صحيفة المثقف

تاريخ ظهور وتطور الحركة النقابية في الجزائر

eljya aysh"رغم ظهور التعددية النقابية غير أن الطبقة العاملة في الجزائر ما تزال تجهل حقوقها من واجباتها بعدما  تحولت بعض المؤسسات  ذات الطابع النقابي إلى سوق للمضاربات السياسية والنزاعات الحزبية، وتتدخل في مجالات أخرى لا تقل أهمية عن وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية للعامل، في حين لم تعمل هذه النقابات على تثقيف العامل وتكوينه نقابيا، ودون أن تجري محاولات لإعطاء التثقيف النقابي دوره الاقتصادي والسياسي"، فلو سألنا أيّ عامل عن الثقافة النقابية نجده لا يملك إجابة عن هذا الإشكال..، لأن غياب الفكر النقابي قلّص من تطور الثقافة النقابية، دون الوصول إلى مستوى الارتقاء النقابي

تضاربت الأفكار والآراء حول مفهوم الثقافة النقابية، فمنهم من أرجعها إلى الثقافة العامة ومنهم من أطلق عليها اسم الثقافة العمالية، وقد كان من اللازم من توضيح الرؤى والمفاهيم من أجل إلقاء نظرة نقابية حول دور "الإطار النقابي" في عملية التثقيف النقابي وأبعاد الثقافة النقابية في "التكوين النقابي" للعمال وذلك في ظل التعددية النقابية.."، وبالعودة إلى تاريخ ظهور الحركة النقابية في الجزائر، فإن نقابة عمال "المطابع" كانت أول نقابة جزائرية تظهر إلى الوجود، كان ذلك في عام 1880 في مدينة قسنطينة، وبظهورها باشرت السلطات الاستعمارية إلى إصدار قانون سنة 1884م، يمنع الجزائريين من حق التنظيم النقابي، وفي خلال أربع سنوات استطاعت هذه النقابة أن تمد نشاطها، حيث كان أول إضراب لها عام 1884 استمر أكثر من خمسة عشر يوما، وقد كانت هذه النقابة الدافع القوي والمحرك الأول لنشوء النقابات، إذ في سنة 1886 تشكلت نقابة الطباخين، وفي 1889 تأسست نقابة الحلاقين ، ثم نقابة النجارين في عام 1891م ،إلى أن تأسست نقابة الخبازين في 1892..، وكانت هذه النقابات لها فروع فرنسية، وقد عمل الاستعمار على إدماج الجزائريين في هذه النقابات لا من أجل تنظيمهم نقابيا، بل من أجل كسر الإضرابات التي تنظمها النقابات الجزائرية في الجزائر خاصة في السنوات ما بين 1906 و1907 .

كما كان نجم شمال أفريقيا من أول الأحزاب التي تأسست في سنة 1926، وقد ضم هذا النجم العمال الجزائريين المهاجرين، ثم ظهرت حركة الانتصار والحريات الديمقراطية في عام 1947م ، حيث بادرت هذه الحركة إلى تكوين لجنة عمالية تحت رئاسة "عيسات إيدير" وذلك من أجل تكوين نقابة وطنية حرة، غير أنها عرفت الكثير من العراقيل، خاصة بعد تشكيل مركزية نقابية خاصة بالعمال الجزائريين نابعة من السياسة الفرنسية، وذلك في سنة 1954 وقد عرفت هذه المركزية النقابية تحت اسم "الإتحاد العام للنقابات الجزائرية" المنعقدة في الفترة ما بين 24 و27 جوان 1954م شارك فيها أكثر من 236 نقابي جزائري..، بعد اندلاع الثورة التحريرية بسنتين أسّس مجموعة من النقابيين منظمة نقابية جزائرية هي "الإتحاد العام للعمال الجزائريين" (الإ ع ع ج) يترأسها عيسات إيدير وذلك في 24 فيفري 1956 بمبادرة من "جبهة التحرير الوطني" وهو يعتبر حلقة متصلة بين الحركة الوطنية والحركة النقابية وأصبح له تشكيلات وفروع، كان "الإ ع ع ج" يضم آنذاك أكثر من 11 ألف منخرط..وقد تعرض الأمين العام عيسات إيدير إلى الملاحقة من قبل قوات الاحتلال الفرنسي، إلا أن ذلك لم يثنيه عن كفاحه المتواصل لصالح الطبقة العاملة الجزائرية..

جريدة العامل الجزائري لسان حال اتحاد نقابات العمال الجزائريين

بعدما بدأ الإتحاد العام للعمال الجزائريين يعرف أوج ازدهاره تحت راية جبهة التحرير الوطني ظهرت نقابة ثالثة منافسة له وهي "اتحاد نقابات العمال الجزائريين" التي شكلها مصالي الحاج وكان رئيسها "محمد رمضاني" الذي كان يدعي أنه الممثل الوحيد والشرعي للعمال الجزائريين، غير أنها حُوِّلت إلى فرنسا، وقد نتج عن أول إضراب للإتحاد العام للعمال الجزائريين اعتقال 150 نقابي جزائري في 24 ماي 1956 وإصابة 17 نقابي إثر فتيلة وضعها المستعمر في 30 جوان 1956 بمقر الإتحاد، ورغم صدور "جريدة العامل الجزائري" التي كانت اللسان المركزي للإتحاد، غير أن الإتحاد كان بعيدا عن المناقشات السياسية لجبهة التحرير الوطني ولم يشارك أي مسؤول نقابي في الحكومة المؤقتة ولا في مجلس الثورة، ماعدا الوساطة في حل بعض الخلافات الداخلية للجبهة آنذاك..

لقد كان التنظيم النقابي يسير في إطار التسيير الاشتراكي للمؤسسات، وخلال الحرب الأهلية والتي سميت بالسنوات الحمراء، فقدت الحركة النقابية الجزائرية أمينها العام عبد الحق بن حمودة الذي اغتيل من طرف أيادي الإرهاب في 28 جانفي 1977، وتولى قيادة الإتحاد بعده الأمين العام الحالي عبد المجيد سيدي السعيد الذي ما زال يشغل المنصب إلى يومنا هذا، ولا يختلف اثنان أن  الخوصصة ساهمت  في تغييب الفكر النقابي لممثلي القطاعات النقابية التي ما تزال بعضها تفتقر إلى "الثقافة النقابية" التي تعمل على تجسيد أهداف الحركة النقابية والدفاع عن المكتسبات الثورية للجماهير العمالية وتحقيق آمالها وطموحاتها من أجل حياة أفضل، ودون أن تبني في ذلك أفكارا تعمل على خدمتها بطريقة أو بأخرى، في إطار ترسيخ التقاليد الديمقراطية النقابية وجعلها قاعدة أساسية لخلق منظمة نقابية قوية وقادرة على تجنيد كافة العمال في معركة البناء الوطني، ولا تتحقق هذه القاعدة إلا بوجود ثقافة نقابية تُحدّد توجهات ومستقبل الحركة النقابية بالجزائر..، وهكذا كانت اليد الرأسمالية العائق الوحيد في تفكيك النضال العمالي وحجزته في حدود مطلبية اقتصادية لا يمكن تخطيها، حيث استقل كل قطاع بنقابته في إطار التعددية النقابية، فقد لعب التحول الرأسمالي وخصخصة المؤسسات دورهما في تهميش حقوق العامل أمام حرية السوق وتغلب الطلب على العرض، حيث أصبح العامل لا يعوض عن ثمار جهده، لأن سياسة الأجور مدروسة من طرف ربّ العمل..

وفي ظل التعددية  صدرت قوانين أخرى بداية من قانون90/14  الذي قرر كيفية ممارسة الحق النقابي، ثم قانون 90/11 الذي حدد علاقة العمل،  كما  شهدت الساحة النقابية ميلاد نقابة مستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية " السناباب" snapap  والتي انبثقت عنها فروع نقابية أخرى، نقابة التربية وغير ذلك،  كما انت لها مواقف جريئة أمام الحكومة، واستطاعت أن تغير  الكثير وتحقق ما عجزت بعض النقابات تحقيقه، إلى حين ظهور القانون الجديد للعمل الذي من المنتظر المصادقة عليه  من طرف الحكومة، وكانت نقابة "السناباب" قد شرحت مؤخرا هذا القانون ، والذي بموجبه  القضاء على أشكال العنف التي يتعرض لها العامل داخل المؤسسة، وضمان حقوقه وحمايته، من كل أشكال الإعتداءات ، وبخاصة التحرش الجنسي، وهكذا شهد الفعل النقابي تحركات حثيثة، إلا أنه لم يستقل له خطا نقابيا موحدا، فقد خرجت للوجود جمعيات نقابية متعددة عرفت بالتعددية النقابية مع بداية التسعينات، وسارت هذه الأخيرة على خطى التعددية الحزبية، غير أن هذه الجمعيات النقابية لم تخرج عن طابعها المألوف وهو معالجة المشاكل المهنية والاجتماعية والتنظيمية التي يعيشها العمال، هذه المشاكل ترجع في غالب الأحيان إلى عدم احترام قوانين العمل والحقوق النقابية من طرف أرباب العمل، لاسيما بعدما أصبح القطاع العام في انحطاط مستمر وهو بصدد وضع خطوته الأخيرة للزوال.

وكما هو معروف هذه القوانين جاءت في ظل التحولات الاقتصادية التي عرفتها الجزائر والمرتبطة ببعض العقود الدولية مثل الصندوق الدولي للإتحاد الأوروبي وهي تلخص في كلمة واحدة هي" العولمة"، وهو ما يستدعي معرفة التأثيرات الإيجابية والسلبية لاسيما والاقتصاد الجزائري لم يكن موجها بأسلوب علمي عقلاني، وما دامت الجزائر مرتبطة بالإطار الدولي لابد من الاستفادة من خبرات التنظيمات النقابية الدولية ومن بينها "فريدريش إيبار الألمانية"..، خاصة بعد قيام الجزائر في السنوات الأخيرة بإبرام اتفاقيات مع هذه المؤسسة لتدعيمها عدة ملتقيات وطنية، إضافة إلى المركز الدولي للتضامن الأمريكي والإتحاد الأوروبي والكنفدرالية العامة للشغل بفرنسا، كون هذه التنظيمات النقابية لها باع طويل في العمل النقابي في إطار العولمة خاصة وهي معنية بالاستثمار في الجزائر، وهنا يدخل دور المجتمع المدني في التثقيف النقابي..

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم