صحيفة المثقف

أوركسترا: نوروز والاعياد السومرية

1219 khalil1هناك جذور لعيد نوروز في الأعياد السومرية التي كانوا يحتفلون بها، فعندما نسوح في الأعياد السومرية نستنتج ان أعيادهم كانت ترتبط بالربيع ويشتركون في الاحتفال بالفترة الزمنية نفسها التي هي 21 من شهر آذار من كل عام، ومن أجل تسليط الضوء على الرابط الموجود بينهما سنذكر الاعياد السومرية لتسهل علينا المقارنة والإستنتاج. ومن أهم الاعياد السومرية هوعيد إش إش: العيد الاسبوعي المرتبط بالقمر، ومراحل القمر الأربع (الظهور، التعاظم، التناقص، والغياب) ثم الظهور الثاني للقمر بعد ثلاث ليال من الديجور قد أدت دوراً كبيراً في صوغ المفاهيم الدائرية . كان السومريون يسمون كل مرحلة باسم ويضعون سبعة ايام لكل مرحلة يكون اليوم السابع هو يوم (إش إش) أي الاحتفال بانجاز مرحلة من مراحل القمر، وهذا بالضبط مصدر فكرة عطلة نهاية الاسبوع ومنها جاءت كلمة السبت وأصلها سبيتو بالبابلية اي (السبعة) ففي يوم السبت كان الناس يرتاحون من العمل ويحتفلون بنهاية مرحلة جديدة من مراحل القمر . وينسحب هذا المنظور القمري على العمق الانساني حيث كانوا يرون موت أو سبات الانسان مثل موت البشرية الدوري، كضرورة موت القمر أيام المحاق الثلاثة التي تسبق عودة ولادة القمر، يعني هذا ان الموت تهيئة لاعادة الولادة.

1219 khalil2

ومن الناحية الميثولوجية كان السومريون يعتقدون ان المحاق كان يعني هجوم الارواح الشريرة والشياطين على القمر واقتياده الى العالم الاسفل وغيابها ثلاثة أيام هناك . وكانت أعياد إش إش مشفوعة بالقرابين والأضاحي .وعيد زاموء : من الاعياد المؤقتة عند السومريين الذي يمثل عيد رأس السنة، يحتفلون به مرتين الاول في الاعتدال الربيعي (عيد زاموء الاول) وهو عيد الحصاد والخضرة وكانت تقام فيه أعراس الإله دموزي وإنانا وطقوس الزواج المقدس ويصادف تحديداً 21 آذار من كل سنة وهي بداية السنة السومرية . أما العيد الثاني (عيد زاموء الثاني) كان يجري في الاعتدال الخريفي عيد البذار والصفرة وكانت تقام فيه طقوس الحزن الجماعي على موت دموزي وذهابه الى العالم الاسفل ويصادف 21 أيلول من كل سنة وهو منتصف السنة السومرية . وفي عصر سلالة اور الثالثة اطلق السومريون  والاكديون على عيد زاموء الثاني اسم أكيتو، ومع إختفاء السومريين السياسي اضمحل تدريجياً عيد زمواء الثاني . وأصبح  هناك عيد دوري واحد هو عيد الأكيتو يحتفل به السومريون في 21 آذار من كل سنة وهو بداية التقويم السنوي عندهم، أما الاكديون  ومن ثمّ البابليون والآشوريون فكانوا يحتفلون بعيد الأكيتو بداية شهر نيسان حيث بداية التقويم السنوي عند الساميين عموماً . 3- عيد الأكيتو : كلمة أكيتو تعني (اسم أحد الأعياد العراقية المهمة وكذلك المكان الذي تقام فيه احتفالات هذا العيد) . تبدأ حكاية أعياد الربيع في أرض الرافدين منذ أزمنة بعيدة يقول بعض العلماء والمؤرخين أنها تقع بين (الألف الرابع والخامس ق . م)، وبعض المصادر تقول أن السومريين والساميين إحتفلوا به منذ عصر (أريدو -5300 ق. م) وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين وباسم (زاكموك Zag-mug).

1219 khalil3وكان يُحتفل به مرتين في العام الواحد، في الربيع والخريف.أما الساميون الذين سكنوا العراق القديم قبل وأثناء وبعد السومريين فقد إختاروا له تسمية (أكيتو) وتعني: (الحياة) والمشتقة من تسمية أقدم هي:( a-ki-ti-se-gur-ku ) .كلمة أكيتو كانت تسمى أو تُلفظ عند بعض الساميين (حِجتو) وذلك في اللغة الأكدية والعربية لاحقاً، أما في اللغة السريانية الآرامية فما تزال كلمة (حج) تعني الإحتفال أو الحفلة. وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمون هذا العيد (ريش شاتم)، ريش تعني: رأس، وشاتم تعني: سنة.وفي لغة (السورث  المحكية لحد اليوم في العراق من قِبَل الكلدان ما نزال نقول: (يش شاتة) رأس السنة، لاحظ تقارب هذه الألفاظ مع العربية!!.كان أكيتو في جذوره القديمة الأولى عيداً شعبياً لجز صوف الماشية والأغنام، وكان يُحتَفَل به بين شهري آذار ونيسان، ويُمثل رأس السنة الجديدة (الإعتدال الربيعي)، ثم أصبح من المتعارف عليه الإحتفال بهِ في اليوم الأول من شهر نيسان كل عام في إقليميَ الوسط والجنوب من بلاد النهرين، بينما لا توجد دلائل على معرفة هذا العيد في الأقليم الشمالي (آشور) قبل سنة (1200 ق . م)، وذلك حين قام الملك الآشوري (تيكولتي نينورتا الأول 1214 – 1208 ق . م) بعد غزوه وتدميره لمدينة بابل بسرقة تمثال الإله مردوخ ونقلهِ ضمن غنائم الحرب إلى بلاد آشور في شمال العراق، مما حفز الشعب الآشوري على الإحتفال بهذا العيد لأول مرة إقتداءً وتقليداً لإحتفالات البابليين به. في مطلع (الألف الثاني ق . م) (1894 – 1595 ق . م) زمن السلالة العمورية البابلية الأولى (سلالة الملك والمُشَرِع حمورابي الذي كان سادس ملوكها) تم إلغاء الإحتفال بعيد (زاكموك)، وإقتصرت الإحتفالات على عيد الأكيتو فقط.وهكذا راح البابليون يحتفلون بعيد الأكيتو في اليوم الأول من شهر نيسان (نيسانو) والذي يعني: العلامة، وفي العربية (نيشان) لأنها العلامة أو النيشان على حلول فصل الربيع والإعلان عن ولادة الحياة ورمزاً للخصب وحَبَل الأرض بكل ما هو أخضر.. وهو لون الحياة. كان الإحتفال بهذا العيد يستمر لمدة (11) يوماً متواصلة، وقد يسأل القارئ عن: لماذا الرقم (11) في عدد أيام الإحتفال هذا!، والجواب مشروح بدقة في مقال للكاتب والمؤرخ المعاصر السيد (حبيب حنونا) التي كانت تصدر في مشيغان لأكثر من (35) سنة، العدد 33 لسنة 1998 حيث يقول الكاتب (بإختصار وتصرف): [لاحَظَ الإنسان في بادئ الأمر أن دورات الطقس والمناخ تتكرر وتُعيد نفسها كل إثني عشر دورة من دورات القمر تقريباً، فسمى تلك الفترة (سنة . سنتة . شنتة) إكراماً لإله القمر (سن)، فقسموها إلى أربعة فصول وسموها بمسمياتها:

(الربيع) وهو أول فصول السنة وكرسوه للإله (مردوخ) الإله الحكيم ورب الكون . يليه فصل (الصيف) وكرسوه للإله (ننورتا) إله الرياح الجنوبية ورب القنوات والسدود والري، ثم فصل (الخريف) وكرسوه للإله (نابو) إله الكتابة والحكمة وإبن الإله مردوخ، ثم فصل (الشتاء) وكرسوه للإله (نركال أو نرجال) وهو إله الموت والعالم الأسفل، معتقدين أن الشمس تكون في منازل تلك الآلهة خلال تلك الفصول.أما الأشهر الأثني عشر فكانت أشهراً قمرية يبدأ كل منها مع ميلاد قمر جديد، وإعتبروا الأول من نيسان هو عيد رأس السنة، لكنهم أدركوا بعد فترة زمنية طويلة أن عيد رأس السنة الذي إعتادوا أن يحتفلوا به في الربيع بدأ يتراجع تدريجياً إلى الوراء بحيث أصبح يقع ضمن فصل الشتاء!!، ثم بعد فترة زمنية أخرى أصبح يقع ضمن فصل الخريف!!، وإستنتجوا من كل ذلك أن الطقس والمناخ تتحكم به منازل الشمس في الكون، وإن دورات القمر ليست لها علاقة بذلك، وأن السنة القمرية لا تتطابق مع السنة الشمسية، وأن هناك إختلاف بينهما هو أحد عشر يوماً، ومن أجل أن تتناغم الفصول التي تتحكم بها الشمس مع التقويم القمري، أعادوا صياغة التقويم القمري بإضافة أحد عشر يوماً ما بين نهاية شهر آذار وبداية شهر نيسان، وأصبحوا يحتفلون بتلك الفترة كرأس أو بداية للسنة الجديدة.ثم بعدها أدخلوا شهراً إضافياً بعد كل ثلاثة سنوات قمرية، فإعتبروا السنة الرابعة ذات ثلاثة عشر شهراً، لكي يكون التقويمان الشمسي والقمري متكافئين (ولا يزال اليهود لحد الأن يستعملون مثل هذا التقويم الذي إقتبسوه من البابليين أثناء تواجدهم في الأسر)!.وبعد أن شاع إستعمال التقويم المُعَدَل أخذ سكان (بيث نهرين) يحتفلون بعيد رأس السنة في الأول من نيسان من كل عام ولغاية الحادي عشر منه، وكانت البداية في بابل، ولهذا أطلقوا عليها تسمية (السنة البابلية)، ومن بابل إنتقلت إلى (آشور) ثم شاعت في كل المدن الرئيسية في بلاد الرافدين، لا بل تعدت إلى أقوام وشعوب أخرى في المنطقة في عهودٍ لاحقة، مثل الفرس والأكراد الذين يحتفلون بعيد نوروز في الحادي والعشرين من شهر آذار (وهو الأول من نيسان حسب التقويم البابلي الأول). وفي العراق كانت السنة المالية حتى عهد قريب تبدأ في الأول من نيسان.في الطقوس الدينية البابلية لم يكن أحد يجرؤ على مناداته بإسم (مردوخ) لقداستهِ !، بل كانوا ينادونه (بيل أو بيلي) وهي لفظة أكدية تعني «الرب» أو «السيد» سيدي، وكانوا يُنادون زوجته صربانيتوم (بيليتيا أو بيليثا) أي: سيدتي.

 

...................

المصدر : تاريخ حضارة وادي الرافدين للدكتور احمد سوسه

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم