صحيفة المثقف

علجية عيش: التحريض على الانتحار هل هو خطأ ترتكبه الأسرة أم هو جريمة يعاقب عليها القانون؟

eljya ayshفي العاشر من سبتمبر من كل سنة تحيي منظمة الصحة العالمية اليوم العالمي للانتحار، الذي أصبح كارثة تهدد حياة الفرد بسبب تفشي الأمراض الاجتماعية في المجتمع وما يحدث فيها من حروب ومجاعات، بالإضافة إلى المشاكل الأسرية، التي تدفع بضعاف النفوس والذين ضاقت بهم الحياة إلى الانتحار، وكل حالة من حالات تخلق مأساة داخل الأسرة تختلف عن الحالات الأخرى حيث تترك آثارا نفسية طويلة الأمد بين أفراد الأسرة خاصة الأطفال منهم، يبقى دور السلطات في التدخل ، خاصة وأن  هناك الكثير من الطرق والوسائل التي تساعد في منع مثل هذه الحوادث

إن أسباب الانتحار متعددة ومختلفة،  كل حالة تختلف عن الأخرى حسب الظروف الاجتماعية لكل أسرة، وحسب خصوصية نظام كل دولة، و تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها، وحالات أخرى ترتبط بالحالات النفسية للمنتحر ، من بينها الاكتئاب والقلق،  ولم تعد ظاهرة الانتحار تقتصر على فئة الشباب فقط، بل شملت الكبار أيضا، ما ينذر بالعديد من المخاطر على المجتمعات، لاسيما البلدان والمدن التي تكثر فيها الجسور، وتشير أرقام منظمة الصحة العالمية أن مليون وفاة تحدث سنوياً في العالم،  ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 1.5 مليون بحلول عام 2020 ، ويمثل الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الانتحار تعاوناً وثيقا بين "الجمعية الدولية لمكافحة الانتحار" و"منظمة الصحة العالمية" لجذب انتباه العالم إلى أخطار الانتحار، وصياغة رؤية دولية بين سكان العالم لتخفيف حالات الإحباط والميول الانتحارية، لاسيما والظاهرة تشهد تصاعدا ملفتا للانتباه وبشكل مخيف جدا، رغم أن بعض الحالات تتطلب العلاج الطبي والنفس.

وكعينة فجسور مدينة قسنطينة تحولت إلى معبر للتحول إلى العالم الآخر، في مجتمع طغت عليه الماديات والمصالح، ولم يعد للإنسان العادي تحمل مشقات الحياة وأعبائها، بحيث يجد في الانتحار أو الإقبال على الموت الحل الأمثل للتخلص من مشاكله، وتحوّل "وادي الرمال" إلى تنّين فاح فاه يستقبل العشرات من الجثث يوميا، وبغض النظر عن الأرقام التي تكشفها الجهات الأمنية كل سنة عن حالات الانتحار بمختلف الوسائل (الحرق، الشنق، تناول السموم والمبيدات، أو رمي المنتحر نفسه من أعالي  الجسور)، فالانتحار كظاهرة اجتماعية تزداد تفشيا في الجزائر، وبخاصة في مدينة قسنطينة التي تحولت جسورها إلى معبر للموت السريع، تستقبل مئات الشباب والشابات وحتى الكهول ، وهم أولئك الكارهين من حياتهم، هي أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة وردود من قبل المختصين في علم النفس لمعرفة الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى التخلص من وجوده، وما هي الوسائل التي يمكن استخدامها لحماية الثروة البشرية من الضياع.

 

جمعية "الأطباء النفسانيين" بقسنطينة

الشخص المنهار له استعداد نفسي للانتحار

 

التقينا بالدكتور عزيز كعبوش رئيس جمعية الأطباء النفسانيين بالمستشفى الجامعي ابن باديس قسنطينة ، وقد شخص لما هذا الأخير رفقة أطباء مختصين في علم النفس الداء، وقال أن الانتحار هو" آفة مرضية" سواء كانت  عقلية أو نفسية، وعرف مفهوم الانتحار بأنه نتاج عن حالة يعاني منها الإنسان، وهو اضطراب  نفسي ناتج عن توتر اجتماعي في الحياة الزوجية مثلا، أو ناتج عن الفقر، بحيث يؤدي بصاحبه إلى الاكتئاب،  والمنتحر يرى أن الانتحار هو الحل الوحيد الذي يحل له مشاكله، بعدما يرى نفسه أنه فشل في حياته وأنه مهزوم، وعاجز عن تحمل مسؤوليته كأب، أمام متطلبات الحياة العصرية، مثلا  تجده يتساءل كيف يقيم عيد ميلاد ابنه وهو عاجز عن شراه له محفظة أو حذاء، ثم أنه يواجه ضغوطات في العمل، ومعاملة مسؤوله القاسية ، فيشعر أنه اقل شانا وأنه عالة على الأسرة والمجتمع، وأضاف الدكتور عزيز كعبوش أن هذه الفئة عادة ما يكون لها استعداد نفسي للقيام بعملية الانتحار، وارجع الدكتور عزيز كعبوش هذا الاستعداد إلى كون الشخص المقبل على الانتحار يرجع إلى هشاشة الشخصية.

أما الدكتورة وفاء بن الشيخ طبيبة نفسانية بمستشفى ابن باديس الجامعي وعضو في الجمعية فقد أشارت إلى ما يسمى في علم النفس بـ: "الميلونكولية"la mélancolie  أو كما تعرف بـ: " السوداوية"، وهي أقصى درجات الاكتئاب، أو اليأس، في هذه الحالة يبدأ المريض يهمل نفسه ويفقد وعيه، والطبيب العقلي وحده يمكنه التدخل ووضع المريض تحت العلاج والرقابة الطبية ترافقها المتابعة النفسية طبعا، ومن خلال الأرقام التي قدمتها الدكتورة وفاء ابن الشيخ فإن مستشفى ابن باديس في السنة ما بين 15 إلى 20 حالة، مشيرة أن ولاية قسنطينة تحولت إلى مدينة انتحارية، لوجود الجسور المعلقة والمرتفعة عن وادي الرمال، مما يسهل على هؤلاء الانتحار .

 

التحريض على الانتحار ظاهرة بدأت تنتشر في المجتمع الجزائري

 

وإن كان معظم الذين يقبلون على الانتحار لا يصرحون،  هناك بعض الحالات يصرح فيها الشخص المنهار بأنه سوف ينتحر، ويقول لأسرته مثلا " رايح نطيش روحي" ، ولو أنها حالات نادرة لكنها حدثت ، عندما أخبر شخص  يعاني من اضطرابات نفسية، ويتعاطى المهدئات، أسرته ( زوجته) بأنه سوف ينتحر، وظن الجميع أنه يمزح ، وكرر الضحية ما قاله، مؤكدا  رغبته  في الانتحار، لكن الأسرة لم تصدقه ظنا منها انه يمزح، فقالت له زوجته "  روح طيش روحك " ونفذ ما قاله ، وخرج مسرعا نجو جسر من جسور المدينة وألقى بنفسه، فعاد إليهم في الصندوق، وقعت هذه الحادثة في شهر جويلية 2016 ، وكانت فاجعة للكل ، حتى الجيران، تقول الدكتور وفاء أن الشخص في هذه الحالة هو يطلب النجدة، وهذا النوع من الحالات كما أضافت يدخل في إطار "المساومة العاطفية" ، وهي في الواقع محاولة لفت انتباه الزوجة أو الزوج أو حتى الأولاد، وطلبه وجب أن يؤخذ بجدية، أي أنه يجب الإسراع في الاتصال بالجهات المختصة ، لمعرفة حالة الشخص إذا كان هادئا أو في حالة هيجان.

في حين قال الدكتور حنّاش كمال رئيس قسم الطب الباطني ورئيس المجلس العلمي بمستشفى ديدوش مراد  أن الظاهرة تبقى عبارة عن "طابو"، ولمعالجتها لابد من التطرق إلى الجانب السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع، والسياسة التي تنتهجها الدولة تجاه مواطنيها، لأن هذه الأمور تتجاوز الأخصائيين، موضحا أن بعض المرضى وبخاصة المزمنين لا يتقبلون مرضهم، وعدم قبول المرض يدفع بالمريض إلى أن يغير نظرته للمجتمع، فيلجأ إلى الانتحار، كما أن بعض الأطباء يعجزون في متابعة المريض والحوار معه، وهذا راجع إلى الضغوطات الممارسة عليهم اي المرضى، مثل إجبار المريض على شرب الدواء وباستعمال القوة، أو يمنح له دواء لا يتلاءم مع حالته المرضية، وهذه تدخل ضمن الأخطاء الطبية ، فتنعكس سلبا على صحة المريض، وقد تخلق له أمراضا لا يعاني منها،و عليه وجب أن يدخل الطبيب في حوار مع المريض ويهيأ الجوّ الملائم لكسب ثقته، ثم محاولة فهم وضعيته، قبل مباشرة العلاج، وقد اعتبرت جمعية الأطباء النفسانيين بولاية قسنطينة ظاهرة التحريض على الانتحار ولو من باب المزاح أكبر خطر  ترتكبه الأسرة أو أشخاص آخرين، يبقى المجال القانوني فأهل الاختصاص لهم ما يقولونه في هذا المجال.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم