صحيفة المثقف

حامد عبد الحسين حميدي: قصيدة إشارة استفهام تقنية الدلالة في حوارية الذات الانثوية

hamid abdulhusanhomaydiتعد الاشارة وصلة اتصالية ذات مستويات مختلفة، اذ / انها تمدّنا بتعويض عن لغة كلامية / صوتية، فالإشارة / هي شفرة ايحائية، تنساق على وفق الطرح المتوخى منه، ولا يخفى علينا انها علامة دالة لمنسقات متتالية، لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال فهم مضمونها الدلالي، اما الاستفهام / فهو طلب معرفي لشيء مجهول في ذهن السائل، يثير فينا حبّ البحث والتقصي والتنقيب عما هو مبهم وغامض، هذا التركيب الدال على التمازج الذهني، هو قصيدة (اشارة استفهام) للشاعرة المبدعة (نيسان سليم رأفت)، التي عكست انطباعات خفية تحملها في خبايا النفس المكوّرة ذاتياً، لتحيلنا الى قراءات الغموض والانعزالية او ربما الابتعاد عن الاخر دون الاعلان عن هزيمة، الامر الذي شكّل لديها حالة خوف وتوجّس وانكسار وتشظي، انها لا تستطيع الكشف عما يجول في خوالجها، كونها وضعت علامتها الدالة امام الآخرين، علّها تهتدي الى فضاءات البوح الساكنة، تهدأ فيها كي تشبع ذلك النهم الروحي بالنقاء والصفاء، تعتمل مجساتها ضمن تآصرية متناوبة على التقاط بؤر البراءة .

(اشارة استفهام) تقنية الدلالة في حوارية الذات الانثوية مع الذكورية الغائبة التي انسلخت من واقعها لتصبح مجرد خيالات لا حضور لها، وفقت الشاعرة (نيسان سليم رأفت) في ادواتها الفنية واللغوية، حيث الانسيابية والوصفية والإشارات الموحية التي عجّت بالعاطفة والتوق الانثوي الرومانتيكي الخافت .

 خائفة من الأجوبة

أتحسس بيدي العمياء

جيوب العمر التي

امتلأت بالإشاعات

حتى اليوم لم أحسم فيها براءتي ٠٠٠

على فراشي الوثير

تسلل الضعف لقلبي

ولساني يلثغه الخدر

أطرافي المتجمدة

تتصبب عرقاً

و تكاسلت عن التحديق في سقف غرفتي عيناي

بحركة وقحة نفضت الغطاء

لأبحث له

في حقل ألغام جسدي

عن موطئ قدم  

هذا المقطع شكل توصيف لحالتها الضاجة بالتردّد والخوف، لأن مجهولية الاستفهام تركت فيها انطباعاً حوارياً ساكناً لذاك البوح الفردي الذي وصف الوحدة / الانعزالية التي تعاني منها، لذا افصحت عن مكنوناتها بضميرها المتكلم المتوهج بمفرداتها : (خائفة / اتحسس / / يدي / احسم / براءتي / فراشي / قلبي/ لساني / اطرافي / غرفتي / عيناي / نفضت / ابحث / جسدي) انها دلالات الفتور/ الضعف الذاتي الذي بانت ملامحه الغاصّة بمراجعات ماضوية، وكأنها شكلت لديها دفتر مذكرات / يوميات، اختنقت بين طياته تلك الاحداث النفسية، الوجع والكبت ومرارة الحياة وقسوتها، اجد لديها متراصات / متداخلات . فالخوف / اشارة باعثة الى (الاشاعات) التي حولتها الى صورة مجردة من العواطف / التخيلية .. لتنسلخ في دوامتها، محاولة الخروج من نمطيتها المتأزمة لكن دون جدوى، هي تقع ضمن مداراتها علها تمسك بثوب (البراءة) وانهزامية (العمر) الذي ضاع في قراراتها المتلاشية في ذلك (الخوف) ليكون باعثاً للضعف / والوهن الجاثم على جسدها المنهك، (تسلل الضعف لقلبي / ولساني يلثغه الخدر / أطرافي المتجمدة / و تكاسلت عن التحديق) هكذا / بدت صورة ساكنة / خاملة لا تقوى على الصمود / او الوقوف امام انهيارات الذات المتهاوية ، لكن / نهاية المقطع، شكّل لدينا : انتفاضة روح طامحة ترفض البقاء تحت اغلال ذلك الخوف او الرضوخ له : (بحركة وقحة نفضت الغطاء / لأبحث له / في حقل ألغام جسدي / عن موطئ قدم) انها حركة / اشارة متناغمة مع معطيات التكوين الداخلي المتأزم ونتيجة متوقعة، فـ (نيسان) قلبت الماضي، بحركتها، وهي باحثة بإصرار عن حاضرها الذي يمتد عميقاً في اغوارها الانثوية .

يطبع قبلته التي نسي شفاهه يوماً على جبيني

وبقي المكان شاغراً

وعلامة استفهام

- هنا - بروز الآخر الغائب، الذي يكوّن لدى الشاعرة (نيسان) لحظة ترقّب، فالمجهولية تتضح ملامحها من خلال التوصيف التكثيفي الذي تعتمد عليه، لأنها تعيش لحظات مضغوطة بشحنات سالبة خانقة .. تحاول ان تفك طلسم (الاستفهام) بـ (قبلته) المتجذّرة في اعماقها، هي / لم تنسها، ولم تتخلَ عنها، حتى وان احالها الزمن الى فراغ / (وبقي المكان شاغراً)، تحمل ذكرياتها بـ (علامة استفهام) التي ايقظت ما لديها من لواعج الوله والشوق للماضي .

خائفة من الأجوبة

وأنا انتظر رحيل القاطرة الرابعة

في محطات

أجهل فيها وجهتي

أحدق بعيداً في أمكنة لم تلد فيها الهموم بعد ..

لا زلت انتظر كوب الشاي حتى

يبرد ٠٠٠

ثم تومض - ثانية - لإشارتها التركيبية التي بدأت بها في المقطع الاول (خائفة من الاجوبة)، ايحاءً منها الى ما تغصّ به، ذلك الشعور المتنامي مع سني عمرها، البحث والانتظار، وخفاء العناوين والأمكنة، والرحيل، والأنوثة الضائعة في سرادق الظلمة والزمن، يوقد فيها نظرة لمستقبل مجهول تتطلع اليه، علّها تجد ضالتها حيث الامكنة الهادئة التي تنعم بالطمأنينة والرخاء النفسي، (أحدق بعيداً في أمكنة لم تلد فيها الهموم بعد)، لازالت تنتظر قدرها بمحض ارادتها، فما فاتها ليس بشيء هين عليها .

الشاعرة (نيسان سليم رأفت)، استطاعت ان تهيئ لنا صورة لماضٍ متخمٍ بأنوثة ضائعة، تختفي من ورائها حكايات سردية، انها هي الانثى، تنظر بعينها الى ما المّ بها من الاخر / هو الغائب، فلا بوادر لثورة ولا ضجيج ولا تداعيات للرفض الذكوري المتسلّط، انها حوارية / بوح لسرابات زمن له الاثر الواضح، الذي ترك بصمته عليها ليحولها الى أنثى دالة، بل اشارة لاستفهام.

 

حامد عبد الحسين حميدي / ناقد عراقي 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم