صحيفة المثقف

عبد الجبار العبيدي: حقيقة الاسلام الغائبة (10): الشرعية وحكم الدولة.. كيف يجب ان نفهمها؟

abduljabar alobaydiان الشعار الذي رفعته الجماهير العراقية المظلومة: (بأسم الدين باكونا الحرامية) يستحق ان يكون خالدا امام التاريخ.

به عرفت أهمية مسائلة القانون التي اهملها الفقهاء وتركوها موضوعاً بلا تحديد، ودراسة بلا تعريف، وسياسة بلا عنوان، وخلافة بلا بيان، والتي أصبحت عنوانا لخلاف دائم ولدتها الشرعية وتطبيقاتها عند المسلمين .

ان كلمة مشروعية مشتقة من الفعل شرع َ يُشرع، والشريعة والشراع ما سَن الله تعالى من الدين وأمرَ به كقوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الامر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون، الجاثية18) . وقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، المائدة 48).، هنا تكون الشريعة هي القانون والمنهاج المتبع، وهو الطريق او الاسلوب الذي به تنفذ اويطبق القانون على المجتمع. اما كلمة الشارع فهوالطريق الاعظم الذي يشرع فيه الناس عامة) لسان العرب، لأبن منظور، كلمة شرع).

والشريعة هي النظام او المنهج الواضح الذي يرسُم أو يُسن للناس في شؤونهم، اي هي القانون الذي يحكم الناس في تحقيق العدالة بينهم، وبهذا المعنى يُفهم قول الشافعي:) لا سياسة الا ما وافق الشرع (.أي المنهج والنظام الذي أختارته الجماعة وأتفقت عليه، وأرتضته لنفسها ميراثاً أو أكتساباً لصالحها وخدمة شؤونها لأدامة حياة الناس تحت أمرة القانون .من هنا يتبين لنا ان السياسة الدينية هي ما يقره القانون شرعاً، وهي منها بمنزلة الجزء من الكل. وهي في الاسلام المبدا الاعلى

والمنطق الاسمى الذي يتوج النظام الاسلامي بالتضامن الحقيقي بين الناس في تنفيذ ماأمر الله به ألزاماً دون اعتراض من احد او من جماعة، وليس سيطرةً لمؤسسة الدين على الناس.

لكن الجماعة الاسلامية بكل مذاهبها المخترعة هي اول من خرجت على التشريع حين فسرت النص الديني تفسيرا بعيدا عن حقيقته تلبية للسلطة لا لشرعية الناس والدين.. فأوقعتنا في خطأ التقدير.؟

وكلمة الشريعة والمشروعية ليست جديدة، فقد ولدت في الحضارة العراقية القديمة مثل شريعة أصلاحات آوركاجينا، وشريعة آور نمو السومرية، وشريعة حمورابي البابلية المتمثلة، بمجموعة قوانين حمورابي الملزمة التنفيذ في وقتها، والمعروف ان حمورابي قد وضع في شريعته

ما مجموعه (282 ) مادة قانونية في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية. وتعتبر الشرائع العراقية القديمة من اقدم الشرائع العالمية. لكنها –مع الاسف- كانت على الدوام خارج التطبيق العملي لها، مما دعا اورنمو الحاكم السومري الى رفع شعارالاصلاحات، كما رفعها العراقيون اليوم ...دون جدوى ؟.... وكأن التاريخ يعيد نفسه؟ .

الا ان الكلمة لم تظهر بمعناها الواسع الا في العصر الحديث حيث أصبحت ذات معنى عريض، ومكانة عظيمة، فهي تدل على سيادة القانون في الدولة، وربما كانت جزءً من مصطلح الايديولوجيا. اي المبدأ والعقيدة والفلسفة التي يقوم عليها النظام المعاصر في بلد معين، ولربما أستعملت الشرعية بمعنى مطابقتها الفعل اوالعقد اوالقرار لنظام قانوني صحيح، فيكون شرعياً بهذا، او ما يسمى بألزامية التطبيق.

ولا يستطيع اي باحث او كاتب ان يتعرض لمعطيات دولة من الدول في النظام او القوانين في الحياة الاجتماعية او السياسية او الثقافية لبلد معين، سواءًًكان هذا في الماضي او الحاضر، مالم يدرس او يبحث ويسلط الضوء على المنهج او الشريعة لانها تمثل طبيعة الفلسفة والقوانين التي كانت تحكم ذلك النظام، او هذه الدولة، في هذه الحقبة او تلك، لاننا لا نستطيع ان نتفهم كيان أسمه نظام أو دولة مالم نتلمس معنىً دقأئق تلك الفلسفة أو المعتقدات التي أرتضتها الجماعة لتكون لها قانون.

من الواضح ان الحكم في الاسلام اساسه التراضي او التوافق، (الوثيقة النبوية)، لانهما جزء من السياسة الاسلامية العامة وعلاقتهما بمبدأ الشورى واضحة.والرضى عن المُولى يأتي عن طريق توليته وحقه الشرعي، ثم على المُولى ان يكون أهلا للحكم، لان الخلافة او الرئاسة في المفهوم الاسلامي تمثل السلطة التي تقوم نيابة عن الرسول(ص) بالنظر في مصالح المسلمين وغيرهم:حيث يعتبر الخليفة او الرئيس الحاكم الاعلى للدولة ويجب طاعته بشرط ان لا يخالف القرآن شرطا مكتوبا عليه.، لا ان يَخون ويحنث اليمين بحجة امتلاكه للقانون.

ولا ندري اية شروط شرعية طبقها المسلمون خلال ما يسمى بالدولة الاسلامية وكل ما كتبَ عنها كان تدليسا لسلطة القانون في التاريخ..؟ لأن أصلا لم ينتج اهل الاسلام دولة بمعنى الدولة عبر التاريخ.

ويبقى الشرط مقرونا بشروط الكفاءة التي يجب ان يتمتع بها الخليغة او الرئيس، منها العدالة والعلم وسلامة الحواس، وسلامة الاعضاء، والشجاعة في قول الحق، وحقوق الرعية والرأي المفضي الى تدبير المصالح للامة او الشعب لا شرط المحاصصة البغيض التي تعايشت مع المسلمين، لكن الشروط لمن يرأس الدولة كانت اقوى واشد على عهد الرسول (ص) والتي أنتهت من بعده بين جماعة المسلمين .. حين أضيف اليها تأمين الامان والاطمئنان والكفاية والعدل.ويقصد بالامان، أمان النفس والمال والعرض، والاطمئنان على الرزق دون ان تكون للحاكم او السلطة قطع المورد المعيشي لاي سبب من الاسباب، اما الكفاية فعلى الحاكم ان لا ينام ليلته وفي الدولة معوز واحد .

انظر ماذا حل بالنازحين والرئيس يتنزه مع اهله واصحابه في فنادق لندن وباريس فهل مثل هذا يملك شرعية الدين في حكم المواطنين ..؟.

والعدالة هي التوازن بين الحقوق والواجبات الشرعية، فأين هم اليوم من كل هذه الشروط؟

هذا هو الاسلام الذي عرفناه عند كل اصحاب المذاهب الاسلامية دون أستثناء، حتى اصبح الاسلام يعيش في لغتنا لا في واقعنا اليوم؟.

اما التراضي والتوافق فقد حددت الشريعة له شروط اقسى وأمر منها: ان لايُقدم المفضول على الافضل لاي سبب كان.وان يختار صاحب المنصب المتوافق عليه ممن تنطبق عليه شروط التولية وان يكون أمينا يتمتع بالسمعة والسلوك الحسن دون ان يحق لاحد مقاضاته لاي سيبب كانالا اذا أخل بشرط التشريع .، كما في رفض الامام علي(ع) في تولية اخيه عقيل لعدم توفر شروط الطلب فيه. ورفض عمر بن الخطاب (رض) اشراك ابنه في خلافة المسلمين ...فأين نحن من تطبيق الشرعية الملزمة بالقرآن اليوم؟

اصبحت في خبر كان وخارج التطبيق العملي لها عند قادة العراقيين بالذات ...؟

لكن النقطة التي يجب التنويه اليها هو ان الشيعة العلوية لم يلتزموا بهذا المبدأ العام في تطبيق الشرعية السياسية، بل بمبدأ شرعية التفضيل لاهل البيت دون سواهم وان لا يجوز ان يسمى احدا امير المؤمنين الا علي بن ابي طالب,ولا يجوز لغير الأئمة من نسل الامام علي وزوجه فاطمة الزهراء (ع) ان يتلقبوا بهذ اللقب. لان كل أمام يوصي للذي يليه في الامانة، حتى يصبح المرشح الشرعي للوظيفة المقدسة (السيوطي، اللآلىء المصنوعةج 1 ص 184-185). ويقول كولد سيهر المستشرق الالماني في كتابه العقيدة والشريعة ان سورة الشمس بأدعاء الشيعة الامامية جاءت في القرآن بحق محمد وعلي والحسن والحسين (عقيدة الشيعة ص175).من هذا المنطلق فقد عد الشيعة الامامية كل من يخرج على هذه المفاهيم خارجاً على المصادر الشرعية والارشاد الديني وقيادة الجماعة الاسلامية. لم اجد نصاً عند الشيعة الامامية يتوافق مع كولد سيهر .

وهم اول من خرجوا عليها واستساغوا حكم الباطل فيها؟ فهل ينتبهوا ماذا فعلت بهم مرجعيات الدين؟

ان وجود الامام لكل عصر آمر ضروري برأي الشيعة الامامية لا يمكن الاستغناء عنه لقيادة الامة الاسلامية لتنفيذ الشريعة واحقاق الحق وقواعده وأرساء العدل والمساواة التي جاء بها الاسلام، وعلى هذا الاساس فالامامة واجبة وتنتقل بوراثة لا تنقطع للحائزين على هذه الصفات حتى ولو بالتقية، لذاغُلب الجانب الديني على الجانب السياسي عندهم. من هذا المنطلق حارب الشيعة العلويون الدولة العباسية باعتبارقادتها ليسوا من سلالة علي وفاطمة، وهم مغتصبي سلطة (انظر الرسائل المتبادلة بين المنصور والنفس الزكية، الاصفهاني، مقاتل الطالبيين ص 232). وحاربوا الدولة الاموية بأعتبارهم يضعون نصب أعينهم المصلحة الدنيوية للحكومة الاسلامية ويجعلونها في المحل الاول.بينما يرى الشيعة العلوية تغليب المصلحة الدينية، لانهم كانوا لا يرون الحكومة الا ان تكون حكومة مقدسة . لذا فكل حكومة يجب ان يصاحبها أمام ينظر اليه بصفة القداسة كما في ايران اليوم. هنا نقطة الافتراق بينهم وبين الفرق الاخرى. فكيف الحل؟ .

ولهذا ابتكروا فكرة المهدي المنتظر الوهمية لتبقى الدولة والخلافة لهم ..على مر الزمان؟

كم هو جميل لو ان الذين يدعون بهذه المثل العليا التي جاءت بها مدرسة أهل البيت العظام ان يتمسكوا بها وينقلونها الى واقع التطبيق على الارض – خاصة بعد استلامهم سلطة الدولة - لكانوا اليوم هم الأعلون.نعم وبكل حيادية وصدق وصراحة اقول ان السيرة العطرة التي رافقت اهل البيت ابتداءً بالامام علي ومرورا بالامام جعفر الصادق والامام الكاظم وانتهاءً بالحسن العسكري (ع) قد ألتزمت بهذا الاتجاه الديني والسياسي بالكامل دون نقص.ومن يتابع ذلك في عهد المنصور العباسي (136 للهجرة) وحتى خلافة المتوكل العباسي(232 للهجرة) يرى ان السياسيين العباسيين لم تنم عيونهم ولم يدخلها غمض حتى رأوا أهل البيت وقد زالوا من الوجود، ففي عهد المنصور قتل

محمد النفس الزكية، وفي عهد الرشيد قتل الامام موسى بن جعفر(ع) وبهدا صفيت العترة الكريمة، لدرجة ان المتوكل اراد نبش قبورهم واحراقها حتى لا يرى او يسمع من أثر لها، لانهم كانوا في نفوس التاس أهيب من الاسد قولاً وصدقاً. أنه حقد السنين على الطاهرين المنفذين لشريعة الاسلام السمحاء. نعم هؤلاء الذين تنطبق عليهم الاية الكريمة(ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) .

فهل من جاء من الاحفاد ساروا على منوالهم، مسألة بحاجة الى نظر ...؟

ان مسألة الشريعة والتشريع مسألة في غاية الدقة والاهمية بعد ان رأينا ان التجربة الكبرى التي بدا بها صاحب الدعوة قد توقفت بعد وفاته حين اشتد الخلاف على الرئاسة فكانت سقيفة بني ساعدة اول اسفين دق في نعش الامة الاسلامية دون شك لابتعادها عن تطبيق آية الشورى، وذلك بأقتصار التصويت على المهاجرين والانصار وكأن الامة التي كونها محمد (ص) قد انتهى وجودها ولم يبق منها الا من وصف بالمهاجرين والانصارحين نادوا منا امير ومنكم أمير، وكأن الدولة اصبحت شركة قابلة للقسمة بينهم كما هم اليوم بعد التغيير الباطل في 2003، لذا كان الاعتراض الذي سمي بالردة تجاوزا على الشرعية الدينية.

وهكذا فعل القادمون الجدد بدولة المحاصصة والأقربين...؟

وسط هذا الزحام من النصوص يقف المؤرخ حائرا في شرعية الدولة، فيختلط الحابل بالنابل في منهج دراسي لم يراعِ اصول بناء المنهج ولا مسئولية العقيدة ولا حقوق الناس –منهج تركي قديم - .واليوم كل يدعي ان الدولة له دون الاخرين في وسط اعلامي فوضوي لا يراعي التنظيم والترتيب، وها ترى الفرق تتقاتل والناس تجري من ورائها دون هدى ولا صراط مستقيم بعد ان دمروا الناس والدولة معا وسرقوا اموال المواطنين، واشاعوا ثقافة السرقة، والأعتداء على القانون، ونسيان الهوية الوطنية والتمسك بالطائفية اللعينة والمحاصصية المقيتة من اجل نهب اموال المواطنين، وتعاونوا مع الباطل دون شرعية المتعاملين .

من يعتقد ان الامة ستخرج من النفق المظلم فهو واهم فهل من مشروع اسلامي جديد او ميلاد مجتمع جديد واكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الحا لية لكي يفرض نفسه على مجتمع مزقنه المصالح والانانيات، وأورثت فيه من العادات والتقاليد التي ما جاء بها الاسلام ابدا ولا شرعها في شريعته الكثير .

لقد اصبح من الصعب جدا ازاحة الخطأ من رؤوس الناس بعد ان اعتقدوا بصحته عبر الزمن الطويل، ان الفكر المضاد الذي يريد ان يعالج الواقع الموضوعي عليه ان يعالج الكل الاجتماعي بظروفه وقوانينه التي تركزت في الاذهان. وهنا لابد عليه من ان يسلك الطريق الصعب كما يقول ابراهيم الغويل (طريق الاستقراء والاحصاء والاستقصاء والتمحيص والتصنيف والتمييز بين الطبيعة الاصلية وبين الظواهر العارضة، الغويل، المشروع الاسلامي ص193). ونبقى نقول ما الحل...؟ لا حل امام العراقيين الا بالتغيير لمن لا يستحق سلطة الدولة بعد التغيير..؟

التغيير يتم بأنتخابا ت جديدة وفق معايير القانون.. يستثنى منها المقسم الانتخابي والتعيين والتبديل، لتحتل الصدارة جماعة المؤمنين بالله والوطن والناس اجمعين ..وليختار الناس الأكفأ والأصدق في التعيين . ويطبق الحد على من تجاوز المادة 18 رابعاً من الدستور وتقديمه لمحكمة التاريخ ..؟

ان مسألة القانون عند القادمين الجدد لم تحظََ بنفس الاهتمام في التطبيق على الجميع وهذا افقدهم شرعية حكم الدولة وفق القانون، لابل بقيت حقوق الناس حقوق استطرادية بنظرهم دون ان يضعوا لها شروط التطبيق.

فأين هم اليوم من شرعية حكم الدولة والجماهير ...؟

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم