صحيفة المثقف

عاجزُ عن الكتابة

neeran alobaydiكثيرا ما فكرتُ بالشاعر خليل حاوي، وما هي اللحظة السبرانو التي قادته للانتحار، تقفز إلى ذهني عشرات الأسئلة التي امتلكت اللحظة، اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان، بعد المكان بالمنفى الأسترالي عن بيروت، جلد الذات ربما، نهاية شيطان الشعر، لكني رجل جبان لا أمتلك شجاعة هذا البطل ولا يمكن المقارنة، بعدها أرى أمامي كيف خرجت فرجينيا وولف إلى النهر تملأ الحجارة في جيوبها لتغرق نفسها، الشيء الأكيد الذي يخطر ببالي حالة اليأس التي شعرت بها فرجينيا بعد إصدار كتاب السيرة الذاتية وحالة الإحباط باستقبال كتابها ببرود المتلقي .

قرأت رواية الشيخ والبحر، استأنسست بها، أرنست هيمغواي كان مصابا وتعرض لصدمات كهربائية، لا، لا يمكن المقارنة فهو كاتب كبير وله جمهوره أما أنا فكاتب حقير يجلس أمام جهازه الإلكتروني لكنه يتمتع بكثير من الصحة وقليل من الانزعاج .

وصف لي مرة طبيبي الخاص بعض الحبوب المضادة للاكتئاب، تناولت حبوب السلكسا عبر ثلاث سنوات كنت أشعر بأني إنسان مفتعل، يرتدي القناع، كان هناك بطء في كلامي وحركة فكي الأسفل،إضافة الى تلبد مشاعري، سابقا كنت أبكي حين تنتابني حالة اليأس،أما الآن فلا أستطيع إنزال الدموع، إنها الحبوب عليها اللعنة

صارحتُ الباحثة الاجتماعية فقالت: لايجوز أن تترك الحبوب،

قلتُ : إنها تمنعني عن الكتابة، تسلبني مشاعري، تجمد الدموع في أحداقي، أنا بحاجة للدموع وإلى المشاعر في كل لحظة أعيشها، هل تعرفين عن ماذا أتكلم بحق الجحيم، أنقصتُ مقدار الدواء وقصمتُ الحبة إلى نصفين، فعلتُ ذلك دون استشارة الطبيب، لم يحدث شيء، كل شيء يبدو على ما يرام، بعدها تركت الحبوب، أعجبتني فكرة التحرر من القيود، لا سلكسا بعد اليوم، عندما جاءت اللحظة التي فكرتُ بها كانت مختلفة تماما أيها السادة

إنها لحظة الشعور بالعوق عن الكتابة، العجز الذي انتابني من البوح،الدفق الذي كان لا يعتقني إلا وأنا أنهي آخر كلمة من الرواية، أنهض بعد منتصف الليل مذعورا كالمجنون، أكتب ما رأيته في حلمي و يدي تضغط على زر الكي بورد دون إرادة مني، أصنع الكلمات دون أن أمسح شيئا، أتعرق، أجوع، لا شيء يمنعي عن الاستمرار، أكمل مع آخر هجيع من الليل، أتمتع بمشاهدة الفجر عبر نافذة مكتبي وأنا أضع ثقل نقطة النهاية، فجأة شعرت بالفراغ الذهني، افتقدت متعة التحدي، قلت ُ لا بأس، استرخيتُ بمطالعات لا طائل لها، اكتشفت سذاجة كتابات عمالقة الكتَّاب، ضحكت من التناص في بعض النصوص، قلت المزيد من القراءات تقودني للإبداع، كرهت كلمة الإبداع التي تشعرني بعوقي وعجزي، تتبعت أساليب الكُتاب، الكل هراء، الكل يحشو رواياته بمزيد من الكلمات، إحداهن قالت : تأكد أن لا تقل رواياتك عن 30 ألف كلمة وإلا عدَّت قصة طويلة . بدأتُ أحسب الكلمات وأعد السطور والصفحات، ألاحظ عادة الكتَّاب بالحشو والسرقة، أضحك حينما أعرض كتاباتي من أجل المراجعة اللغوية،أرى نصوصها محشورة في روايات من راجعها، أنا لاشيء، أنا وهم لأني أعرف تفاصيل ما كتبت، قالوا: الشهرة تزيد الكاتب حرصا على إبداعه، أصبحت أبحث بالكوكل قبل اختيار اسم للرواية خوفا من التشابه، أحاول البحث عن أسلوب غير مطروق لكن كتاب أمريكا اللاتينية لم يبقوا طرقا غير سالكة . شعرت بالضيق والاختناق، تفتقت مخيلتي عن فراغ، أشعلت سيكارتي، ارتشفت بعضا من نبيذي، طاردتني أخطائي الإملائية، خجلت من كلمات النقاد، شعرت بالضعف وبعجز لا يطاق، تذكرتُ كافكا وهو يقول الانتحار هو الحل الوحيد

فتحت درج مكتبي، سحبت سلاحي الناري، وضعت الفوهة في فمي، أطلقت إطلاقة الانطلاق، رايت جثتي مرمية على الكرسي وأنا على ارتفاع، الفرح يملأ قلبي فقد أوجدت أجمل نهاية لكاتب لا يستطيع الكتابة

 

نيران العبيدي

كندا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم