صحيفة المثقف

كاظم شمهود: النسبية في مفهوم الجمال والفن

khadom shamhodيقول الكاتب شيلر (ان تطور الاحساس الجمالي هو الاساس الجوهري في تطور العقل والاخلاق). اما هيجل فيقول (الجمال هو الحقيقة والحقيقة هي الجمال)

 ويذكر ان الشئ الثابت في الانسان الذي يتجاوب مع عنصر الشكل في الفن هو- الحساسية الجمالية – وهي ثابتة ومخلوقة في الفطرة الانسانية، ولهذا فلا يختلف فنان الكهوف عن الفنان المعاصر وانما الشئ المتغير هو - الفهم -الذي يقيمه الانسان حول الاشياء المادية او الاشياء الفكرية، ويكون ذلك الفهم او الحكم خاضعا للتقاليد والثقافات والاماكن والعصور .

وكان الفن الشرقي يختلف عن الفن الغربي فالاول يعتمد في فنونة على ايقاعات الخط وحساسيته الجمالية اما الثاني فيعتمد على ايقاعات الظل والضوء، والفن الشرقي اكثر روحانية والفن الغربي اكثر مادية وارتباطا بالجمال المادي وحسب النظريات الجمالية والاخلاقية عند الاغريق . وكان الفنان الشرقي له علم ودراية جيدة بالضوء والظل ولكن كان يفضل الايقاع الخطي ويعتقد ان هذا الايقاع هو اكثر جوهرية وثباتا من التأثيرات العرضية التي تتبدل وتزول بسرعة حسب اشعة الشمس او غيابها . ويعتقد انه كلما كان الخط بارزا في تحديد الاشكال ازداد كمال العمل الفني وجماله كما هو عند الفنانين الصيني والاسلامي .. ولهذا فان مفهوم الجمال في الفن عند الشرقي يختلف عن الغربي .

1128-khadom

 

ومنذ القرن التاسع عشر وبعد الثورة الفرنسية بدأ النقاش يدور حول الاداء الفني حيث طرحت اسألة كثيرة حول دور النقد في الفن وهل يحق للناقد ان ينقد ويمدح او يذم اما ان حقه لا يتعدى طرح وجهات نظر شخصية .. وعما اذا كان الجمال يعني الفن ام ان الجمال شئ والفن شئ آخر؟؟ وهل ان الفن هو صورة محاكات للطبيعة ام يكون شيئا آخر؟ كل تلك النقاشات والنظريات افرزت اليوم واقعا ملموسا تجسد بظهور مذاهب ومدارس فكرية وتشكيلية عديدة ومختلفة عمت العالم كله .

اليوم انا وانت وغيرنا من الناس لكل منا خصائصه الفردية ودرجة حساسيته في التذوق التي يختلف او يتميز بها عن غيره سواء كان في الشرق او الغرب ولكن هناك صفات عامة يشترك فيها الجميع وهي الصفات الانسانية منها غريزة حب الجمال. وفي قول الشاعر (خلقت الجمال فتنة لنا وقلت يا عباد اتقون - وانت جميل تحب الجمال فكيف بعبادك لا يعشقون)

1128-khadom2

 

كما رفض اليوم اساتذة الفن الحديث المبدأين الجمالي والاخلاقي واحتفظوا بالمبدأ الميتافيزيقي . حيث عملوا على الغاء هذين المبدأين وكانوا يعتقدون بان وراء كل هذه المظاهر المتعددة للطبيعة حقيقة خالدة واحدة وان هذه الحقيقة هي الجمال، حسب تعبير هيجل . ولهذا تغير مفهوم الجمال في الفن الحديث عن النظريات الكلاسيكية السابقة ..

هناك نظرية للفيلسوف –يونج- تتحدث عن ظهو تقلقل في اللاشعور الجماعي ابان الازمات الاجتماعية مما يحدث اضطرابا في التوازن النفسي ... وقد يكون ظهور التيارات المتطرفة عاملا هداما للفن والمجتمع لانها تحمل مفاهيم خطيرة وشاذة كالحركات الدينية المتطرفة، ولكن سرعان ما تنكشف هذه التناقضات وتختفي لانها ولدت وهي لا تحمل مقومات الحياة ...

 ولعل الفكرة التي طرحها المفكر – ماكس نوردو- في اواخر القن التاسع عشر على ان الحياة عبارة عن - هدم وانحلال فحسب -. تبنتها هذه الجماعات المتطرفة من قتل وهدم لكل الرموز الحضارية وعبث وهلوسة في كل شئ . فعندما ظهرت الدادائية في الفن نادت بحرق المتاحف وكل ماهو ماضي، وعندما ظهرت جماعتي طالبان وداعش ذهبتا الى المتاحف والآثار القديمة فهدمتها وحولتها الى ركام وخراب ..

ويذكر الدكتور والمؤرخ حسن محمد حسن بانه ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر بعض الجماعات الفنية والادبية اطلق عليها اسم - الانحدارية – سواء كان في الشعر او الادب او الفن وقد اتخذ هؤلاء الشباب شعار التصادم مع الكنيسة والطبقة البرجوازية وكان على رأسهم تيوفيل جوتييه وشارل بودلير وكذلك بول فرلين ورامبو . وكان من مظاهر هذه الاحتجاجات هو استعمال المخدرات والحشيش والافيون والخمور وسلكوا ايضا مسالك الشذوذ والانهيار الاخلاقي .. ويذكر الكاتب الاستاذ الدكتور عفيف البهنسي ان نهاية القرن التسع عشر اتصفت بالتمرد على التقاليد الفنية القديمة والاخلاق السائدة يومذاك (ويقول جون كاسو: لقد اخذ الفنان موقف المتمرد والفوضوي والهوائي) .. كما ان جماعة الدادائية وقفوا في الحانات والملاهي الليلية والشوارع يعلنون تمردهم وسخطهم على الحياة وزيفها وقد عبروا عن ذلك عن طريق التصوير والخطاب والادب ... وهكذا فان تلك النهضة التحررية التمردية ادت بالاخير الى ظهور مفاهيم جديدة وتيارات حديثة في الادب والفن ..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم