صحيفة المثقف

ميثاق العسر: لماذا يقف بعض الفقهاء أمام الإنتاج السينمائي؟!

ثمّة مشاكل أساسيّة يواجهها كتّاب السيناريوهات ومخرجو الأفلام السينمائيّة الشيعيّة حينما يريدون أن يقدّموا منتجاً سينمائيّاً عن قضيّة شيعيّة تشكّل محوراً أساسيّاً في المذهب الشيعي وتُعدّ مصدر رزق لكثير من القطّاعات في نفس الوقت. وأبرز هذه المشاكل هي: الحقيقة؛ فالحقيقة التي تُبرزها الوثائق التاريخيّة المعتبرة تختلف بطبيعة الحال عن التصوّرات الراكزة في ذهن المتلقّي الشيعي، وتختلف أيضاً عن القصّص والأساطير التي يعتاش على تسويقها بعض الملالي والروزخونيّة في المجالس الشيعيّة المختلفة، وبالتالي فإنّ كشف الحقيقة كما هي ـ لا كما يطرحها الواعظون ـ يعني قطع أرزاق عشرات الآلاف من العوائل التي يشكّل المنبر بهذه "الصيغة المتداولة والمعروفة" باباً لمعيشتها وأرجو التركيز على ما بين قوسين.

ورغم إنّ واقعة كربلاء المريرة والمؤلمة لم يوفّق عموم مراجع الدين ولا الفقهاء ولا الحوزة العلميّة "الرسميّة" في إيصال حقيقتها ومظلوميّتها ومبادئها وأهدافها وفاجعتها وأحزانها... إلى الأجنبيّ الذي لا يؤمن بعصمة أبطالها ومظلوميّتهم بطريقة موضوعيّة وعاطفيّة معبّرة [إذا ما استثنينا جهود بعض الكتّاب والخطباء العقلانيّين المشكورة]، ورغم إنّ السينما المعاصرة أصبحت الوسيلة الإعلاميّة الأولى في إبراز الأفكار وإيصالها إلى أمثال هؤلاء المشاهدين بشكل تفاعلي جاذب، أقول رغم هذا كلّه نجد إنّ بعض مراجع الدّين يشكّلون عقبة كؤوداً أمام طموحات السينما الشيعيّة ومراميها في إيصال ولو جزء يسير من مظلوميّة كربلاء إلى المتلقّي المعاصر بمختلف لغاته وقناعاته واهتماماته، ولعلّ أبرز سبب في ذلك هو الأفق الكلامي والأصولي الذي ينطلق منه فقهاء الحوزة الرسميّة في فهم النصوص الروائيّة، والذي يحذف ـ في العادة ـ العقلانيّة التي تعبّد الله البشريّة بها من قائمة الاعتبار.

أجل؛ لقد طالعنا شيخنا الوحيد الخراساني "دام ظلّه" باعتراض شديد الّلهجة على منتجي مسلسل المختار بسبب تصويرهم مقطعاً يُظهر شخص العبّاس "ع"، وهو أمر اعتبره شيخنا الوحيد تجاوزاً ما بعده تجاوز، ودعا الشباب الغيور المتفاني في قمر بني هاشم حسب تعبيره إلى جعل يوم التّاسع من محرّم في تلك السنة مختلف عن السنوات السابقة في طريقة العزاء ردّاً على هذه التصرّفات الخاطئة حسب تعبيره أيضاً، الأمر الذي أجبر مخرج المسلسل السيّد داود مير باقري إلى حذف عشر دقائق كاملة من المسلسل استجابة للتحذير المذكور، وهكذا تكرّر هذا الأمر وأحدث ردّات أكبر وأكثر أيضاً حينما أرادت وزارة الثقافة الإيرانيّة الموافقة على عرض فلم رستاخيز الذي عُني بأحداث كربلاء وحمل مخالفات كثيرة حسب رأي هذا المنهج أيضاً؛ حيث خرجت مظاهرات من قبل فئة قليلة من الشباب في إحدى ساحات العاصمة الإيرانيّة طهران معبّرين عن رفضهم لعرض هذا الفلم؛ فأخرجت أحدى الفتيات قامتها وأخذت بالتطبير أمام الملأ العامّ؛ اعتراضاً على مخالفة الفلم للضوابط الكربلائيّة التي تربّت عليها!!

وكيف ما كان؛ يهمّني في آخر المقال أن أدعو القارئ إلى التوقّف مليّاً مع السبب الذي يطرحه شيخنا الوحيد لتبرير رفضه لتمثيل دور العبّاس "ع" في هذه المسلسلات والأفلام، ونتوقّف بالتعليق والتحليل حوله بعد ذلك، حيث قال:

فليعلم الناس أن الهدف من ذلك هو: أنّهم حينما يُظهروا قمر بني هاشم بتلك الصورة فسيفقد الناس تلك الحماسة والحرارة التي ينبغي ابرازها في مجالسهم العزائيّة [!!]، وإنّ من يشاهد تلك المسلسلات ويشاهد ذلك الممثّل فإنه سيفقد تلك الحالة المؤثرة التي ينبغي له أن يكون عليها في عزاء العباس" [!!].

أقول: لا أشكّ بأنّ شيخنا الوحيد "دام ظلّه" لا يريد بهذا البيان أن يشرعن لبعض الخطباء والملالي حكاياتهم وأساطيرهم في تصوير مقتل العبّاس "ع" بالطريقة التي يرونها مناسبة لإبكاء النّاس وتهييج عواطفهم، ولكن الوقوف أمام الانتاج السينمائيّ الجادّ لواقعة كربلاء بمثل هذه البيانات سيؤكّد لعقلاء الشيعة مثل هذا الفهم، وأتمنّى أن نقدّم لرفضنا بيانات أكثر إقناعاً لهؤلاء العقلاء وغيرهم أيضاً، خصوصاً إنّا إذا سلّمنا جدّلاً بعدم جواز تمثيل المعصوم سينمائيّاً ـ ولا نسلّم بذلك ـ فالعبّاس "ع" وفقاً للمعتقدات الشيعيّة الرسميّة ليس كذلك فضلاً عن بقيّة الهاشميّين.

https://www.youtube.com/watch?v=IDOOj5HrO6E

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم