صحيفة المثقف

محسن العافي: أيتها المرأة.. لا تنْسَيْ سرَّ وجُودِك

mohsin alafiفي كل المناحي التي نجوبها، لا يخلو مكان من المرأة، في وجودها السكون والهيام، وفي غيابها جفاف الدنيا، وضيق العيش، وبطش القنوط الذي يدوي بلا هوادة و لا تروي .

هي أنت التي أقصد بلا ذنب قد أقترفه، حين يحضرني القول الرصين عن هذا الوجود الذي تحضرين فيه أما وارثة الحياة .

 منك يستقيم صلب الحياة، هبةٌ من سماء الكون أنت . كان لهذا الكون ملامح جميلة بك، وحين تغيب الشمس وتظلم الأيام، يسطع القمر منك كوكبا مضيئا، من صميم صنع سماوي خصب هو، لا يخطئ في اختيار الموصوفات من الأجسام، ولا تحضر مساره هنات تمتص جماله الأبدي وإعجازه القاهر،  ولا ترسم الكائنات عظمتها إلا بإذنه .

 قد أتيه في هذه المسالك الوعرة، ولكنني على علم بأن الذي ينير طريقي، لم يكن إلا شعلة تلوح من بعيد، من بعض قراءات فيسبوكية باهتة، أستنير بها لاستحضار قراءاتي السابقة في كتابة هذه الكلمات.

 من تلك الأعالي التي لا يعلو عليها كيان، لا تكتمل اللوحة التي ينبعث منها الجمال، إلا بالعيش رفقة عالمها الكئيب الجميل، الحزين المبهج، المتفرد الباذخ، الذي ربما جمع كل صفات هذا الكون مرفوقة بنقيضاتها، هو جمال قلَّ من يعرفه، حين يجثم الطباق الآتي من البلاغة على الكثير من الصفات والأمور والمعالم، ثم يضمها إلى فنائه جنبا إلى جنب .

 لم يكن العالم يوما جميلا بدون الزوجين الذكر والأنثى، ولكن كان الحضور التوافقي أمرا لا مناص فيه، تلتقي فيه الكلمات، و تتعاقب فيه الإختلافات والإختلالات، ولربما اتسع الفناء ليشمل الحب، وكلمات أخرى مبهرة آتية من الأديان، أو مما تعارف عليه البشر من أخلاقيات وقيم، تسير بنا نحو السمو في التواصل والتآخي، ثم التواجد جنبا إلى جنب، بشتى المفاهيم العلمية والعملية، في ذلك الحيز الزمكاني، الذي ننأى فيه، عن عالم الخداع والمكر، فنبنى بذلك العلاقات على تواتر أساليب المحبة، والسمو في معالمها ودرجاتها، التي ترتقي إلى مراتب نكران الذات، والإنصهار من أجل إسعاد الآخر، و كذا إدخال البهجة على سماء البيوت والأمكنة والمجتمعات .

بلا شك كانت المرأة أمنا الثانية بعد الأرض، ذلك الكائن الذي لازم الحياة منذ أزمنة أوغلت في القدم، ذلك الذي تأفل مكانته، ثم تعود للتألق ثانية، بما صنعت به المجتمعات بتربيتها الناجحة أو الفاشلة، هما أمران أراهما السران الكامنان وراء التذمر من أمر المرأة، أو الإنبهار بما هي فيه من عظمة و ورقي.

 لم تكن المرأة إلا ذلك الإنسان الضعيف، الذي لا يقبل التواجد وحده في عالم كئيب، ولا يقبل التواجد مع الكثيرين ممن يبطشون بعالمه الأزلي الشفاف الذي لم يأت اعتباطا، بل كان مما ورثته أنوثتها عن أمها الأرض، كما ورثنا غير ما لها نحن الذكور، طبعا هي منا ونحن منها بلا شك، ولكن بعض التفضيلات شاءت أن تغير من أوضاعها في أماكن عدة من العالم، وكنا نحن الرجال راضين بما يحدث في عالمها، راضين أن ينال القدر ممن كانت أمنا وأختنا، وأن تستهين بكيانها عوادي الأيام، فترمي بها في العوالم المنسية، ويسحب من تحت رجليها البساط، لنستسيغ وضعها وحالتها، التي لا نرضاها لمن تلازمنا حياتنا، وتدير شؤوننا كاملة.

على كل فإن هذا العالم، قد رسم للمرأة حياة يراها كفيلة برفع الحيف والظلم عنها، و يرى أمر إعلان مساواتها مع شقيقها الرجل أمرا مجبرا على الإيقان بماهيته، فكانت خلاصاته في بعض الأحيان، تلامس أبجديات الديانات، وفي أحايين أخرى تتأرجح بين ما تمليه الفرضيات والتجارب، التي قد تسهب بعيدا عن منا حي تواجد هذه البطلة الحقيقية، التي هي المرأة .

 هي الريح والعاصفة، وهي الثائر والغادر، وهي على عكس ذلك، القمر والشمس والنجم المتلألئ المتعالي، ترسم للإتجاهين عوالم خفية لا يمسها شيطان مارد، ولا يحاذيها عالم نفس، ولا منجم ولا طبيب و لا ساحر .... لكن يبقى لكل اتجاه بيئة باعثة، على أن يكون هذا الشيء، و لا يكون الشيء الآخر .

لو تعلمين أيتها الأم، أيتها الزوجة، أيتها الأخت، أيتها الصديقة، .... لو تعلمين أن سماء الكون ما خلت من عظمة زينت كيانك، ورسمت لك كل ما لك بحرفية وبهاء، وبما يقيم عالمك البهي، لكن لا تنسي سر وجودك الذي يناديك دوما، أن تكوني امرأة رقيقة، لا رجلا منفرا، لأن الإنسان عندما يستأنس بالمرأة، لا يرجو منها أن تكون شبيهة بالرجل ليحترمها أو ليقدرها، أو لينبهر بها ويتفاءل بما لَها .

 أوغل في العبث من استحضر هذه التفاهات وغيرها، من النساء أو الرجال على حد سواء، ومخطئ من بنى له عالما فسيحا من الأوهام والخرافات، ثم هم بمخاطبة هذا العالم بما يجب وما لا يجب في حياة لا يعرف عنها إلا اسمه ونسبه، ولا يعرف من مجتمعه إلا السوق والشارع، وبضع كلمات استقاها له من الجلوس على كراسي المقاهي، إليكِ أيتها السيدة التي زينت هذا العالم، إليك أيتها المرأة القادرة أن تصَدّعي أركان هذه الحياة التي لا تستقيم إلا بك دون غيرك، أقول : عالمك لا يصلحه غيرك، بما أوتيت من حكمة و تبصر، ومما أوتيت من بعد بحث وعلم وتربية، وبما ورثته عن أمك من صفاء فطري، يهب لهذا العالم الحياة.

بدوية كنت أم قروية، وبما شيء لك نيله ممن تولى تعليمك و رعاك بالعبر و النصح، والأساسيات الباعثة على كل جميل هو من صميم خلقك، سترثين دور الأم، الذي لا دور في هذه الحياة يضاهي عظمته و سموه، ذلك العالم المتفرد الماتع الذي يرسم للحياة أشكالا عدة، لا يمكن القبض على جزئياتها الصعبة المنال، عالم لا يمكن رسم مختلف عناوينه الجميلة، التي تنشر على هذه الأرض السلام، وتنفي عنه العداوة والبؤس، وتضع له سبيلا واضح المعالم، ينأى عن العبث والوقوع في التفاهات، التي شاء القدر أن تسقط فيه المجتمعات، عندما أعلنت فشلك المتكرر في أن تهبي هذا العالم رجالا ونساء، يرسمون للحق شساعة، و يحرصون على تضييق الخناق على الباطل والسوء، ودحض كل كلمة تندرج في جحورهما الضاربة في العبث . لذلك أعلن مسؤوليتك أيتها المرأة عن هذا العالم الذي ظل فيه أبناؤك الطريق .     

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم