صحيفة المثقف

اسكندنافية في الرقة

mohamad sayfalmoftiاستوقفتني بعض المقالات والتحقيقات التي تناولت حياة النساء الاجنبيات الواتي سافرن الى أرض الخلافة. كيف عاشت النساء الاجنبيات في الرقة، عين من الداخل؟ أنقل لكم بعض ما قرأته في النرويج وخصوصا في الجريدة الرسمية آفتن بوستن.

قبل حوالي ثلاثة سنوات وقفت راوث يوهانسن وقد التصق ابنها ذو الاعوام الثلاثة بها، تنظر من شباك غرفتها في مستشفى قذر ومتهالك، تتأمل طائرا يقف على غصن شجرة أمامها، طيران الطائر وحسرتها أعادتها الى الواقع " الرقة".

ابنة النرويج جاءت الى الرقة بصحبة اطفالها الخمسة وزوجها السوري،  التفتت ونظرت الى ابنتها الملقاة على السريرو تفحصت جدائلها السوداء، كانت شاحبة شحوب الموت، بسبب الجفاف وسوء التغذية والاسهال المستمر، وشعرت ان ابنتها لن تحتفل بعيد ميلادها الثاني، والقت نظرة سريعة لعل الطائر قد عاد الى السطح.

مضى على اقامتها في الرقة عدة أسابيع وتسكن في بيت يحيطه الحراس من كل الجوانب، يغيب زوجها لأيام وأيام في كل مرة عندما تسأل عنه يقول لها رجل أجش الصوت (تدريب على القتال مع الدولة الاسلامية) ويترجم لها بعض النسوة التي يشاركنها السكن. لم تتمكن راوث أن تنسى كيف خدعها زوجها عندما قال لها أنهم في زيارة الى تركيا للقاء أمه التي لم تأت الى تركيا فقرر هو زيارتها  والبنات تجملوا للقاء الجدة وركبوا السيارة وبعد رحلة تصفها بأنها لم تكن طويلة ظهرت أعلام سوداء وعلمت أنها دخلت أرض الدولة الاسلامية في سوريا.

1261 mofti

مضت الايام وأدركت راوث أنها في ورطة حقيقية وأيقنت أنها لن تتمكن من الهرب من الرقة بقدراتها الشخصية، وأخيرا بعدما تمرضت ابنتها سمح لها بمرافقتها الى المستشفى مع ابنها، وبقية الاطفال بقوا في البيت تحت حراسة مشددة ونساء يتحدثن الانجليزية تعرفت عليهن في (الحرملك).

بينما كانت ابنتها تغط في نوم عميق أخذت ابنها الى الشباك ثانية، وحاولت مواساته بمنظر الطائر الذي يمارس طقوس حياته بطريقة اعتيادية، وقطع صفاء اللحظة انفجار شديد.

نادرا ما دخلت إمرأة غربية الى المنطقة وخرجت منها، تقول راوث للمرأة دور جوهري في نظام الدولة الاسلامية، هن المساندات للمجاهدين، وهن كذلك معمل تفريخ الجهاديين الجدد، والدولة الاسلامية حريصة على تدريبهم منذ نعومة اضفارهم على كره الغير وتكفير الغير ووجوب قتل من لا يعترف بهم خليفة الله على الارض.

كان مع راوث امرأتين جاءتا الى سوريا بارادتهن، تصف احداهن وتسمي نفسها صوفيا هذا ليس اسمها الحقيقي، وهي ام وموظفة اجتماعية.

- لو يوجد فعليا شيء أسمه الجحيم، فمن المؤكد يشبه ما تعرضنا له في الرقة. وحشية الدولة الاسلامية عصية على الفهم. كنت خائفة حد الموت من أن يأخذوا مني ابني الوحيد، أو أن أضطر للهرب من سوريا بدون أن اصحبه معي.

قالت عشت تجربة قاسية بعد أن رحلت أمي، وكنت أعمل في مركز للحالات الصعبة وهناك تعرفت على ثلاثة شباب أقنعوني بالاسلام فاعتنقته، وبدأت ابحث عن معنى أعمق للحياة وكنت أريد تحقيق القيم الانسانية السامية. رحل الشباب الثلاثة الى سوريا واستمروا بالتواصل معي وشرحوا روعة الحياة والقيم الحقيقية للبشر. حملت حقائبي وأخذت ابني وتركت زوجي الطيب في حيرة من أمره ورحلت الى الدولة الاسلامية بعد أن أقنعوني بمدى الحاجة الكبيرة لممرضة في قسم النسائية في المستشفى,

في شباط 2015 اتخذت صوفيا اخطر قرار في حياتها وأخبرت زوجها وعائلتها أنها ستعمل في دار ايتام في اسطنبول، ورحلت لتحقيق الاهداف السامية في الحياة.

بمجرد وصولها علمت ان البيت غنيمة حرب، ولاحظت سلوكيات المقاتلين الاجانب وكيف يأخذون البضاعة من المحلات بدون دفع اثمانها ولا ينتظرون في الطابور بل يدفعون الناس بلا احترام ليقفوا في بداية الطابور. هذه الملاحظات أدخلت الريبة والشك في نفسها.

تصف صوفيا سلوك زملائها " بعد أيام قلائل بدئوا يتحدثون بطريقة قبيحة عن المواطنين السوريين، يرفضون خروجي من البيت ويتحدثون معي بصفاقة. لحسن الحظ أن ابني صغير وإلا لأجبروني على أخذه للتدريب على القتال.

تصف تجربتها في يوم العمل الأول لها في المستشفى، قالت لزملائها أنا جئت الى هنا لكي أعمل فقرروا اصطحابها الى المستشفى.

- لم اصدق ما شاهدته عيناي في المفرخة، كل العمليات قيصرية، الدماء قد لوثت السجاد والقيء مسكوب في كل مكان، والذباب وحده يتراقص في كل مكان مرتاح لهذه الاجواء. هنا أيقنت أن أصدقائي قد اصبحوا اعدائي، وأنني أسيرة عندهم.

- كم شعرت بالغضب من غبائي، وكيف سمحت لنفسي بجلب ابني معي، وكم كنت أشعر بالغضب على من خدعني ووصف لي المكان بالجنة.

تقول راوث قرررت الدولة الاسلامية نقلنا الى مضافة قيل أنها كانت بيتا لأحد الوزراء، وعندما وصلنا وجدت أن البيت ذو الطوابق الثلاثة قذر للغاية ومليء بالنساء والمسبح فارغ وقد تحول الى وعاء كبير للزبالة. يسرح النمل في ثلاجة الدار بينما الاعلام السوداء ترفرف في كل مكان. كان طعامنا البطاطة والطماطم والبيض ولو كان لدينا نقود لتمكنا من شراء المشروبات الغازية ورقائق البطاطس من مسؤول البيت وزوجته. الحقيقة المهمة بالنسبة لي كانت هي أنني لن أتمكن من الهرب من هذا السكن المراقب على مدار الساعة.

تقول صوفيا كنا ثلاثين امرأة وحوالي عشرين طفلا، في حياتي لم أرى أطفالا بهذا المستوى من العدائية، لعبهم الضرب والرفس والعض.

بالاضافة الى ذلك كان في البيت رقيب هي إمراة فرنسية ضخمة تحمل معها مفاتيح البيت وكلبشات، وتراقب صلاة النساء والواجبات اليومية. 

تصف راوث تلك الايام "بدأ زوجي يغيب عني لأيام وأيام، ولم يكن بإمكاني أن أفعل شيئا أكثر من مراعاة اطفالي اللتي تمرضوا واحدا تلو الآخر، عملي أصبح تنظيف الاسهال ومسح القيء من المرتبة وقلبها على الوجه الآخر".

أصعب ما بالوضع هو الشعور بعدم الامآن على مدار الساعة، وصوت الطائرات القاصفة بين الحين والحين.

عندما سمعت صوت الانفجار أمام شباك غرفة ابنتها في المستشفى،  نظرت الى جهة الدخان وكان باتجاه البيت الذي بقي فيه اولاده، كانت محظوظة ولم يتعرض اطفالها للأذى، لكن الصواريخ اصابت البيت المجاور وحدثها اطفالها لاحقا كيف مات ابن جارهم الصغير.

في ذلك اليوم ركضت الى البيت ساحبة ورائي ابنتي المريضة وابني وانتظرت عودة زوجي، كنت أقول لنفسي في الليل سأنام ان استيقظت استيقظت، وإن لم استيقظ ليكن ذلك. هذه الحادثة كانت نقطة تحول في حياتي وعندما عاد زوجي أعلمته بالأمر وأعتقد انه أدرك مدى جدية الامر بالنسبة لي. فقدم على طلب موافقة سفر من أحد قادة الدولة الاسلامية لخروجي من سوريا، وتقول أنني انسانة محظوظة  رغم كل شئ,، جاءت عائلة معها طفل عمره ثمانية سنوات، لم يكن يرغب بالذهاب الى التدريب في ساحات التندريب العسكرية وكان ملتصقا بأمه كجزء منها، لكنه اختفى في أحد الايام وتركت الأم لحسراتها الحارة التي لم تبرد تبرد يوما.

ومن الامور التي لا تنسى، يطرق الباب الخارجي ويعلن ان  المجاهد فلان قد جاء ليأخذ زوجة فيصاب البيت بالهرج والمرج، فرحين بمأساة انسانة.

تمكنت صوفيا من الاتصال بزوجها وتعاقد زوجها مع مهرب قام بتهريبها الى الحدود التركية مع ابنها على عجلة نارية، وأخيرا وصلت الى باريس لتأخذ حكما بالسجن لمدة اربعة اشهر لسفرها لمنطقة مسيطر عليها من قبل الدولة الاسلامية. صرحت للصحافة بعد اصدار الحكم.

"أكاد أختنق بأسم الدين، أنا لست مسلمة، حياتي الآن أفضل مما كانت قبل سفري وأشكر الله أنني متماسكة الآن أكثر مما كنت عليه سابقا، أما بخصوص اصدقائيفقد فرقهم الموت  اثنان لقوا حتفهم والثالث قد اختفى، رجال الدولة الاسلامية  خطرين يحملون حقا وحبا للثأر، أتمنى أن لا يعود احدهم الى فرنسا"

بعد أن عادت روث الى مدينتها استقبلها فريق طبي لمتابعة حالتها وحالة الاطفال، وتقول أن حياتي بدأت تعود الى مسارها الصحيح، بعض الاسابيع مشرقة وبعض الاسابيع سوداء.

سألها صحفي كيف يمكن للإنسان أن يكون بهذا المستوى من السذاجة؟

رغم كل شيء هو زوجي ولدينا خمسة اطفال، وخلال حياتنا الزوجية لم يؤذ أحدنا يوما، رجل لطيف وطيب وأثق به. لكنني لاحظت قبل سفرنا أنه يكثر من الجلوس أمام الحاسوب لساعات وساعات  ويستمر بالتواصل على الفيسبوك ويكثر من مشاهدة افلام داعش والقاعدة، وبالمناسبة قبل سفرنا طلبت منه أن يقسم على القرآن بأنه لن يخدعني.

" اليوم هو في السجن وأخيرا  ترك أطفالي رسم صور ولا يمكن بأي شكل من الاشكال أن يرسمها طفل نرويجي. ابوهم اليوم في السجن متهم بقضية ارهاب وممنوع من الاتصال بي وبهم".

قضية روث حركت الرأي العام وحركت الحكومة لمتابعة مثل هذه القضايا.. تمت

 

محمد سيف المفتي   

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم