صحيفة المثقف

ملهم الملائكة: جواز سفر الى عالم الأحلام

mulehim almalaekaلم يبتعد كثيرا العصر الذهبي لسفر العراقيين في ستينات وسبعينات القرن الماضي. كان الدينار يصرف بثلاثة دولارات، وجواز السفر العراقي محترم ونافذ في أغلب بلدان العالم.

عاش العراقيون عصرا ذهبيا في ستينات سبعينات القرن العشرين حصرا، الناس من كل الشرائح يسافرون ويتجولون ويتعلمون مما يجري في بلدان العالم. الشباب والشابات يسافرون ليطمنوا حاجتهم الطبيعية، مع أن مساحة الحرية في البلد كانت تتسع باضطراد رغم محاولات قائد الردة محافظ بغداد آنذاك خير الله طلفاح المحمومة لنقل النموذج السعودي الى العراق.

البالغون يسافرون مع أسرهم للهروب من حر العراق ولتعلم التمدن والحضارة من بلدان سبقتهم في هذا العصر. المتقاعدون يسافرون ليروا المتاحف والمعالم الأثرية كما يفعل المتقاعدون اليوم في كل العالم.

البعثيون أرادوا أن يتهربوا من اشتراكيتهم المستنسخة عن المعسكر الشيوعي، فبدأوا يسافرون ليتبضعوا من خارج المحيط الإشتراكي، ليعودوا الى الوطن ويسربوا ما اشتروا الى الأسواق فيتربحوا من السمسرة، وأسسوا بذلك لظاهرة الدلالات التي قضت على الطبقة الوسطى في السوق والمجتمع.

الوفود الرسمية تسافر بلا انقطاع لنقل تجارب الغرب والشرق وبلاد العرب الى البلد، والمؤسسات تزدهر والتعليم يسير قدما في طريق النور.

بدأ مشروع صدام (متزامنا مع مشروع الجمهورية الإسلامية في إيران، أليست تلك صدفة غريبة؟)، وشرع مسلسل الحروب، فامسى جواز السفر حلم خلاص مستحيل من محارق الحروب المتتابعة (قادسية صدام، أم المعارك، سنوات الحصار، أم الحواسم) . ولم يكن ينل هذا الجواز إلا من كان ذو حظ عظيم وذو يد مبسوطة تبذل الرشاوى وتُسكت ألسن وأقلام الوشاة. ومع فقدان الدينار العراقي 300% من قيمته بعد أم المعارك سيئة الصيت، انخفضت بحدة ثقة البلدان فيمن يفدون من العراق، وتحدد منح التاشيرات (الفيزا) في الغالب لمن يمتلكون منهم أرصدة تضمن إقامتهم في بلدان المقصد.

بعد التغيير الشامل سنة 2003، وسقوط الدولة، وضياع الملفات، وتفشي الفساد وشلل مؤسسات الدولة وتشرذمها، صار الحصول على جواز سفر سهلا وبلا مضايقات أمنية وملفات مراقبة لكنه يتطلب واسطة ومئات الدولارات وليس أكثر من نصف ساعة.

 

لمن تفتح بوابات الفردوس؟

مقابل هذا اليسر، ولد عسر جديد، فأغلب الدول فقدت ثقتها بالنظام العراقي الجديد، ليقينها أنّ الدولة غائبة، ولا وجود لأي مؤسسات وهياكل تضمن حقوق الدول، ولشعورها أنّ أغلب الوثائق الصادرة عن مؤسسات رسمية هي وثائق مزورة قائمة على مستندات وهمية، وربما تروّج باسم بعض الأموات أو باسم شخصيات لا وجود لها. من هنا فقد جواز السفر العراقي الصادر بعد عام 2003 أي صدقية له، بل إن الجوازات الدبلوماسية العراقية يُنظر اليها بكثير من الشك والريبة في أغلب مطارات العالم.

جواز السفر العراقي اليوم يتطلب – في الغالب- رشوة تصل الى مئات الدولارات بلا سبب، فقط لتحصل على حقك في وثيقة لا تؤهلك الدخول إلا * للبلدان التالية بلا فيزا (ماليزيا، تركيا، لاوس، سنغال، وجورجيا، وجزيرة ماكاو).

وللإيضاح فإن حامل جواز السفر الكويتي "مثلا" يحق له أن يدخل 70 بلدا دون فيزا، بل قد يحصل على تأشيرة دخول لدى وصوله المطار أو المنفذ الحدودي العائد لدولة المقصد.

ويحق لحامل الجواز السعودي كمثال آخر أن يدخل 59 بلدا بلا تأشيرة (قبل هجمات 11 سبتمبر/ ايلول الإرهابية كان يمكن للسعودي أن يدخل 100 بلد بتاشيرة تعطى له في منفذ الدخول).

أما حامل جواز السفر الألماني " مثلا "، فيدخل 121 دولة دون فيزا (أي أنه لا يحتاج حتى الى تأشيرة توضع على جوازه في مطار دولة المقصد). الدول الوحيدة التي تطلب فيزا من حامل جواز السفر الألماني هي :

حكومة العراق الاتحادية (إقليم كردستان لا يطلب فيزا)، إيران، السعودية، سورية، اليمن، الصين، فيتنام، كوبا، والجماهيريية الليبية العربية الإشتراكية الأفريقية العظمى" لصاحبها الراحل معمر القذافي"، وما بعدها، أي "دولة ليبيا الحرة " وما تفرع عنها دون عنوان، الزنتان، مصراته، برقة .

جواز السفر حقا هو مفتاح بوابة الفردوس، والدول التي لا تمنح الوافدين تأشيرتها تحرمهم من فراديسها، وتخيّل تفاصيل فردوس مصراته، أو سورية أو بغداد مثلا بالنسبة للقادم من ألمانيا !!

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم