صحيفة المثقف

وقفة على حادثة سقوط 73 آية من سورة الأحزاب

eljya aysh"السيميائية" أنقذت كثير من المفسرين في اختلافهم في مسائل تتعلق بالتفسير القرآني

اختلف المفسرون في تفسير آيات القرآن الكريم بسبب اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم، حيث ظهرت تفسيرات كثيرة فرقت بين المسلمين، ما دفع بالمفسرين إلى أن يستعينوا  بالسيميائية في تحليل النص القرآني بتقنيات منهجية مستمدة من علوم البلاغة علم الجمال وعلم الدلالة والبنيوية والإحصاء، والواقع فإن هذا الاختلاف حول كلام القرآن وقراءته وتفسيره وجمعه، كان سببا في سقوط 73 آية من سورة الأحزاب التي كانت تقع في مائتي ( 200) آية، وقد سقطت هذه الآيات في زمن أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما جمع القرآن أو في زمن عثمان عندما كتب المصاحف

يرجع لفظ السيميائية  إلى الأصل اليونان   semeionالذي يشير إلى سمنة مميزة  أو أثر أو قرينة  أو بصمة وغيرها من المفاهيم ويمكن جمعها في كلمة sema  التي تتألف من دال ومدلول، وهي ترجع كلها إلى كلمة سمو، وسم، وقد سمي العرب كل عال سماء، والوسمي هو أول المطر، ويقال فلان موسوم بالخير وفلانة ذات ميسم إذا كان عليها أثر الجمال، وفي الاصطلاح تعرف السيميائية بعلم الدلالات أو علم العلامات انطلاقا من الخلفية الإبستمولوجية، ظهر هذا العلم  في بداية القرن العشرين مع العالم اللغوي فيردمان دي سوسير f.d. saussure والفيلسوف الأمريكي شارل سندرس بورس، ثم الفيلسوف الألماني كاسيير، وقد حدد الباحثون عدة اتجاهات للسيميائية منها سيمياء الثقافة، أي لا يمكن للعلامة أن تؤدي وظيفتها ودلالتها إلا من خلال النظر إليها في مجالها الثقافي.

واستعمال السيميائية في تفسير النص القرآني اعتمدها الكثير من المفسرين، عرضها الدكتور خالد كاظم حميدي كلية الشيخ الطوسي جامعة النجف الأشرف خلال ملتقى دولي حول الفهم بين النص والقرآن، في دراسة أجراها مقدما سورة الكوثر كعينة، فأسماء السور القرآنية كانت كلها توقيفية من الرسول (ص) إذ جعل لكل سورة اسما خاصا يميزها عن سواها، وقد أشار السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن، وهناك أسماء اجتهادية غير توقيفية، أما عن سورة الكوثر فقد جاء في الدراسة السالفة الذكر أن اسم الكوثر اسم توقيفي واحد هو الكوثر وهو المثبت في المصحف الشريف، ولسمان اجتهاديان هما الأول جملة وهو : (إنّا أعطيناك الكوثر) والآخر كلمة وهي (النحر)، ويرى الباحث أن الدخول إلى عالم النص ينطلق من العنوان، والكوثر كما يقول صفة للمبالغة نحو قولهم رجل كوثر، أي كثير العطاء والخير، ولذا تعني الكوثر صفة وموصوفا، (الكثرة هي الصفة والخير هو الموصوف) ما جعلها تكون خصبة التأويل، لقد سأل الرسول (ص) أصحابه: أتدرون ما الكوثر؟ ثم قال: إنه نهر وعدنيه عليه ربي خيرا كثيرا، وهو حوض ترد عليه أمّتي يوم القيامة.. فأقول : يارب إنهم من أمتي..الخ، وقيل الكوثر هو الإسلام، وقيل إنه القرآن، وقيل النبوة، وقيل كثرة النسل من ولد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وقيل كثرة الأصحاب والأتباع، وقيل التوحيد، وقيل في سورة الكوثر كلام كثير، بحكم أن كلمة الكوثر تستطيع استيعاب معاني جديدة ترتبط بقدرة المُؤَوِّلِ وأدواته وثقافته وخبرته الجمالية وما تناسب مع مقتضيات العصر، وأشارت السورة إلى الأبتر، ولهذه الكلمة تفاسير عديدة، فهي تشير إلى أن الكوثر هو فاطمة وولديها الحسن والحسين، لأن نسل الرسول انتشر بواسطتها وله امتداد رسالي لصيانة الإسلام.

وفي دراسات أخرى اختلف المفسرون للقرآن الكريم في تحديد مفهوم "الأميين" الذي تحدث عنه محمد عابد الجابري وهشام جعيط ومن ردّ عليهما ومنهم الدكتور خالد الكبير في كتابه "أباطيل وخرافات حول القرآن الكريم والنبي "محمد"  وهي قراءة نقدية لفكر الرجلين، فقوله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..الخ الآية 02 من سورة الجمعة، والمقصود هنا عند الجابري العرب بحكم انتماء الرسول إلى أهل قريش، وكانوا يتكلمون بلغة القرآن أحين كلام، لكنهم لا يعرفون القراءة والكتابة، وفي قوله: وكنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" الآية 78 من سورة البقرة، بينما يرى الدكتور خالج الكبير  أن هذه الآية خاطبت جماعة من اليهود من دون إشارة إلى أصلها العرقي، وأكد على هذه عديد من العلماء ومنهم الطبري في تفسيره، وإنما أريد بها عدم معرفة القراءة والكتابة، وأن الكلمة لا علاقة لها بالعرقية، لأن الجماعة  التي ذكرها القرآن كانت من أهل الكتاب، ولكنها انت تجهل ما في الكتاب، لأنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة، وليست خاصة بالعرب  جميعا كما قال الجابري، بل العرب المشركين الذين لم يؤمنوا برسالة النبي.

فالدكتور خالد الكبير وهو ينتقد الجابري لم يوضح بين كتب واكتتب،  مثلما جاء في سورة الفرقان الآية 05 : " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا"، وقال أن الجابري توصل من تأويله ولم يق تفسيره إلى أن الأميين من العرب هم الذين ليس لهم كتاب مُنَزَّلٌ،  ثم قال ان اليهود  سمّوا غيرهم بالأميين لأنهم يجهلون التوراة، وبالوقوف على بروتوكولات حكماء صهيون نقف على هذه المقاربة، ويمكن تفسيرها أن القرآن لما نزل على الرسول عن طريق الوحي نزل مسموعا أي شفهيا وبلغة أهل قريش، وعملية السمع مكنتهم من فهمه، قال المفسرون أن القراءة تعني الإطلاع والنظر مثلما في قوله تعالى في الآية 14 من سورة افسراء: " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"، وقد خص الله هذه الآية ليوم الحساب فيه يطلع المرء على ما قدمه في حياته من أفعال حسنة أو سيئة، (اليوم هلك سلطاني، يا ليتها كانت القاضية ,,الخ).

يوضح الدكتور خالد الكبير في كتابه عن رواية ابن إسحاق أن الرسول لما نزال عليه الوحي وأمره بالقراءة، قال لجبريل: ماذا اقرأ؟ يتبين أن الرسول كان يجيد القراءة،  عكس رواية البخاري، الذي قال  أن الرسول في رده على جبريل قال: ما أنا بقارئ أي أنه يجهل القراءة، وهذا يبين أنه أميٌّ،  تقول الكتابات أن جبريل هو من علم الرسول الكتابة والقراءة،  وقد سبقه في ذلك النبي يوسف عليه السلام، لما علمه ربه القراءة والكتابة وتأويل الرؤى وهو صغير، رغم أن الاثنان ولدا في بيئة ترعى الأغنام، وهذا حال الأنبياء والرسل، يزودهم الله بأسلحة العلم والمعرفة وما لا يقدر عليه الإنسان العادي، وقد وقعت خلافات  بين الدكتور خالج الكبير والجابري، خاصة ما تعلق بمسألة القراءة والتلاوة (اقرأ واتلُ) والخلاف بين (التابعين والصابئين) وأن أحاديث التابعين ضعيفة، وأحاديث الصابئين صحيحة وموثوق فيها،  حسب خالد الكبير فلفظ الأميين معرب ولا أصل له في اللغة العربية ولكنه مصطلح قرآني كباقي المصطلحات القرآنية التي لا أصل لها في اللغة العربية، وقد اختلف علماء اللغة في أصل كلمة أميّ، بعضهم يقول انها عربية  لكنهم اختلفوا في مصدرها اللغوي، في حين يرى بعض الصحابة ومنهم عبد الله ابن عباس أن الأميين قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله إليهم ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا هذا من عند الله.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم