صحيفة المثقف

مشاهد على طريق الهاوية

mohamad sayfalmoftiخلال الفترة العصيبة التي مرت وتمر بها مدينتي الموصل الحدباء، التي حدب القهر ظهرها، عثرت بين اوراقي القديمة بالصدفة، على مقال كنت قد نشرته في صحيفة Aura  النرويجية في عام 2006 وجاء تحت عنوان" مستقبل العراق القاتم"

استندت في قراءتي على تصريحات للقادة الامريكان مثل الجنرال جورج كيسي وقوله أن الاشهر الستة القادمة ستكون حاسمة في تاريخ العراق، من جهة ثانية نوعية الخطاب السياسي بين الخصوم السياسيين في تلك الفترة، وتحذيرات السياسيين الصريحين مثل برهم صالح، بالاضافة الى التقارير العالمية والتقارير الصادرة من المنظمات المحلية.

قال برهم صالح حينها أن التجاذبات السياسية من جهة وانتشار العنف الطائفي من جهة أخرى جعل هذا الصراع هو اللعبة الاكثر شيوعا في الملعب السياسي العراقي.

استنتجت من قرائتي للتقارير المحلية التي كانت تتحدث عن تفاقم العنف الطائفي وانتشاره كظاهرة في المحافظات الجنوبية. أن هذا العنف في حقيقته لم يكن صراعا طائفيا بل صراعا سياسيا على حصة الأسد من المكاسب بين السياسيين أو الاحزاب لمصلحتهم الشخصية أو لمصلحة الدولة الساندة للشخص أو السياسي.

توقعت أن هذه الصراعات لن تتوقف عند حد معين، ولن تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة المواطن، لطالما بدأ السياسيين يستخدمون في صراعاتهم السيطرات الوهمية، واختطافات ممنهجة مع فساد سياسي نخر المؤوسسة السياسية والادارية، بناء على ذلك لا يوجد سقف لهذا العنف. وما حدث بعدها من اعمال ارهابية شاهد على ذلك.

 كتبت حينها (أن معظم المؤوسسات قد تم اختراقها وتوظيفها من قبل الارهابيين، وتم تهريب خيرات البلد الى دول الجوار بمباركة سياسية مثل تهريب النفط ، أو العقود الوهمية).  وما أشبه اليوم بالبارحة، كل ماحدث أنه تم استبدال مسمى الرشوة، اصبح اسم الرشوة اليوم تمويل العملية السياسية، وتمت من جهة شرعنة الحرمنة ومن جهة أخرى تم التشريع لأستخدام العصابات والمنظمات الغير شرعية لحماية هذه  الأموال القذرة.

النقطة الاسوأ هي أن هذه المنظمات والعصابات تم تشريع عملها  بمباركة الاحزاب والسياسيين وأصبحت جزءا من السلطة التنفيذية والدفاع، ويستخدمونها لأسكات اي صوت معارض، ولشراء أو أسكات الصحافة المعارضة، وأدركت الصحافة بأنها تعمل ضمن هذه الحدود الموضوعة لها، فلم يعد للسلطة الرابعة أي تأثير سوى التوجيه الفكري مدفوع الثمن.

ايران وبقية دول الجوار وعدت العراق بحماية الحدود ودعم اي جهة ستستلم الحكم في العراق، في الوقت نفسه تم القاء القبض على كثير من الارهابيين اعترفوا بانهم تلقوا تدريبهم في دول الجوار وقاموا بتهريب السلاح عبر الحدود الى العراق. وكل الجهات تعلن برائتها من العنف (نحن ابرياء من دم يوسف براءة الذئب). مشكلة الحدود كانت وما زالت معضلة كبيرة في طريق أمن العراق.

لا زلت عند رأي (الميلشيات آفة العراق).

الامريكان بدورهم ارتكبوا اخطاء متعمدة لحماية مصالحهم أو غير معتمدة بناء على مشورة مستشاريهم من العراقيين القادمين على ظهر الدبابات الامريكية ولا شأن لهم بالعراق إلا مصالح ومنافع شخصية. كثير من الاستشاريين هم مستشاريين مزورين صعدوا على متن الطائرة في البلد الذي يسكنونه وهم يمتهنون الحلاقة أو القصابة وهبطت بهم الطائرة في بغداد وهم البروفسور فلان والدكتور فلان. هؤلاء الاشخاص تولوا مناصب عالية في المؤوسسات التي كانت بحاجة الى اصلاح منذ الفترة البعثية، فكل ما حدث في هذه المؤسسات أنها انهارت الواحدة تلو الاخرى، وأكل الفساد كل اعضائها. الكارثة الحقيقية في الموضوع أن هذه المجموعة استبعدت طبقة التكنوقراط لكي لا تنفضح واصحاب الدراسات العليا ممن فتح فمه وفضح فساد هذه المؤوسسات إما قتل أو تمكن من الهرب قبل أن يقتل. هذه هي حقيقة تصفيات اصحاب الشهادات في ذلك الوقت.

قلت بعد ذلك يتوجب على الامريكان المسك بزمام الامور وإلا لن يبقى العراق بلدا موحدا. بلد سيتحول الى مناطق صغيرة تمثل المذهب، القومية أو الحزب، أما بالنسبة لدور الاتحاد الاوربي قلت حينها  وإذا لم يتدخل الاتحاد الأوربي فسيفقد ثقله في الشرق الاوسط والى الأبد.

يدرك العراقيون اليوم ما يجري وراء الكواليس، لكنهم لا يستطيعون العمل لنجدة انفسهم لأن كل مفاتيح السلطة تم تقسيمها بين الاحزاب والمذاهب. وهذا يعني أن العراق سيصبح بلدا مقسما بناءا على هذه الخارطة المذهبية والقومية والطائفية، وأن الولاء للقومية والمذهب سيكون اساسا لهذا التقسيم وسيكون الولاء للشخوص هو السمة الاساسية لهذا التقسيم وسيبقى المواطن العراقي حبيس محافظته بسبب هذه النزاعات والتصفيات، وهكذا ستكون اليد العليا للمنظمات الارهابية.

قلت بعد ذلك لو تحقق هذا السيناريو فسيكون الرابح الاكبر في المنطقة هو ايران وستكون شبه محتلة للعراق، وعندها لن تهنأ امريكا بخيرات العراق، إلا بتوافقات أعمق.

الجملة الأخيرة التي كتبتها سيحن العراقيين الى زمن صدام، ليس حبا بصدام بل لأنهم شاهدوا أن الديمقراطية المزعومة قد سلمت أقدارهم بيد المتطرفين. استشهد هنا بالحوار الأخير بين عزت الشابندر وشخص من الانبار قال الشابندر في زمن داعش  ووجه كلامه للأنباري:

- تطالبون اليوم بعودة الامريكان، وكنتم تقولون أنكم تقاتلون المحتل..  قاطعه الرجل قائلا

- يا سيدي هذا شرف ندعيه، لكن أنتم من جئتم على ظهر الدبابات الامريكية، للإطاحة بنظام صدام.

أجابه الشابندر مقاطعا  بأسى:

- لو كنت بهذا الوعي الذي أنا عليه اليوم لوقفت مع صدام ضد الامريكان.

.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم