صحيفة المثقف

وديع شامخ: عرس الماء السومري

wadea shamekh2نحن أبناء الماء، سومريون من قصب وأحلام قصية، مبارك الماء الذي جمعنا، مبارك  القصب الذي كان لنا  قامة  "يشن وجبايش"* وصار  نايا لنُوحنا  الابدي،

 سومريومن من الأزل، ولنا الماء مادة الحياة، والطين والمسلات  .

لنا التيهه، والجنون، فجدنا جلجامش، أصيب بداء الخلود، فأدمن الماء ورحل بقارب الى النهايات الحادة، شرب خمرة سومرية، وقامر بروحه .،  وكتبت وصية لي :

خمبابا يا ولدي مصطبة  للراحة 

والوحش القادم أنتم

يا آلهة سومر وبابل  وأكد وأشور

يا صنّاع حضارة  الحرف والماء  ومجد الإنسان  الأول،

 لقد  صحّت نبؤة الشعر، وتكالبت الأقوام علينا، بين ناهب  لتراثنا وحارق  لقصبنا وسارق البراءة على شفاهنا، وتوالت الأزمان، وفي كل دور تُبدل الأفاعي جلودها  وتبتكر سبباً آخر  للغارة  على منجمنا الذي فتح الحراس أبوابه وسماءه وماءه لكل الغزاة .

أهوار العراق ثروة وطنية تفوق  بقيمتها مصادر الطبيعة الأخرى من نفط ومعادن  لو كانت هناك سياسية وطنية لاستثمار هذه الطبيعة الساحرة المتعددة  المزايا   اقتصاديا وتاريخيا واجتماعيا وسياسيا أيضا، أهوارنا تتوافر على أرض خصبة وجذابة  ومثالية  لكل فرص الاستثمار وطنيا واقليميا وعالميا، لو قدر لها الإدارة  الوطنية المخلصة .  ولعل أسوأ  ما  عملته  حكومة  الديكتاتورالمقبور  الجريمة البشعة في تجفيف الأهوار تلازما مع دخولها في مستنقع الحرب مع ايران في ثمانينيات القرن العشرين.

لقد تحملت  أهوارنا طيش الطاغية، ففرت الطيور  ونفقت الأسماك  والجواميس  وأحرقت الجبايش ، وصارت الآثار التي لا ُتثمن سلعة في سوق نخاسة التاريخ ، وضاع فردوس العراق وتناهبته الأفاعي وطنيا ودوليا .

وكما قال جواهري العراق

باقٍ وأعمار الطغاةِ قصارُ

 ذهبَ الطغاة و هبت روائح الحياة وتنفس الماء عبَق الطين ثانية  وجاءت طيور الدنيا لتحط ثانية  ورقصت الاسماك  وعاد الجاموس  الى  حضن الماء، وعاد  العراقي  لينعم  بثروته  الغنّاء، وأعلنت الدنيا زفة دولية لعروس العراق الأهوار، في جهود وطنية مضنية  لتعلن أهوارنا على لائحة التراث العالمي، ولعل هذا  حلم وعرس وفرح  لا يدانى .

نحن في الصالون الثقافي  في منتدى الجامعيين العراقي الاسترالي، أخذنا على عاتقنا  التفاعل  الدائم  وبمجساتنا الحساسة  مع  الأثر  العراقي  الإبداعي   ظاهرة  وأفرادا، ولعل موضوع عرس أهوارنا الدولي  كان مبعث فخر  وفرح لنا  في مغتربنا الأسترالي،  فكان أقتراحنا أن نحتفي بالهور من خواصره العطره، ولعل الشعر الشعبي العراقي   خير مشير الى ما يعتمل  في الصدور من  زهو لهذا الانجاز التأريخي  الفذ، فأطلقنا مهرجانا  بعنوان مهرجان الأهوار للشعر الشعبي الأول، الذي سيكون  طقسا سنويا  نحتفي به  بشعرنا الشعبي  البهي، إذ  كان وما زال تعبيرا عن ضميرنا الشعبي النقي، الذي نستذكر فيه بفخر كبار نماذجه منذ رائد الحداثة الشعبية  " مظفر النواب، ومن بعده  الشعراء كريم محمد، طارق ياسين، شاكر السماوي، زاهد محمد، عزيز السماوي، كاظم الرويعي، حامد العبيدي،  كاظم الركابي،  وغيرهم الكثير، ولعل وجود قامتين في مسيرة الشعرالشعبي وهما عريان السيد خلف وناظم السماوي، مع نخبة مميزة من  شعراء سيدني  ليكونوا جميعا  نجوما في ليلة مهرجاننا  الأول هو دليلنا الأكيد على وضوح رؤيتنا لهذا المهرجان السنوي .

لم يكن اختيارنا للشعراء المشاركين عشوائيا، ولم يكن شاملاً للجميع أيضا، فأمام جواهر القول الشعري نبقى عاجزين عن الوصول الى تمام القبول، ولكننا بدأنا بأسماء لامعة لا غبارعليها، وسوف نكون أوفياء لمسيرة الشعرالشعبي وفرسانها من مختلف الحقب  والأجيال والأساليب، سيما واننا دَرجنا هذا المهرجان صنواً لمهرجان الجواهري السنوي  للشعر الفصيح، فسيكون للصالون الثقافي جناحان  للطيران في السنة الواحدة .

شكرا لبهاء الهور ولمن سعى لهذا العرس السومري الجليل

 

......................

*1- كلمتي   في مهرجان الأهوار للشعر الشعبي الأول  الذي اقيم  في سيدني  20 -11 -2014  لمناسبة ادراج أهوار العراق  على لائحة التراث العالمي

*2- اليشن هي مدن سومرية تقادمت واندثرت والجبايش جمع جباشة وتُعمل من حزم القصب والبردي والتراب لطمر المسطحات المائية كي تكون مساحة ارضيه صناعية لبناء المساكن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم