صحيفة المثقف

في زياراتِ الأَئمَّةِ قِيَمٌ يَجِبُ أَنّْ نَفهمَها

mohamadjawad sonbaتتكرر الزيارات المليونية لمراقد الائمة المعصومين في العراق، وتُحرك هذه الظاهرة الاجتماعية، جذور عقائدية لا يمكن لمحبي أهل البيت (ع)، التشكيك بمصداقيتها مطلقاً. ليس ذلك جرياً على نمط، تطبيق العادات المتوارثة من السلف الى الخَلَف فحسّب، وإِنّما لدى مدرسة أهل البيت، من الاسانيد العقائدية التي لا يمكن التشكيك بصحتها اطلاقاً، لا بل تتهاوى امام عقائد مدرسة أهل البيت (ع)، كل مقولات التشكيك، وحجج التلفيق والتوهين، التي يقدمها المخالفين لخط مدرسة أهل البيت (ع) في هذا الموضوع.

أردت من هذه المقدمة ان اصل الى نتيجة وسؤال. أمّا النتيجة فهي:

ليس بمقدور أية سلطة منذ استشهاد الإمام علي (ع)، والى قيام الساعة، أَنّْ تُثني عزيمة أَتباع أَهل البيت (ع)، من اقامة شعائر زيارة أَئمَّتهم، حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم. ومن الجدير بالذكر، أَنَّ عدّة حكام من الامويين والعباسيين، قاموا بمحاولات منع اقامة هذه الشعائر. بحيث وصل الأَمر بهم، القيام بقتل عدد من الاشخاص من بين كل مجموعة، تذهب لزيارة مرقد الامام الحسين (ع)، امعاناً في ارهاب الجمهور الشيعي، وثني عزيمته، لكن ذلك لم يحصل، فقدمواً الشيعة انفسهم قرابيناً دون ذلك. وكان ذلك يحصل أثناء حياة عدد من الأئمة المعصومين (ع)، لكن كل تلك الممارسات الارهابية، ذهبت ادارج الرياح، وبقت اقامة تلك الشعائر في ازدياد مستمر. وربما (المهاتما غاندي)، استفاد من تجربة تضحية الشيعة بانفسهم، من أجل تحقيق الهدف. فطبق مبدأ مقاومة عنف الاستعمار البريطاني، باللاعنف (العصيان السلمي).

أما السؤال فهو:

ماذا ينبغي على جمهور الشيعة، أَنّْ يتعلموا من إِحياء شعائر ذكرى أهل البيت (ع)؟.

الاجابة على هذا السؤال بفهم عميق ووعي كامل، تتضمن اجابات متعددة الوجوه، كلّ منها يحمل حالة من التصحيح العقائدي والسلوكي والفكري، لكل من يشارك في احياء هذه الشعائر، على مستوى الفرد والمجتمع. ولكي اختصر الطريق على الجميع أَقول:

1. زيارة أَيّ معصوم من المعصومين (ع)، هي بمثابة تجديد عهد الولاء والوفاء، لمنهج الاسلام الصحيح، الذي ضحى الأَئمَّة المعصومين (ع)، من أجل الحفاظ على صحة مبدئيه الاسلام، وسلامة أُصوله بدون تزييف وتحريف.

2. مبدأ أَخذ العِبرَة من سيرة أهل البيت (ع)، للوصول الى ظاهرة الانسان المؤمن الصالح، الذي يفهم واجباته فيعطيها، ويعرف حقوقه فلا يتجاوز حدودها.

3.  تعليم المجتمع أن الحياة لا يتم فيها العدل والاحسان، إِلّا باصلاح ذات الانسان، وتطوير قابلياته الذهنية لفهم العلاقات الاجتماعية، بصورة صحيحة، واستغلال عامل الوقت للوصول لهذا الغرض. فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع): (ما من يوم يمرُّ على إِبن آدم إِلّا قال له : أَنا يومٌ جديد، وأَنا عليك شهيد، فَقُلّْ فيَّ خيراً، واعمَلّْ خيراً، فإِنَّكَ لَنّْ تَرانِ بَعدُ أَبداً).

هذه الفلسفة الواقعية، لفهم عنصر الزمن واستثماره بشكل ايجابي، هي المفتاح لرؤية الواقع، بصورة ايجابية واضحة، تضع الانسان أَمام مسؤوليته، في كل لحظة تمرُّ عليه، من أجل التفكير بتحقيق العدالة الشاملة، ودفع الأَذى عن الفرد والمجتمع، لا بل حتى البيئة أَيضاً.

لقدّْ أَكدّ الإِمام أَمير المؤمنين (ع) كثيراً، على مفهوم استثمار عامل الزمن، لبناء قيم الخير والصلاح، ونَبذ قيم الشرّ والظلم والرذيلة والعدوان. فقد قال عليه السلام:

(مَنّْ استوى يوماه فهو مَغبون، ومَنّْ كان آخر يوميّْه شراً فهو مَلعون، ومَنّْ لمّْ يكُنّْ على الزيادة، فهو في النُّقصان، ومَنَّ كان في النُّقصان فالموتُ خيّْرٌ له، ومَنّْ اشتاق إِلى الجنَّة سارَعَ إِلى الخيرات).

4. تعليم الفرد والمجتمع، أَنَّ الولاء والوفاء وحبّ أهل البيت (ع)، يستوجب عليهم، تطبيق المنهج القرآني الذي أراد الله سبحانه، تطبيقه على يد نبينا محمد (ص) وأَهل بيته (ع). هذا المنهج هدفه الرئيس بناء الانسان الصالح والمجتمع المتكافل، والوصول الى حالة الحياة المتكاملة في كل حلقاتها المتنوعة، التي تخدم البشريّة جمعاء. فقد ورد عن الامام الصادق (ع) قوله لشيعته: (كونوا زيناً لنا، ولا تكونوا شيناً علينا).

الخاتمة:

اننا نرى في كل مناسبة من هذه المناسبات، اشتراك الملايين من ابناء الشعب العراقي فيها، وينبغي عن تنعكس آثار تلك المناسبات، على غالبية مجتمعنا العراقي، حتى نلمس بواقعية، أَنَّ آفاق الخير تتوسع عاماً بعد عام، (على أَساس تراكم التغيير الايجابي مع تقادم الزمن). لكن مع الأَسف الشديد، أَنَّنا نلاحظ بكل جلاء، أَنَّ المجتمع العراقي سلوكه يخالف ممارساته الروحية.

فالسلبيات اصبحت بمستوى الظواهر، حيث تعدَّت مستوى الحالات، فانتشار الفساد، والتلاعب بالمال العام، وعدم احترام الآخر، وعدم تقدير الجار، والاستقواء بقوة العشيرة لكسر إرادة القانون العام، وتفشي الغش في التعاملات المختلفة، والتزوير وقول الزور، وانتشار تعاطي المخدرات .. وقائمة الممارسات الشاذة والخاطئة، المخالفة للشرع والقانون، تطول إذا ما استمريت في اسقصائها.

إِذن بشكل عام نَخلُص الى نتيجة واحدة فقط هي:

اننا نُقلّد ممارسة الشعائر بدون وعي ناضج، وفهم عميق لمضمونها العقائدي والتربوي. فحوَّلناها الى ممارسات فارغة جامدة، اقرب ما تكون الى الروتينية منها الى العقائدية. اذن مسيرتنا غير مطابقة بنسبة وأخرى، مع تطلعات مدرسة أهل البيت (ع). لذا فالأَمر يتطلب من كلٍّ منّا، مراجعة جادَّة مع الذَّات، لتشخيص سلبياتنا والاعتراف بها، لنصل إِلى حالة محاسبة النفس، وتطويعها للاذعان للحق، وحينها سنكون صادقين بالوفاء لمنهج أَهل البيت (ع). ومن الله تعالى التوفيق والسداد.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه -  كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم