صحيفة المثقف

من أعلام التنومة: عبد الباقي شنان

ولد الكاتب والسياسي المعروف عبد الباقي شنان في التنومة عام 1948 حيث يملك والده الوجيه المرحوم الحاج شنان الحلفي بستانا على ساحل شط العرب ودارا لاتبعد كثيرا عن منزلنا، ومن لقبه نعرف أن الأديب الأستاذ عبد الباقي شنان ينتمي إلى عشيرة عربية أصيلة هي عشيرة الحلاف الكريمة.

  لكن الأديب عبد الباقي وإن كان يعتز بأصوله وأهله الطيبين إلا أنه يفخر أول مايفخر بثقافته وانتمائه السياسي ويفخر بالبئة التي نشأ فيها لكن من دون تعصب ولا طائفية لذلك تجد الكثير من أصدقائه من أديان مختلفة وطوائف عديدة وقوميات وأحزاب شتى.

  انضم الأستاذ عبد الباقي إلى الحزب الشيوعي منذ شبابه وتفرغ للعمل السياسي وكان شرسا في مواجهة السلطة الحاكمة واعتقل عدة مرات وقد حكى لي في أحد الأيام أن أحد المحققين في الاعتقال ضربه على صدغه في مكان خطر حيث بقي فاقدا للوعي وقتا طويلا. ومما أذكره عنه أنه حدثني أن السجن جمعه يوما بالمرحوم الأستاذ سالم نعيم الذي عرف عنه انتماؤه إلى حزب إسلامي معروف.يقول عبد الباقي سألته وقد أخبرني السجان أنهم أطلقوا سراحي وأستطيع المغادرة هل تروم أن أبلغ أهلك بشيء؟ وهذا موقف نبيل من سجين طليق السراح يغامر ويذهب إلى بيت سجين إسلامي وعبد الباقي يساري معروف وهذا إن يدل على شيء فإنما يدل على طيبة أهل التنومة الأصلاء.

  إن صراحة عبد الباقي وصدقه ونبله ونزاهته هذه الخصال فيه هي التي جعلته يبتعد عن الساحة السياسية التي عصفت باليسار واليمين والتي يرتقي فيها دائما على حساب المباديء الاانتهازيون  والمتملقون والمراوغون.

  سافر الكاتب والسياسي عبد الباقي شنان إلى عدة دول منها الاتحاد السوفيتي في دورات سياسية ثم خرج من العراق منتصف السبعينيات حيث استقر في سورية فعمل في دمشق  محررا في صحيفة الهلال الأحمر التي تصدرها منظمة التحرير الفلسطينية فكان بيته في سورية يمتاز بثلاث خصال رائعة هي:

إنه مكان لالتقاء السياسين العراقيين والعرب يتداولون فيه الأفكار ويتحدثون عن السياسية وقد يختلف عبد الباقي مع أي شخص لكنه لا يطرده من بيته قط،وهذا يدل على أخلاقه الرائعة، ثانيا كان بيته ملتقى للأدباء والكتاب والشعراء والفنانين العرب والعراقيين فتسمع في ذلك اللقاء القصيدة الجديدة والشعر الجميل والمقالة والقصة القصيرة وأحدث الآراء في الشعر وقصيدة النثر وماتنشره الصحف العربية والمجلات العالمية من آراء جديدة ينقلها من له اطلاع بالروسية والإنكلايزية والفرنسية من الحاضرين مع العلم أن هذه اللقاءات لم تكن مبرمجة في وقت معين بل كان أغلبها ليلة الجمعة وهذا لا يعني أن بقية الأيام تخلو من لقاءات بل كانت تتحقق فيها لقاءات على الدوام أيضا.          وأذكر أن أحد مدعي الشعر زار عبد الباقي يوما ما وقرأ له شعرا فقال له مارأيك فيّ، فخرج عبد الباقي من الغرفة وأجاب: أنت أشعر من في هذه الحجرة وأنا طبعا لست بداخلها!!

ثالثا: ظل بيت عبد الباقي أيضا مأوى للعراقيين ممن يضيق بهم الحال بغض النظر عن انتمائهم السياسي وقد سمعت عراقيا يوما ما يلوم آخر على عمل فعل وضيع اضطر إليه لماذا فعلت ذلك كان بإمكانك أن تذهب إلى بيت عبد الباقي إلى أن تجد عملا!

  وننتقل من عبد الباقي الإنسان المرهف  الذي يحب الخير ومساعدة الآخرين إلى الجانب الأدبي في شخصيته  فهو كاتب سياسي وروائي يكتب القصة القصيرة وقصيدة النثر، وهناك أيضا مقالاته ومتابعاته التي كان ينشرها في مجلة الهلال الأحمر الفلسطينية ومانشره في مجلة النافذة  التي كان رئيس تحريرها.

من أجمل ماقرأت إلى عبد الباقي قصتان قصيرتان عنوانهما" خيزرانة خريبط" وقصة " عبود ونخلة فريال"، وقصة خيزرانة خريبط تمثل المعتقدات الشائعة والروحية للمجتمع الريفي ونفسية الرجل العراقي كونه أبا وزوج أم وتسلطه ومعاناة الطفولة وترسم القصة بيئة التنومة الزراعية والمعتقدات والعادات وتصور كل ذلك بأسلوب غير مباشر رشيق جميل نجد له امتدادات في الأفعى والعصا والنار والطفولة فكل هذه معان جميلة لها أبعاد نفسية وفلسفية ومدلولات أممية عامة جعلت تلك القصة من القصص القصيرة المميزة.

والقصة القصيرة الثانية عنوانها" عبود ونخلة فريال" وهي قصة واقعية كتبها الأستاذ عبد الباقي بأسلوب بعيد عن المباشرة ليصوّر الصراع الطبقي. إن عبودا هو الشاعر البصري وهو من أهل التنومة أكبرنا نحن الشعراء والكتاب سنا أنه من مواليد 1945 وهو شاعر يكتب على السليقة ولا يعرف البحور،أصدر أول مجموعة شعرية عنوانها " إليك قصائدي" وفيها يقول: كيف لا أرهق نفسي كيف لا    وهي تمشي بتأن كيف لا صاح سوق الشيخ حنا حي هلا كيف لا ... وبطل قصتنا هذه عاش مأساة حقيقية فهو فقير رباه أخواله ثم دخل الجامعة فأحب فتاة أرستقراطية جميلة طويلة القوام اسمها فريال تأتي إلى الجامعة وتغادرها بسيارة فخمة.. هنايتحدث عبد الباقي عن حال عبود العاشق الفقير بأسلوب جميل رشيق: الفتاة يخطبها وزير كما يقول عبود في مجموعته الشعرية: قالوا تزوجت وزير... فيمرض عبود الشاعر وهو في السنة الثالثة فيترك الجامعة لتكون الأحداث التي مرت به محورا فيما بعد لقصة اتخذت من الصراع الطبقي محورا لها.

تحية لكاتبنا الذي يعيش الآن في كندا ويواصل عمله الأدبي بجد وإخلاص.

 

بقلم: قصي الشيخ عسكر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم