صحيفة المثقف

ملهم الملائكة: ليس حلما ولكن بعضٌ من تخيلنا

mulehim almalaekaتضج الصحف ووسائل الاعلام منذ سنوات بأخبار النزيف السوري والحزن الذي بات علامة فارقة لتفتت الشام وضياع أهلها وغياب شمسها كدولة وكحواضر عريقة. ولكن الصحف ومحطات التلفزة تمر سراعا على نزف العراق المتصل منذ عقود بلا نهاية.

أنتظر بلهفة أن يظهر في وسائل الإعلام بضع تعاطف مع النزيف العراقي، ولكني أنتظر بلا نهاية منذ عام 2003 وما زلت حتى اللحظة أنتظر، والكل تشغلهم أحزان غير عراقية ونحن نحترق.

وهو ليس من تخيلنا : أنّ العرب مشغولون بحروبهم، وبفرقتهم الدامية، وببغضائهم العريقة، وبعداوات بدأت بحرب البسوس وانتهت بداعش والنصرة، والغريب أنّ العراق طالما حاول أن يلمّ الوجع العربي، لكنهم ينسونه في حزنه ونزيفه.

صور تلميذات المدارس العراقية اللاتي مزق أجسادهن انتحاري كريه تملأ النيت وفيسبوك، ورائحة الدم تزكم الأنوف، وإذا حاول أحد أن يسأل لماذا النزيف فالتهم جاهزة:

اذا نعيت ضحايا التفجيرات في تلعفر، فأنت طائفي شيعي تروج لمشروع مجوسي؟

وإن بكيت حزنا على شرطة الأنبار الذين يعلقهم تنظيم القاعدة على أعمدة النور وينسف رؤوسهم بالرصاص، فأنت عميل تروج للمشروع الأمريكي الصفوي .

وإن أعلنت الحداد على ضحايا تفجيرات اربيل - وهي أحلى ما في العراق اليوم- فأنت تروج للمشروع الكردي الانفصالي.

وإن دعوت الشعب للوحدة فأنت خيالي عاطفي تعيش في عالم الوهم.

وإذا قلت لأهل العراق أطردوا الأغراب، ولا تفتحوا بيوتكم لمن يريدون بوطنكم شرا، فأنت شعوبي لا تحب العرب.

وإذا دعوت الى دمج قوات الصحوات بالجيش لكي لا يبقوا وحدهم أمام بطش تنظيم القاعدة فيعودوا لإمتهان قتل العراقيين كي يحموا أنفسهم وأهلهم، فأنت تريد أن تعبث بالنسيج العراقي .

واذا دعوت الى إجتثاث الفساد، وهو أصل كل المشكلات، و كل القتل الذي لا ينتهي، فأنت تتآمر على رزق ألوف الناس الذين حرمهم العهد الماضي من فرص الحياة، وتريد أن تعيد عقارب الزمن الى وراء.

هو وطن مختصم مع نفسه، كاره لأحبته، معاد لمن يعشقونه، طارد للعبقريات، طارد للعقول، طارد للمواهب، طارد للفرح، طارد للأمن والسلام والمحبة.

وهو وطن لا يقبل القسمة على ثلاثة، لكن الثلاثة يرفضون أن يعيشوا مع بعضهم بوئام وسلام ويرفضون القسمة فلم يبق الا الحرب، أهذا خير الحلول؟

هو وطن، جمعه حكامه بالقوة، فلما تراخوا وتساقطوا وحوصروا في قصورهم، صار الوطن يتحلل ولا يطيق بعضه، فبعضه يمزق بعضُه، وبعضُه يقتّل بعضه، وبعضُه يطارد بعضه.

بضع شبيبة هذا الوطن النازف، يسعون لأن يعيدوا البلد الى مساحة الحب، فيتحدون القنابل والمفخخات والإنتحاريين، ويجتمعوا بنينا وبنات في أرجاء بغداد ليطردوا عن الأماكن على الأقل وحشة الخوف، وينشروا عطرا يغطي رائحة الدم.

 ليتهم يفلحون فيرجع للأماكن حس من أمان، جميل أن يكون بضع من تخلينا. 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم