء، هذه الأفكار يتم ترجمتها وترويجها يوميا من قبل المتطرفين في المجتمعات الغربية، وتذاع على الهواء مباشرة وتنشر في الصحف، إن الجالية العربية منشقة على نفسها والخطأ من الأساس لن يمكن إصلاحه ما لم يتم تطهير البلاد العربية من المتطرفين.

 

ماذا منحك المهجر وأنت بعيد عن الوطن؟ أم أن الوطن يسكنك في كتاباتك فلا تشعرك بالغربة؟

- هناك ثقافة جديدة يتعلمها المهاجر،لغة جديدة وعادات وتقاليد، أجواء مختلفة تماما غير التي كان يعيشها في بلده، سيجد المهاجر نفسه وسط مجتمع يختلف عن مجتمعه، فيما يخصني تعلمت اللغة الدنماركية فكانت المفتاح الذي جعلني اندمج بالمجتمع الدنماركي في الوقت نفسه زادني وجودي في بريطانيا معرفة أكثر باللغة الانكليزية واكتشفت شيئا أخر هو أننا في بلدان الشرق ندرس بعض المصطلحات والكلمات القديمة التي لم يعد يستخدمها أحد، إن عامل الثقافة مهم أيضا يمكن أن نفهم من خلال وجودنا في مجتمع ما أثر ذلك المجتمع فينا من خلال المهاجر الجزائري في فرنسا يعرف مقدار نفوذ الثقافة الفرنسية في بلده ومدى تأثير ثقافة بلده على بلد الهجرة، في الدنمارك مثلا الذي يقرأ تاريخ أهم معلم سياحي عندهم وهو مدينة الألعاب Tivoli يعرف أن سبب بنائها هو أن ابن السفير أو القنصل الدنماركي في القرن التاسع عشر في الجزائر عندما عاد إلى كوبنهاغن بعد انتهاء مدة عمله أصبح حزينا كئيبا، لأنه غادر الجزائر حيث الشمس والشرق فأراد أن يبني مكانا يشبه ألف ليلة وليلة فبنى مدينة الألعاب هذا بفضل أثر الشرق، وقد أثرت فينا ثقافة مجتمع الهجرة أيضا تأثيرا كثيرا بخاصة في نمط التفكير والسلوك، كنّا نعيش في فوضى في بلداننا، فكان هناك في المهجر النظام هذا ما يخص المهاجر نفسه.

أما الجيل الثاني والأجيال اللاحقة فلن تكون مزدوجة اللغة بل سيتكلم أي منهم لغة البلد الذي يعيشه لا لغة الأب أو الأم، على سبيل المثال عندنا في الشرق ابن العم وفق التقاليد العشائرية أحق من أي إنسان في الزواج من ابنة عمه في الوقت نفسه من الغريب أو الشاذ أن يتزوج ابن العم ابنة عمه في كل أوروبا حتى أوروبا المسلمة مثل ألبانيا والبوسنة، إذن هناك ثقافة أوروبية مشتركة بغض النظر عن الدّين، المهاجر الأول قد تكون بعض تلك الثقافة غريبة عنه لكن أبناءه وأحفاده يعدونها ثقافتهم لأنهم ولدوا على هذه الأرض، أما الشق الثاني من السؤال فأنا دائما أحمل وطني معي، الوطن، اللغة الأم، الثقافة التي فتح الإنسان عينية عليها من المحال أن يتجرد عنها، هي ليست لباسا يمكن أن يخلعه بل هي ذاته : "وطني أواريه بقلبي إن يمت.. إن القلوب مقابر الأوطان" او قولي: " لا تحزن يا وطنا بالدمع يشيعنا للمنفى لا تحزن فهناك نموت كبارا".

 

يُقالُ أنّ احتلال العراق على أيدي تنظيم " داعش" هو بداية سقوط الحضارات؟ ماذا تقولون في ذلك؟ وهل يمكن أن نقول أن واقع العراق اليوم أسوأ مما كانت عليه أيام حرب الخليج؟

- لا أظن ذلك، أولا لان داعش لم تجرؤ على الدخول إلى بغداد ولن تجرؤ قط، وقد احتلت بعض المحافظات بالعراق لأسباب منها أن محافظة الرمادي تجاور السعودية والأردن وسورية، أي أن الخط السلفي الوهابي وجد حاضنة له في هذه المنطقة، أما المحافظات التي تجاور دولا أخرى مثل البصرة وكربلاء فليست بها حاضنات تستقبل داعش، أما الموصل فهي قريبة من تركيا وتجاور سورية، ولنا عبرة في الجزائر الحركة السلفية الدموية لفظت أنفاسها لان المجتمع الجزائري ليس فيه حاضنة للسلفيين المتطرفين وهو بالأساس مجتمع ثوار (حزب جبهة التحرير) والثائر يفضّل أن يقدم خسائر على أن يحقق انتقامه، الأمر الأخر هو أن الحضارات العالمية وحضارة وادي الرافدين هي حضارات عريقة متطورة تؤمن بالسلم والتعاون والتقدم، فلن تسقط أمام داعش ومحال أن تسقط أمام مجموعة متطرفة، لقد كان هتلر أقوى بكثير من داعش بصناعاته وجيشه ومعداته لكنه أخيرا انهزم وتراجع، وقلمت المجتمعات الإنسانية المتحضرة مخالبه، أما واقع العراق فلا أقول انه ليس بسيئ، وليس فقط واقع العراق بل معظم البلدان العربية، نأخذ سورية ومصر وليبيا والى حد ما تونس، هناك فوضى وتشتت في الجهود وصراع، هذه الفوضى إما أن تنتهي بتقسيم هذه البلدان، أو أن تستعيد عافيتها، إن العراق جزء من كل من المنطقة والمنطقة نفسها في اضطراب غير أن الماضي في بعض الحالات النادرة يكون أفضلنا الماضي. كان العراق في حرب الخليج سيئا لكن كان هناك عامل الخوف داخل نفس الإنسان، أما الآن فالحال سيّء لكن الإنسان تحرر من عامل الخوف.

 

مؤخرا عقدت جامعة الأمة العربية مؤتمرها التأسيسي، البعض يرى أنه مشروع فارسي، ما رأيكم في ذلك؟ وهل ترون أنه بديل للجامعة العربية؟

- أنا لا أعول قط على تلك المؤتمرات التي يديرها حكام عاجزون يمنعون المواطن من ابسط حقوقه كيف تعيد للأمة حقوقها حكومة ترى المرأة عورة؟ تمنعها من قيادة السيارة، تعزلها بين أربعة جدران، حكومات تعتمد على استيراد كل شيء، بصفتي عربي أصلا أقول أن أهم نقطة ضعف نعاني منها نحن العرب هي أن منابع ماء دولتين مهمتين هما مصر والعراق تأتيان من الخارج النيل من إثيوبيا والعراق دجلة والفرات من تركيا فما علاقة الفرس بهذا وأنا لم أعالج من قبل قضية مهمة مثل "الماء"، آنا مسلم أكفر أخي المسيحي شريكي في الوطن، وأمَّنته من بناء كنيسة فما علاقة إيران والفرس بهذا؟، أنا انتمي إلى أكبر أكثرية في الإسلام سني مالكي أو حنفي أو شافعي أكفر أخي في الوطن فما علاقة الفرس؟، أنا عربي أنظر إلى أن أخي في الوطن الأمازيغي لا يحق له أن يتكلم لغته القومية وأنا العربي انظر إلى آخي المسلم السني العربي ( البوليساريو) مثلي إنه لا يحق له مبدأ التصويت حول تقرير المصير في الصحراء، فما علاقة الفرس؟

لقد اعتادت الحكومات على تفسيرات واهية جدا، فإذا كان الأمر كذلك فالأولى بالعرب أو بالأمة أن يرموا جانبا صحيح البخاري، لأن مؤلفه فارسي، لغته الأم الفارسية وليتبرؤوا من أبي حنيفة الفارسي يعني أن يلغوا كل تراثنا العظيم، هذا كمن يبحث عن أي سبب وما يحاوله الحكام من إلقاء تبعة هزائمهم المتتالية سوى إلقاء اللوم على الآخرين، أما المشاريع البديلة عن الجامعة فأقول أن أي تجمع آو مشروع لا تساهم فيه الجزائر والعراق وسورية هو مشروع غير ناجح وأعود واذكر دائما بأهمية تلك الدول فاضرب مثلا بقول السادات في خطاب له عن حرب أكتوبر يقول: احتجت إلى طائرات في حرب أكتوبر أظن أكثر من عشرين طائرة يقول بلهجته المصرية اتصلت بالرئيس بومدين الله يكرمه فأرسلها لي وساهمت في المعركة، هذا الكلام قاله السادات علنا، يعني أن من يؤسس مشروعا أو يدخل معركة عليه أن يكون مسلحا بالعلم أولا، ويكون شجاعا غير متردد وهذا ما يفقده الحكام العرب الآن الذين انصرفوا إلى زعزعة الأوضاع في سورية والعراق واليمن فلا خير في أي مشروع يؤسسونه.

 

الذين يعرفون الروائي قصي يعرفونه عن طريق صحيفة "المثقف"التي يرأسها الدكتور ماجد الغرباوي، يا ترى ما سرُّ هذه العلاقة ؟

- الحقيقة قبل المثقف نشرت في ثمانينيات القرن الماضي أولى قصصي في مجلة العربي،ثم نشرت بعض قصصي القصيرة في جريدة الشرق الأوسط اللندنية ثم عملت في تلفزيون الدنمارك، الشرق قناة كوبنهاغن مقدم برامج أما صحيفة المثقف فقد تأسست قبل عشر سنوات والأخ الأستاذ ماجد الغرباوي مؤسس المثقف رجل باحث وأديب يؤمن بحرية الرأي، وهو رجل مسالم له مؤلف قدير حول العنف وفق هذا الإطار توطدت علاقتي به، وواصلت النشر في صحيفته.

 

لكل كتابة مشروع أو فكرة، فهل يكتب الأستاذ قصي للوطن الصغير أم للوطن الكبير؟ وهل نعتبر هذه الكتابات مشروع أمّة تنشد التحرّر من الإرهاب.. الدكتاتورية.. والطغيان؟

- مشروعي هو الإنسان عموما بغض النظر عن جنسه ولونه وقوميته، والأدب والفن هما للجميع ويخصان الجميع، اضرب مثلا بالسيمفونيات العالمية الخالدة، فكل الإذاعات والتلفزة والأشرطة تقتبسها وتبثها، بيتهوفن مثلا ألف موسيقى معينة، لكنها أصبحت لجميع الكاتدرائيات في العالم، هي أثر مسيحي لكنها ملك للجميع، أنا عراقي والآخر جزائري لكن كل منا يشعر أن الأهرام ملكه مع أن الفراعنة بنوها، ولذا فالأدب مثل الهواء للجميع لذلك أجد أن أفكاري يجب أن تكون عامة، وأبطال قصصي وروايتي مختلفون وهي روايات وقصص تدين الإرهاب وتدعو إلى التقارب العمل الروائي بطله عربي وأوروبي يلتقيان ويتحاوران يمثلان تفاعلا بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، كيف نقبل بالدكتاتورية والله خلق لنا إرادة كيف يكفر المسلم غيره مع أن الخلق جميعا عيال الله، الإمام علي عليه السلام يقول : إما أخ لك في الدين أو الخلق هذه هي أفكار أعمالي، أنا أكتب بالطريقة التي أعرفها وبالأسلوب ذاته، ما أعلمه هو شيء واحد أنني أكتب وعلى المتلقي سواء كان متخصصاً أو قارئاً غير متخصص أن يحدد، يفرز مادة قراءته، الكاتب مثل الطائر لا ينتمي لأيّ حزب سياسي وتفكيره يجب أن يكون طليقا بشكل غير معقول، وأن تكون لمخيلته أجنحة يجوب بواسطتها الأماكن والأزمان.

 

يقال أن المبدع وليد المعاناة؟ إذا كان الأمر كذلك كيف يحقق المبدع الاستمرارية؟

- هذا حق،المبدع وليد المعاناة، والمعاناة هي التي تَخَلَّق الإبداع، المعاناة تفاعل وإحساس بالآخرين، ألام تعاني، تلد مرة ثم تلد مرة أخرى، وثالثة لكنها لا تتوقع عن الولادة المتأتية عن المعاناة الأولى، الأنبياء صلوات الله عليهم عانوا والمعاناة معناها الأمانة التي ألقاها الله تعالى على عاتق الإنسان فحملها وأنّت بها الجبال، ولا أظن أن هناك حياة من دون معاناة، لأنها بعبارة أدق تعني تفاعل الإنسان مع مجتمعه والعالم وكلما كان هذا التفاعل نقيا وقويًّا كان عمل صاحبه عظيما وأكثر إنسانية، وهذا يتوقف على أن تحمل نصوص المبدع لوعة البحث عن الإنسان الطاهر، العفيف والبحث عن الوطن الرحيم الذي لا يفرق بين الأبناء.

 

تحول "المثقف" إلى قضية، ماذا يقول الأستاذ قصي في ذلك؟

- المثقف هو لُب القضية المثقفون في أوروبا وأمريكا اللاتينية هم الذين غيروا مجتمعاتهم تغييرا جذريا، هم الذين نظّروا للمدارس السياسية والأدبية وهم من ضحى مثل المناضل الشهير جيغيفارا.

 

هل يمكن أن يحقق المثقفون العرب نهضة ثقافية عالمية؟

- نعم يمكن أن يحقق ذلك إذا تجرد عن عصبيته القومية والدينية والعرقية وأصبح موضوعيا وتجرد عن أنفته وغروره ونزل من برجه العاجي ليخدم بمجتمعه ولم يعزل نفسه عنه وضحى وأعود فاذكر أن يضحي مثلما فعل المثقف الأوروبي الذي عمل من قبل ضمن مجتمعه من أجل مستقبل بعيد تتمتم به الشعوب الأوروبية الآن.

 

نعود إلى مشواركم الإبداعي، ماذا عن إصداراتكم الجديدة؟ وهل هناك مشاريع في الأفق؟

- هذا العام صدرت لي رواية جديدة عنوانها ( رسالة) وهي رواية مهجرية وهناك ديوان شعر وثلاث روايات عن المهجر أيضا كذلك ألفت كتابا بعنوان (المنقلب والمتحول من الكلمات) ولدي قاموس عنوانه ( القاموس الثلاثي المشترك عربي دنمركي انكليزي).

 

كلمة أخيرة

- أقول للشعب الجزائري انتم في القلب دائما حفظكم الله رحم الله شهداءكم في حرب التحرير وشهداءكم الذين سقطوا ضحايا الإرهاب التكفيري وفقكم الله ورعاكم دائما.

 

حاورته من الجزائر علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم