صحيفة المثقف

لا مستقبل ولا حضارة لشعوب بلا ثقافة

eljya ayshهل يأتي الإصلاح قبل البناء أم العكس؟ سؤال يتجدد طرحه في ظل الحِراك السياسي التي تشهده الساحة العربية، من تغيرات وتحولات على كل الأصعدة والمستويات، وما هو دور المثقف في إدارة الأزمات؟،  كون الطبقة المثقفة تلعب دورا مهما في تحويل الخلافات الدائرة بين الشعوب وحتى المسؤولين في دولة ما إلى نوع من التعاون، للقضاء على كل أشكال الاستعمار (الفكري، الثقافي، السياسي والاقتصادي) الذي كان وما يزال بمثابة السوط الذي يلهب ظهور الدول والدعوة كذلك إلى التخلي عن الأفكار السلبية والعقيمة من أجل  البناء والإنماء

الثقافة والمثقف مرتبطان بالمجتمع كونهما عنصران مهمان في المجتمع، والشعوب بلا ثقافة لا مستقبل لها ولا حضارة، كون هذه الثقافة التي تعبر عن "هُوِيَّة" مجتمع ما ذات صلة بعقيدته والسلوكات الفردية لهذا المجتمع، والمثقف هو ذلك الإنسان الذي يتكون تفكيره من تلك الأفكار تضاف إليها خبرته الناتجة من احتكاك مباشر لواقع ملموس، ولذا عليه أن يكون ملتزما بقضايا أمته،  وهو مطالب بأن يتعرف  على إمكانياتها والطاقة المدخرة فيها، وأن يوازن بين الإمكانيات والاحتياجات حتى لا تستهلك طاقة الجماهير، لكن عليه قبل كل شيء أن يبدأ دوره بالعناية بنفسه وإصلاح ذاته، فكثير من المثقفين مفرطون في حقوق الله، بحيث ترى نصيبهم من العبادة قليل جدا، لأن الاستعمار عندما غزا العالم الإسلامي استعمل أسلوب الهدم وتغييب الدين في المجتمعات الإسلامية، والإسلام اليوم بقدر ما في حاجة إلى أفكار فهو في حاجة إلى قائد، لأفلا يمكن للمثقف أن يكون هو قائد هذه الأمة؟ فما هو دور المثقف تجاه أمته؟ هو السؤال الذي يلح على الطرح، خاصة وأن المؤرخين يجمعون على أن احتلال شمال افريقية كان أزمة ثقافية لا دينية، فالرومان مثلا فرضوا  ثقافتهم على المجتمع الأمازيغي، وظهر ما سمي بالصراع "الدوناتي"، وكان هذا الصراع أكثر دموية ، إذ كانت مسيحية الأمازيغي الأقرب إلى التوحيد،  ما جعل القديس أوغسطين يقف ضد الثقافة الأمازيغية ، وظلت الأوضاع على تلك الحال إلى أن جاء الفتح الإسلامي الذي قرب بين المجتمعات، وتأقلمها مع الوضع الجديد ، بحيث لم تكن هناك صراعات بين الأمازيغ والإسلام.

  فالمثقف اليوم مطالب بتحليل الأسباب التاريخية وبعث الشعوب على الدفاع عن حقوقها وتقرير مصيرها بنفسها وتنظيم حياتها ونشاطها، كما هو مطالب بالوقوف على الآثار التي خلفتها الثورات الشعبية وما هي الأمثلة التي يمكن الاحتذاء بها في تحرير باقي الشعوب من تعنت الحكام ونظامهم الفاسد، الذي وقف ضد التطور، في ظل الشعارات التي تطلقها الأطراف المعارضة لتغذية عقل المواطن العربي والنهوض بالمشاريع البناءة التي ما تزال على الورق، لاسيما وهذه المشاريع تعد جزء من المشاكل التي تعاني منها دول العالم الثالث التي عجزت عن توفير لقمة العيش ولم تضع أي خطوة  محكمة ومدروسة لتنفيذ مشاريعها الحيوية ومسيرتها في الحياة واتجاهها فيها، فإذا اهتزت هذه الصورة لن يكون للأمة شخصية تميزها او سمات تنفرد بها بل تصبح تبعا لغيرها، يقول بعض المفكرين إن مهمة المثقف هي تبصير الأمة وأن يكون له دور  فعال في إدارة الأزمات والوقوف إلى جانب الحق ومقاومة الظلم والباطل ويعالج مشكلات المجتمع، غير أن الواقع يعكس ذلك، لأن الكثير من المثقفين يثيرون الإشكاليات ولا يطرحون الحلول لتلك الإشكاليات، بل يتعصبون لأفكارهم ويرفضون الحوار مع الآخر (المخالف)، ويستعملون معه أساليب الترهيب والتهديد، وقد  يذهبون إلى أبعد من ذلك، قد تصل الأمور حد التكفير أو التهديد بالقتل، إنهم أولئك المتشددين للرأي والذين يمارسون سياسية القمع، ولم ينتهجوا نهج الرسول  الذي درب الصحابة على حرية الرأي والتعبير وحث الناس بحقهم في الدفاع عن وجهات نظرهم، ولهذا يمكن القول أن ممارسة تضليل الناس وتوريطهم فيما يضرهم ليس من حرية التعبير في شيء بل هي إفساد وتغرير، ومن يسمع لهؤلاء سوى الضعيف والجاهل والسفيه والمريض ممن لا يستطيعون تمييز الخبيث من الطيب، لقد عالج مالك بن نبي المشكلة الثقافية والمسخ الثقافي عندما رسم صورة للطفل المتوحش الذي افتقدته أمّه وترعرع مع حيوان بري (غزالة)، وهو يعني بذلك انسلاخ المثقف عن ثقافته في محاولة منه خلق مجتمعا "افتراضيا"، ويمكن الوقوف على ما يحدث من سب وشتم للمسلمين فيما بينهم، وما غذته الطائفية، وصل بهم الأمر إلى حد "التكفير"،  فيما اكتفى البعض بدور المتفرج إزاء ما يحدث وكأنه غير معني لما يجري، في حين لبست فئة أخرى ثوب التشاؤم وأشاعت ثقافة اليأس.

وعادة ما يربط الباحثون إشكالية الثقافة بالمثقف والسلطة، وقد أطلقوا عليهم بمثقفي السلاطين، وهو ما ذهب إليه الدكتور عيساوي من جامعة باتنة ، حيث قسم المثقف إلى درجات فنجد (مثقفو السلاطين والحكام، ومثقفو العامة والجماهير)، وهذه الفئة الأخيرة تشكل المعارضة، أي روح الثورة والتمرد على السلطة،  فيما يوجد صنف آخر من المثقفين وهم  مثقفو الإنتلجانسية، ثم يرسم صورة أخرى للمثقف وهو المثقف النرجسي الذي يؤكد أسبقيته على الآخر)، كما ربط الدكتور عيساوي مشكلة الأمة العربية والإسلامية بالحداثة والعقلانية وما بعد الحداثة، والإصلاح في رأيه يأتي قبل البناء، في حين يقف البعض ضد هذه الفكرة ويرون أن الإصلاح يأتي بعد البناء وهو يعني إعادة البناء، وللبعض رأي آخر فهذا الدكتور محمد بوركاب من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في إحدى الملتقيات الدولية يرى أن الهجرة وراء تغييب المثقف وإبعاده عن البناء والإصلاح، فيقول إن الذين هجروا الأوطان استفاد منهم الغير،  ففي كندا على سبيل المثال 60 بالمائة من الجزائريين يديرون مصنع الطائرات، وقد وقف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في 2007 على هذا المصنع، ورأى كيف تستثمر أوروبا في ما أنتجته المدرسة الجزائرية، فيما انطوى  آخرون على أنفسهم، بسبب الاستبداد ومصادرة الحريات، وكم من العلماء من غُيِّبَ من أجل رأي من الآراء، فضعف الأمة سببه غياب التواصل والحوار مع المثقفين في شكل ندوات، لقاءات ، حوارات، ملتقيات أو مناظرات فكرية ثقافية علمية دينية سياسية، ولهذا تبقى مشكلة هجرة الأدمغة  قائمة إلى الآن.

 

علجية عيش

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم