صحيفة المثقف

حلف شمال الاطلسي والمواقف الامريكية

khadom almosawiلم يسلم حلف شمال الاطلسي/ الناتو من تناقضات الرئيس الامريكي دونالد ترامب. فكما يتبدل في تصريحاته في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية يواصل تقلبه كذلك في الموقف من الحلف. الذي اعتبر عبر تأسيسه عام 1949  اقوى تحالف عسكري إقليمي في العالم للتصدي للبعبع او الشبح الذي كان يجول في القارة الاوروبية خصوصا والعالم عموما وتنعته وسائل الاعلام بالخطر الشيوعي والخشية من نشر نفوذه حيثما تصل مؤثراته ومجساته.

رغم تناقضات التصريحات أعلن البيت الأبيض ( 22/03/2017) أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيشارك في 25 أيار/مايو في أول قمة يعقدها حلف شمال الأطلسي منذ توليه منصبه، في مسعى لطمأنة حلفائه القلقين حول التزام إدارته بالحلف وبشأن تصريحاته حول التقارب مع روسيا.

من جهته، كشف الحلف عن حصول لقاء أمينه العام ينس ستولتنبورغ مع ترامب في واشنطن في 12 نيسان/أبريل الماضي، والتباحث في "أهمية حلف أطلسي قوي". كما سيلتقي المسؤولان في 25 أيار/مايو في قمة الحلف. أكد الخبر البيت الأبيض في بيان مقتضب مشاركة ترامب فيها وإن "الرئيس يتطلع للقاء نظرائه في حلف شمال الأطلسي من أجل التأكيد مجددا على التزامنا إزاء حلف شمال الأطلسي، ومناقشة مسائل حيوية للحلف ولا سيما تقاسم المسؤولية بين الحلفاء ودور الحلف الأطلسي في الحرب على الإرهاب".

لخص الحلف هدفه الأساسي في "الحفاظ على حريات والارث المشترك وحضارات" الدول الأعضاء فيه عن طريق تعزيز "استقرار وسلامة منطقة شمال المحيط الاطلسي." وزعم في استهدافه مواجهة التهديدات، والدفاع عن الاعضاء. حيث اكد ميثاقه، لا سيما في مادته الخامسة، ان تتفق الدول الاعضاء على أن أي هجوم على أي منها يعد هجوما على الجميع وانها ستقف معا لنجدة أي بلد عضو يتعرض لعدوان خارجي.

تاسس الحلف من 12 دولة، هي بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وآيسلندا وايطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال وبريطانيا والولايات المتحدة، وانضمت تركيا واليونان اليه عام 1952 تبعتهما المانيا الغربية عام 1955. وكانت الولايات المتحدة القوة المهيمنة عسكريا على الحلف وقراراته. ولعبت دورا أساسيا فيه ومازالت بالرغم من تناقضات الرئيس الجديد، دونالد ترامب، الذي نعى في تصريحات له الحلف ومهماته، ومن ثم عدل عنها وحاول اعضاء في إدارته تصحيح الموقف واستمرار الخيارات.

كان جل نشاطه وأهدافه تقع في مواجهة الاتحاد السوفييتي عمليا، لذا فان تفكك الاتحاد السوفييتي وحلف وارشو، جناحه العسكري، عام 1991 ابطل اسباب بقاء الحلف، الا انه استمر يستغل دوره الدفاعي وتبرير سياسة استباقية للتصدي للاحداث التي تقع خارج منطقة نفوذه التقليدية، بحجة ان أي حالة فوضى تقع في اوروبا قد تشكل تهديدا للدول الاعضاء. ولذا شكل الحلف اواخر عام 1995 أول قوة دولية - بموجب تخويل من الأمم المتحدة - لتنفيذ بعض الجوانب العسكرية لاتفاق السلام في البوسنة.

شن الحلف عام 1999، حملة قصف جوي استمرت 11 اسبوعا على يوغسلافيا بغرض طرد القوات الصربية من كوسوفو، استخدم فيها القوة المسلحة ضد دولة مستقلة ذات سيادة دون تخويل من الأمم المتحدة لاول مرة. وما زالت قوة الحلف التي أطلق عليها "حفظ السلام" عاملة في كوسوفو، رغم تخفيض عددها عام 2012. كما أقدم الحلف على اتخاذ خطوات بناء علاقات جديدة مع دول حلف وارشو السابقة، وعلى الأخص مع روسيا التي كانت تشعر بالريبة ازاء خططه في التمدد للشرق، ومحاصرتها عمليا. وفي عام 1994 عرض الحلف على الدول الاعضاء في حلف وارشو السابق الدخول في شراكات محدودة ضمن برنامج اطلق عليه اسم "المشاركة من أجل السلام"، يتيح لهذه الدول المشاركة في تمارين عسكرية وعمليات حفظ سلام وتداول المعلومات. ومن ثم قبول بعضها كأعضاء فيه. ولكن العلاقات ساءت مرة أخرى بعد اعلان روسيا اعادة شبه جزيرة القرم لها، وانهاء ضمها لاوكرانيا الذي تم عام 1954، مع توجيه اتهامات اخرى لها. أعادت التفكير بضرورة واهمية الحلف من جديد. كما قدمت اهداف الحلف الى الواجهة امام زعم "خطر " روسيا ومواقفها  السياسية والعسكرية.

احدث غزو العراق واحتلاله أزمة داخله. ورغم ان الحلف لم يشارك بصفته الرسمية في الغزو، الا ان معظم الدول الاعضاء شاركت فيه. كما قام الحلف رسميا بعد ذلك بتدريب قوات الأمن العراقية الجديدة. وواصل الحلف دورا جديدا لنفسه، بحجة مكافحة ما يسميه بالارهاب، كما شكّل قوة للتدخل السريع قوامها 9 آلاف عسكري يمكن ارسالها بسرعة الى اماكن الصراعات حول العالم. وفي عام 2003، نقل الحلف وللمرة الاولى في تاريخه، نشاطاته الى خارج القارة الأوروبية عندما تولى القيادة الاستراتيجية لقوة حفظ السلام في كابول  (العاصمة الأفغانية) وحولها.

اعتمد الحلف في قمة لشبونة (العاصمة البرتغالية) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، "نمطا استراتيجيا" جديدا تعهد بموجبه بخفض الانفاق بالتوازي مع منح اولوية للتصدي للتهديدات الجديدة مثل الهجمات على الشبكات الالكترونية. ونشر منظومة دفاعية ضد الصواريخ تغطي كل اراضي دوله الاوروبية الاعضاء مما يعد تكميلا للخطط الامريكية الخاصة بتشكيل درع صاروخية.

اسهم الحلف او بعض دوله في فرض منطقة حظر طيران في الاجواء الليبية في آذار / مارس 2011  وقصف الجيش في تشرين الأول / اكتوبر من عام 2011. واسقاط النظام. ولما تزل دول الحلف المركزية، باسمه ومنفردة، تقوم بمهام عديدة في المنطقة العربية، واحيانا في مناطق اخرى.

 إثر لقاء مع وزير الحرب الأمريكي جيمس ماتيس في البنتاغون شدد ستولتنبورغ على أن الحلف يخدم أيضا مصالح الولايات المتحدة، وليس فقط الاتحاد الأوروبي. مؤكدا ان "حلف أطلسي قوي مفيد أيضا للولايات المتحدة، لأن الاستقرار في أوروبا جيد للجميع". وحاول طمأنة الإدارة الأمريكية التي تريد مساهمة أكبر من الدول الأوروبية من خلال الإشارة إلى ضرورة "تقاسم العبء بشكل أكثر تكافؤا".

سبق وافاد وزير الحرب الامريكي في اول لقاء له مع الحلف في اجتماع بروكسل في 2017/2/25  عن دعم الرئيس ترامب "بقوة" للحلف مجددا تمسك ترامب بمطلبه من الدول الأعضاء الإيفاء بالتزاماتهم بخصوص مستويات الإنفاق العسكري.

انتاب الدول الأعضاء في الحلف، خصوصا تلك القريبة من الحدود الروسية، القلق من تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية بأن الولايات المتحدة لن تدافع عن حلفائها الذين لا يساهمون بالتزاماتهم تجاه الحلف؛ كما أثارها قوله عن الحلف بأن "الزمن قد تجاوزه" إضافة إلى موقفه اللين تجاه روسيا، حينها. إلا أن ماتيس حرص على طمأنة نظرائه في الحلف قائلا إن "الحلف لا يزال يشكل ركيزة أساسية للولايات المتحدة وللجميع على جانبي الاطلسي، من خلال الروابط التي تجمعنا".

تناقضات ترامب والحلف ومسؤوليه تكشف عن أزمات متفاعلة داخله وفي السياسات الغامضة والعلاقات العامة وتبرهن على تحولات ربما تكون خطيرة على صعد مختلفة، من بينها ما يظهر على السطح من تلك التناقضات، والممارسات العدوانية.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم