صحيفة المثقف
مراثي غيلان (2): حربٌ وسيكارةٌ وحكاية
سيق جدي توفيق العبود مع من سيق الى (السفر بر) لمقاومة الإنزال البريطاني في الفاو أثتاء الحرب العظمى . حدثنا وهو يولج طرف سيكارته بتُخْم الياسمين ، يصمتُ آناً على ترقبنا ونحنُ نتملَّى دخان لفافته ليعاود الحكاية . قال:
- كان دخانُ بنادقنا القديمة أكثر تأثيراً علينا من رصاصاتها التي تسقط كالبعرور لا تصيب هدفاً أو تمنع عدواً .
ثم نفثَ نفساً آخرَ من سيكارته على وجوهنا ونحن نتساءلُ (إي جدو ... وبعدين؟)، قال:
- دصبروا شوية، عليش مستعجلين .. تجيكم السالفة
ثم أردفَ ، نظرتُ إلى جاسم الجمون على يميني يصرخ من جرحٍ في جبهته ، وما أن مددتُ يدي اليه حتى أصيبت بطلق من (الأنكَريز) ، صرختُ متألماً وأنا أصيح (وين الطواب؟) فإذا السماء تفتح علينا بقذائف مدفعية الكفار لا تبقي بشراً ولا مذراً على رمال الفاو . لم تدم تلك المعركة أكثر من (جارك) ساعة، هرب بعدها منا من هرب وقتل من قتل ، وما وجدتُ خطايَ قد توقفت عن الجري إلا على باب الدارِ في (جيزاني الإمام) ببعقوبة .
قلتُ:
- جدو ، يعني انهزمتوا؟
- إي جدو ... انهزمنا ، ذولة (الأنكَريز) بلوة مال ألله، عدهم هاي (الفيكرز) ما يوكَف كَـِدَّامها بنيادم . والتُرُك طلع سلاحهم لا بي خير ولا غيرة .
ثم نفث دخان سيكارته بوجوهنا ثانيةً .