صحيفة المثقف

عتمة الرؤيا لصنم الكتبة (6): لقطة مشلولة

البعض اعتقد بأن عدم توالي النشر للموضوع أعلاه؛ تأكيدا أن جهدنا توقف عند حده؛ ولا يمكن له أن يستأنف جهده في مسايرة البحث وتسليط الضوء على صنم الكتبة؟ هذه لقطة من لقطات ما راج ويروج في عدة فضاءات؛ لكن أفظع اللقطات؛ أن بعضا من عناصر الكتبة؛ يمارسون لغة النميمة؛ ومنطق المناوشات؛ مع بعض الجهات لكي لا يتم النشر؛ وفعلا استجاب لهم البعض لأسباب تكشف عن السلوك اللاثقافي؛ في النسيج الثقافي؛ ومن هاته الزاوية نكشف ما لمسناه أو ما بلغنا؛ وليست لنا نية الخصام أو الصراعات الجوفاء؛ التي تعج بها الساحة؛ ونسوق مثالا هاهنا: الأستاذ نجيب طلال شكرا للكتابة إلى "قاب قوسين "الثقافية.بما يتعلق بالحلقات حول اتحاد الكتاب، نكتفي بما تم نشره حتى الآن. مع التحية (1) يمكن لهاته المراسلة، أن تقرأ من عدة زوايا، ولكن ما لا يمكن أن يقرأ بعض المواقع التابعة شكلا أو جوهرا لشرذمة من بعض الأحزاب التي تسعى لحجب الحقائق وتعتيم المعطيات الكاشفة عن ممارسات لا ثقافية ولا سياسية؛ مما تقوم بعملية رفض النشر؟ ولم تكلف نفسها حتى تقديم اعتذار من باب الأخلاقيات الثقافية؟ وتلك عادتهم أيام النشر الصحفي ! لأن تفكير أسيادهم لازال تفكيرا ستا لينيا؛ ولقد غيبوا من أذهانهم أننا نعيش زمن الانفتاح والإبحار المطلق؛ والأنكى في الموضوع؛ بعض ممن يتمسحون في الصنم؛ طلبوا منا المقالات لتوسيع دائرة النشر؛ ولمناقشتها في الفروع ! لكن ما تم ذلك . فهل أرسلوها لجهات معينة؛ أم للمقايضة؟ الأمر مضحك؛ لأن المقالات منشورة في عدة مواقع ثقافية وأدبية؛ مما اضطرننا لاستفسارهم كموقع/ المظلة/ أسفي 24/ تغسالين/جماليا/ أورياآرت/ كيكا/ الشرقية 24/.../ ولكن من مظاهر سلبية الفكر العربي؛ لا يبالي بأخلاقية التراسل؛ ومحاولة الرد على كل ما يتلاقاه انطلاقا من اضطراب الشخصية؛ مما بادرنا كالعادة على رد اللامبالاة كالتالي:

تحية طبية؛

من باب الأصول الثقافية؛ والأخلاق التي انعدمت ومنعدمة في قاموس الكتبة والمواقع المستبصرة؛ وبحكم نزعة الفوبيا والسيكوباتية التي يصاب بها العديد ممن يتوهمون أنهم ( مثقفين)! لم تستطيعون الرد على مراسلتنا؛ ولقد أرسلت المقالات لكم؛ بناء على طلبكم . وتعلمون أنني لست وصوليا ولا انتهازيا؛ ولست خائفا من أي مواجهة أورد؛وبصفتي ومنذ السبعينات وأنا أنشط في مجالي؛ والعديد منكم لا زال تلميذا؛ فمن الطبيعي ان الأصول الثقافية تفرض النفاق التراسلي؛ وحتى هذا لم يتم، لأن عدم الرد في بعده الأعم : ضعف سيكولوجي وفكري (2 )

وعليه فالعديد من الملفات والقضايا والأحداث التي أمست تثار وتخرج من قمم النسيان ومن أرشيف اصحاب الحدث؛ لتكشف عن خفايا وخبايا؛ من الصعب مقاومتها أو تفنيدها؛ ولكن بعض المتوهمين؛ يحاولون محاربة أصحابها؛ بشتى الطرق وهذا الوضع ليس في واقع الأمر سوى ملمح من ملامح الوضع العام للممارسات البائدة والتي كانت السائدة في شتى المجالات وبالتالي: لا يمكن فَصل الإطار بأي حال من الأحوال؛ عن المشهد العام للسياسة الثقافية وطبيعة توجهاتها الداخلية والخارجية والمهام المنوطة بها، وهذا لا يمكن عزله عن السياق السياسي والاجتماعي؛ لأن كل البنيات مترابطة كشبكة محكمة العقدة؛ وإن تبدو لنا متمفصلة ومتباعدة؛ انطلاقا من قصور الرؤية أوصعوبة التحليل السياسي المعقلن.

لقطة مركزة:

إذا ربطنا ما توقفنا عنده [ أن المرحوم الحبابي هو صاحب الفكرة الأساسية، ولكن التقينا حولها واجتمعنا وبدأنا العمل بعدما انضم إلينا بعض الأصدقاء الآخرين..... ولكن كانت فكرة الدكتور الحبابي رحمه الله، هي أن يكون الاتحاد قريبا من السلطة نظرا لضيق اليد ونظرا لرغبته في أن يضمن له مساعدة من الدولة، وهو ما يعني بالنسبة لنا، جعل الاتحاد مؤسسة لا أقول قريبة من السلطة ولكن ليست بعيدة عنها، وهذه من نقط الخلاف التي كانت بينه وبيننا نحن مجموعة من الكتاب الشباب المتحزبين خاصة الاتحاديين والاستقلاليين (3)

مبدئيا نجد كلاما منثورا على عواهنه؛ بحكم أن صاحبه يتوفر على سلطة الكلام؛ والمجايليين له أو من عاشوا الأحداث؛ يلتزمون الصمت، رغم أنهم على قيد الحياة :لماذا؟ لأن الأغلبية أكلت من صحن واحد؛ ومن طباخ ومطبخ واحد؛ فمن الصعب أن ينفلت ما هو متعارف عليه؛ مما تجدهم ميالين للتعتيم وتمويه الحقائق حتى تنقطع عنك بوصلة الرؤيا؛ لكي لا تخترق عمق ما تنبش فيه؛ ولا تكاد كذلك حتى تنخرط في متاهات تجعلك من أهل الإفك والرياء ! وفي هذا الإطار؛ نؤكد بأننا اتصلنا بالشاعر عبد الكريم الطبال وكذا أحمد بنميمون؛ عبر المسنجر لتحقيق التواصل أولا؛ ومناقشة اللحظات التاريخية التي عاشوها وتعايشوا معها؛ فلم يستجيبا ثم انسحبا من فضاء التفاعل والافتراض؛ وفي نفس السياق مع القاص يوسف أو طه من خلال الفايس بوك؛ ولكن ما إن شعر بأنني أقترب من وضعيته التي كان فيها رئيس فرع مراكش لاتحاد صنم الكتبة؛ شطب على الصداقة وانسحب من الفضاء الأزرق؛ وهنالك معطيات كثيرة جدا في هذا الصدد؛ وفي خضم كُل هذا هناك فراغات وهنات وبياضات ومزايدات؛ لازالت سائدة ولم تجد من يقدم الوجه الآخر؛ لردم الفراغات وإيقاف المزايدات؛ وإن كان البعض يشيرويقرر بأن نتجاوز الماضي؛ وذاك البعض كان مساهما في ترك البياضات ! فهل هذا الماضي غارق في الماضوية؛ حتى يُنسى أو نَتَناساهُ؟

وبناء على السؤال فعقد الستينات من القرن الماضي؛ لازال حاضرا بكل تجلياته؛ لأنه هو الفاعل فينا لحد الآن؛ في البنية المجتمعية، رغم التطور التكنولوجي والتواصلي .

وهذا ما يفسر بأن جملة من المعطيات والحقائق مغيبة ومطمورة في دهاليز أصحابها؛ ولا وجود لتوثيق ولا مراكز للتوثيق في المجال الثقافي والإبداعي؛ فلو لأحد الكتبة الجرأة والشجاعة؛ فليصورذاك الركام من الملفات المبعثرة والممزقة والمتلاشيات في قبْو مركز اتحاد صنم الكتبة؟ بكل بساطة لن يستطيع؛ ومن عدم الاستطاعة؛ فلم يستطع صاحب الكلام؛ والولاية الرئاسية في الاتحاد بعد انقلاب على : إدراج الاختلاف حول قانونية المكتب؛ باعتبار أن بعض عناصره توفيت وبعضها غادره؛ وخاصة الأدباء الجزائريين الذين ساهموا في تأسيسه؛ ليأسسوا اتحادهم: كان ذلك ذات 28 أكتوبر 1963 اجتمع فيه كبارالأدب الجزائري بمكتبة النهضة وانتخبوا دون ضجيج غير ضجيج الثقافة وحفيف الأدب العالي، انتخبوا أول مكتب اتحاد الكتاب الجزائريين وقد كان متكونا من مولود معمري رئيسا وجان سيناك أمينا عاما وقدور محمصاجي مساعدا للأمين العام ومراد بوربون وأحمد صفطة والجنيدي خليفة ومفدي زكرياء؛وغيرهم أعضاء.اجتمعوا ليؤسسوا جزائر الأدب والأدباء ولم يكونوا على خط واحد لكنهم كانوا جميعا في صالح دعم حزب المبدعين والإبداع ( 4) ورغم ذلك ظل إطار[ اتحاد كتاب المغرب العربي] كما هٌو؛ ولم يقع جمع استثنائي لترميمه؛ لتصبح له الشرعية؛ بل ظل بثلاثة عناصرأوأربع فقط؛ وهذا يحيلنا على عدم وجود ولََوْ لوَثيقة/ وثائق منشورة حول المكاتب / المكتب التنفيذي؛ ليتبين للأجيال الأسماء التي كانت وحملت مشعل الأدب والثقافة بالمغرب؛ وإن كان: المغرب لم يؤسس قط منظمة ثقافية تجمع تحت أجنحتها مختلف التيارات الثقافية، و لم يتمكن في تاريخه الطويل من دفع كتابه و مفكريه و مثقفيه للعمل جنبا إلى جنب، و وفق متطلبات الروح الجماعية.. صحيح أن المشهد الثقافي المغربي عرف منذ ستينيات القرن الماضي منظمة اسمها " اتحاد كتاب المغرب "، لكنها لم تكن منظمة تنتمي للمجتمع المدني، و لم تكن تمثل سلطة بالمعنى الثقافي، و إنما كانت لونا من العمل السياسي، و إطارا حزبيا للصراع الإيديولوجي، و معارضة - بدون مشروع أو رؤية - للنظام السياسي (5) ففي ظل التقادم والنسيان؛ واختلاط الأوراق والتلاعب بها وممارسة الخنوع والتبعية والانبطاح ليس للسلطة؛ بل لما يسمى القيادات الحزبية ورؤساء الإتحاد لصنم الكتبة مركزيا وفرعيا؛ لم ينتبه الكتبة لهاته الحقيقة؛ ولاسيما أن مسار الفعل السياسي المتداخل بالثقافي؛ والإنتهازي المتفاعل بالمصلحي؛ والمصلحي الراكب على الإصلاحي؛ والإصلاحي راكب على شرعية تاريخه؛ فمن هنا فمنطق الصراع ليس صراعا حول الأفكار والمشاريع؛ بقدرما هو ذاتي ونفسي وأسري حتى بين الأفراد؛ وحينما تختلف الأهداف والغايات بين الأفراد؛ فثمة خلل في شرنقة العلائق الإجتماعية والثقافية؛ لأن الإشكالية الثقافية صرَّح بها العديد من المغاربة؛ بأنه ليست هنالك ثقافة ولا فكر مغربي ! وفي هذا الصدد نسوق مثالين متباعدين من حيث التاريخ والممارسة: ومن عجب أن تعمد الإذاعة الوطنية للأمة ذاتها وعهدنا بالإذاعات الوطنية أن تكون دائما للأمة لا عليها إلى أن تذيع في برامجها شيئا أي شيء من هذا القبيل ... هذا بالنسبة للخارج، فقد حدث، ولا عجب ما دام سيادة مديرها الأستاذ قاسم الزهيري يعتقد في حديثه القيم عن أزمة الأدب في المغرب، المذاع بالعدد الأول من مجال الأديب إن المغرب «بلاد الأعاجيب» . أما كيف حدث هذا فإليكم البيان : في مساء يوم الاثنين 20 أكتوبر 1958 أذاع السيد محمد التازي حديثا عن اتجاهات الأدب العربي بالعدد الثالث من برنامج «مجال الأديب» تطرق فيه إلى الكلام عن الأدب المغربي المعاصر، منكرا أن يوجد بالمغرب أدب، فضلا عن أن توجد اتجاهات لهذا الأدب متسائلا : أين هو الأدب؟ هل منه هذه البحوث التي نمسخ من الكتب مسخا، وتنشر في المغرب على أنها أدب مغربي؟ أمنه هذه المواعظ الدينية ...ووصف جميع أدباء المغرب ب «الناشئين إلخ (6) فهذا المنقول؛ منقول عما ورد عبر الأثير؛ وللإذاعة في ذاك الوقت قوة حضور وحضوه لا توصف، مما استمع له عدد من المستمعين آنذاك؛ وهذا له تأثيره؛ الذي يعطينا المثال الثاني من قلب معمعان الفعل الأدبي والثقافي :: وعلى خلاف المتشددين فى مقاييسهم والقائلين بعدم وجود أدب مغربي حديث؛ فإنني أرى أنه موجود؛ إلا أنه لم يرتق بعد إلى مستوى اللحظة التاريخية التي نعيشها؛ إن أدبنا لم يستطع بعد أن يقيم علاقة مباشرة مع واقعنا الحياتي... وما تزال رؤيا ته وأشكاله محملة بآثار الوساطات المستمدة من أدب وأساليب نبتت في ظروف أخرى واكتملت في مناخ مغاير لمناخنا... ولكن الإشكالية الأساسية هي في بلورة الاتجاه وترسيخ جذوره وجعله مساوقا للحظة التاريخية التي يتشكل جنينها يوما بعد يوم؛ وتتجمع شروطها الموضوعية؛ لتخلف لحظة " الاختلال" وترسم الطريق للجماهير المهضومة الحقوق (7) فالمثالين أولهما أذيع وسمعه العديد من المستمعين وقتئذ؛ والثاني مدون ورقيا واطلعت عليه النخبة القارئة آنذاك؛ ولا رد فعل يفند ذلك؛ باستثناء ما أشرنا إليه في الإحالة؛ وهذا ليس حكم قيمة؛ ولكن هنالك إثباتات منشورة ومدونة؛ وأبعد من كل هاته الحيثيات؛ هناك ازمة قراءة : في المغرب أزمة مستفحلة خانقة؛ لا تتحدث عنها الصحف؛ ولا تفكر فيها الحكومة؛ ولا يتناولها الناس في أحاديثهم وتعليقاتهم العابرة؛ كأنها غير موجودة أصلا، أو كأننا لا نحس بها ولا نقدر خطورتها؛ ولا نهتم بالآثار البعيدة المدى في السوء التي تنتج عنها وتترتب عليها؛ هذه الأزمة؛ هي ما يمكن لنا أن نسميه '' أزمة القراء'' (8) ففي ظل هذا الوضع؛ هل سيكون الإطار إطارا ديناميا؛ فاعلا ومتفاعلا بمجتمعه أم مجرد صنم؟ بالتأكيد؛ صنم يتبرك بمسوحه وبركاته المنخرطين . وهو كذلك؛ لأن لغة الافتراء تجعله صنما؛ ومنطلقات التجاذب المجاني لتحقيق الهيمنة الذاتية؛ تحوله لواهب البركات وصكوك النجاة والوجود الثقافي . بمعنى : حينما يقول صاحب الكلام؛ بأنه صاحب فكرة تأسيس - اتحاد كتاب المغرب العربي- رفقة ع العزيز الحبابي؛ فهنا استحضار الذات وأناه بكل تلقائية . وكُل القرائن تؤكد لا علاقة له بالموضوع : وكما أشرنا بأن فكرة تأسيس اتحاد كتاب المغاربيين؛ تولدت في إحدى مقاهي فاس بين (الحبابي ومعمري) وللعلم فإن المقصود هاهنا بمقهى (النهضة) تعد الأولى التي أنشئت في وسط المدينة الجديدة؛ والتي هي مفتوحة في وجه المعمرين واليهود والمهاجرين من الجزائر وأعيان المدينة؛ ولا حق للعديد من المغاربة الوصول إليها؛ لكن وجدنا نداء قبل هاته الواقعة؛ من جمعية الأديب في مراكش؛ ولم ينتج عنها ردود ايجابية أو استحباب للفكرة؛ ربما لقوة ومرام نداء التأسيس (9) ونضيف بأن الفكرة طرحت في 1935 من لدن الزعيم ع الخالق اطريس؛ ولكن لطبيعة الوضع السياسي بين الشمال والجنوب المغربي؛ الذي أحدثة الاستعمارين [الإسباني/ الفرنسي] أعاق تحقيق ذلك؛ فمن هنا نجد أثناء التأسيس؛ كانت أغلبية المثقفين من الشمال المغربي؛ وبوادر الانطلاقة من - تطوان- كما أشرنا سلفا . ولكن بعد التأسيس؛ تمظهرت طروحات ما كانت في وثائق التحضير للمؤتمر كالاستقلالية عن الحزبية وعن السلطة الحاكمة والسلطة التنفيذية؛ والالتزام بروح الفكر الثقافي ليس إلا !! ولكن أثناء التوصيات دونت جملة من العبارات؛ التي تحسم في أي صراع؛ ورغم ذلك روجت أفكار بأن فكرة الحبابي رحمه الله، هي أن يكون الاتحاد قريبا من السلطة ... بالنسبة لنا قررنا منذ اليوم الأول، أن يكون هناك اتحاد كتاب حر ومستقل، عن السلطة والحكم، ومستقل عن التأييد المادي أو المعنوي لرجال السلطة (10) وهذه من نقط الخلاف التي كانت بينه وبيننا نحن مجموعة من الكتاب الشباب المتحزبين خاصة الاتحاديين والاستقلاليين.

لقطة العمق:

مبدئيا؛ فالحبابي أمسى جزء من السلطة بشكل أو آخر؛ بعدما عين عميدا للكلية؛ وفي نفس الوقت رئيسا للاتحاد؛ ولاسيما أن علاقته بعوالم السياسة كانت ملتبسة؛ بحكم أنه في فترة ما كان محسوبا على حزب الشورى. نظرا أن هذا الحزب يعد طلائعيا من حيث الفكر ومتفتحا في طروحاته؛ وكان يضم نخبة من المتنورين الذين لا يستهان بهم آنذاك؛ فلولا الهجمات الشرسة عليه؛ من لدن حزب الاستقلال؛ لكان له شأن آخر في المشهد الثقافي والسياسي؛ لكن ما تتوفر عليه الخزانة من وثائق حول الصراع؛ وحول توجهاته؛ ما نشره بعض عناصره: في حين يملك المخزن ومن يدور في فلكه؛ من اشخاص ومؤسسات ثقافة موروثة وأثرا مكتوبا، فهو ينتج وثائق رسمية ويدون علاقاته بالرعية؛ من وجهة نظره هو، فيحتكر التوثيق في حين تغيب وجهة نظر العامة في كواليس الذاكرة فيأكلها النسيان والتقادم؛ إذا لم تجد من يهتم بإحيائها (11) ولاسيما أن الوثيقة تعد المصدر الأساس؛ الذي يساعد الباحث والمؤرخ في دعم منجزه ودراسته؛ سواء منها السياسية أو الثقافية؛ وعليها ترتكز الحقائق التي لا تترك مجالا للشك أو المزايدات؛ فمن هاته الزاوية؛ سعينا للنبش والاستقراء؛ من خلال ما تناولته أيدينا؛ تجاه الإتحاد ! لكي نعيد على الأقل ذاكرة من عاش أطوار التأسيس والصراعات التي أنتجتها الظروف السياسية وليست الثقافية؛ لأن مشكلة الصنم تكمن في منطلقاته، والتي تتجلى في تعطيل المعنى الثقافي ودوره الطلائعي بين شرائح المجتمع؛ وذلك نتيجة الصراع .

فهل استطاعت الصراعات؛ بين التقرب من السلطة نظرا لضيق اليد ولرغبته في أن يضمن له مساعدة من الدولة؟ وبين الابتعاد عنها؛ لكي تكون للمثقف سلطته وحضوره؟ أن تحسم التصورين وتتحقق السيولة المالية؛ لكي يسير الاتحاد قدما في أنشطته؟ كلا ! لأن المعارض؛ وهاته اللفظة تحتاج لنقاشات عميقة ومفصلة؛ هل كان - غلاب - فعلا ضد التقرب للسلطة؛ أم مناورة مدفوعة الأجر للهيمنة؛ بناء على الشعار المفعل ضمنيا في دهاليز حزب الاستقلال ومفاده [المغرب لنا؛ ليس لغيرنا] الذي رفعه عرب الأندلس مباشرة بعْد المعاهدة السرية التي أبرموها مع فرنسا والمعروفة اكس ليبان. وفي سنة 1957 طرحها علال الفاسي في خطابه أمام قادة حزب الاستقلال؛ مما كان هناك تصريح ناري من لدن: المحجوبي أحرضان أحد زعماء ومؤسسي الحركة قائلا: « نحن لم نكافح من أجل الاستقلال كي نفقد حريتنا » وذلك في معرض تعليقه على محاولة حزب الاستقلال الانفراد بالساحة السياسية المغربية (12) ومهما كان التأويل أو التحريف للشعار؛ فما هو معروف؛ كان ولازال هناك صراع على السلطة بمختلف مظاهرها؛ وهذا اختيار استراتيجي لحزب الاستقلال كان يهدف من ورائه إقامة الحزب المهين والحزب الوحيد ! مما لم تكن له نزعة ديمقراطية؛ لأنه لم يكن قادرا على استيعاب التعددية، الحزبية والتنظيمية لأن هناك تصريحات ذات ارتباط بخريف العمر؛ تذكي ذلك إما بالترميز أو التصريح [مثلا] وكان الدكتور الحبابي يرى أن الاتحاد يجب أن يضم في صفوفه ممثلي مختلف الحساسيات السياسية، ولكن من دون أن يكون ذيلا لحزب من الأحزاب؛ وفي المؤتمرين الثاني والثالث كان النقاش محتدما حول مفهومي السياسة والتحزب (13) وهاته الأيقونة لكافية عن التعبير. وبالتالي إن كان هنالك صراع حول عدم التعامل أو التقرب للسلطة؛ فالتوصية المتعلقة بالملتمس المالي يشير: قررت اللجنة المالية مشروع ميزانية سنوية للإتحاد لإنشاء مراكز ونواد في مختلف أقطار المغرب العربي؛ وإصدار مجلة؛ وإنشاء مكتبات وغير ذلك من المنجزات الضرورية للإتحاد. ووضعت اللجنة خطة للحصول على اعتمادات هذه الميزانية سواء من الاشتراكات والتبرعات أو المساعدات الحكومية (14) فهاته الأخيرة أليست أعلى سلطة أم هي شبح؟ وإن كان حرف ( أو) يرتبط بالاختيار. فعمليا وبدون سفسطة القول (حرف اضطرار) أي كيف؟: سافر وفد من اتحاد أدباء المغرب العربي مكون من السادة: الدكتور محمد عزيز الحبابي؛ ومولود معمري؛ ومحمد الصباغ ومحمد برادة؛ إلى روما لتمثيل المغرب في مؤتمر أدبي هناك؛ عقد من 14 إلى 21 من أكتوبر؛ حضرته وفود من جميع الأقطار العربية؛ وبعض الأقطار الأوربية؛ وكان موضوع المؤتمر (الثقافة العربية إزاء الحضارة الغربية) (15) وكيف؟: قضى الأستاذ عبد الكريم غلاب عضو اتحاد كتاب المغرب العربي أسبوعا بليبيا كان حافلا بالاتصالات والنشاط الثقافي (سنعطي عنها ملخصا في العدد القادم) (15) هل بمالهم الخاص؟ أستبعد ذلك. أم بميزانية الإتحاد؟ فكم كان عدد المنخرطين آنذاك؟ أم بدعم من الحكومة التي هي أصلا سلطة؟ هذا يحتاج للبحث عن التقرير المالي في ذاك الوقت لكي نقبض على جواب السؤال؛ ولكن ما أراه أساسيا من خلال هذا التصريح أو التوضيح؛ بأنه لاوجود للتقرير المالي أصلا؛ لأن ما تقدم لا يمكن تصديقه؛ وما وراء الصورة يكشف عن أشياء وأشياء؛ تحتاج إلى ترتيب لفهم كيف كانت الحركية جوانية الصنم حينما يقول: المهم أن هذا الاتحاد بوسائله البسيطة وبإمكاناته اللامرئية نشيط دون تدخل الدولة، ولا أحد يمنحه منحة، وكنا طبعا نتطلع إلى بعض المحسنين. وأذكر أني ذهبت أنا وصديقي الدكتور عباس الجراري عند رجل غني مشرف على الموت، وطلبنا منه إعانة للاتحاد، فامتنع بغضب، وخرجنا من عند هذا العجوز الذي ليس له أبناء لكن عنده أموال، غير نادمين، و اعتبرنا ذلك، محاولة لطلب الصدقة لاتحاد كتاب المغرب (16) إذن؛ فهاته الصورة إنها تفند كل الأسئلة؛ وتفرض أسئلة أخرى؛ ألم يكن عباس الجراري بورجوازيا حتى يلتجئ للاستعطاء؟ فإن كان العكس يبقى المجال مشرعا للتقرب للسلطة والتعامل معها؛ لأنها تتشكل من الأحزاب؛ والحزب المهيمن هو الذي كان في السلطة التنفيذية.

 

نجيب طلال

..................

الإحالات

1) رسالة موجهة لبريدي الإلكتروني بتاريخ - 16/09/2015

2) رسائل إلكترونية وجهتها في - 21/ 10/2015

3) ع الكريم غلاب: أتحسر على «كسكس الأربعاء» الشرق الأوسط عدد 9586 في25 فبراير 2005

4) عن اتحاد كتاب الجزائر- الحلقة الرابعة من "الكتاب الأبيض للثقافة في الجزائر ركن أقواس - في جريدة الشروق - بتاريخ 25/ 03/ 2009

5) اتحاد كتاب المغرب أوالمؤسسة الوهمية : ليونس إمغران - طنجة الأدبية بتاريخ 17/ 04/ 2012

6) في النقد الأدبي - مجال الأديب لعبد الواحد بناني مجلة دعوة الحق ص 69 ع3 /س 2 /1958

7) الأدب المغربي واللحظة التاريخية لمحمد برادة مجلة آفاق - ص-7- ع 1/ يناير 1969

8) بيني وبينك - افتتاحية - مجلة دعوة الحق ع 12/ س2 /1958

9) انظرعتمة الرؤيا لصنم الكتبة 02 من هذا المنجز

10) على هامش انعقاد مؤتمر اتحاد المغرب عبد الكريم غلاب ل»الاتحاد الاشتراكي

بتاريخ - 24 / 03 / 2012

11) المخزن في الذاكرة الشعبية بقلم صالح شكاك مجلة وجهة نظر ص 31ع 38 /

2008 س 11

12) الملكية والنخبة السياسية، جون واترابوري ص 218-219 ط1/1982 دار

الوحدة الطباعة بيروت- لبنان

13) اتحاد كتاب المغرب .. السياسة والثقافة - لمحمد العربي المساري للشرق الاوسط / عدد 9586 بتاريخ :25 / فبراير/ 2005

14) انظر مجلة دعوة الحق ص 84 ع 9و10 س4/ يونيو / يوليوز-1961

15) انظر مجلة آفاق - نشاط اتحاد كتاب المغرب العربي - ص142 - عدد4 / 1963

16) على هامش انعقاد مؤتمر اتحاد المغرب عبد الكريم غلاب ل»الاتحاد الاشتراكي

بتاريخ - 24 / 03 / 2012

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم