صحيفة المثقف

صورة (أرشيا)

sardar mohamadلي مرسم صغيرالمساحة يقع في أحد أركان حديقة داري، أقصد الدارالتي أستأجر فلا يعقل أني أمتلك داراً فخمة في الهند كهذه في حين لا أمتلك ميليمتراً واحداً في بلدي العراق، وكيف أمتلك فهل أنا برلماني لا سمح الله أو سارق أو شهادتي مزوّرة؟

الغرفة التي جعلت منها مرسماً بُنيت كبيت للحارس وفيها يتوافر الكهرباء طوال اليوم أي مثل العراق تماماً !!!! علماً أن الهند تستورد النفط .

لا يأخذكم الظن بأني برجوازي .

هذه الدار بحديقته الواسعة التي تذكّر بحدائق النوادي الصيفية في العراق لا سيّما عندما أحتسي البيرة المثلجة (لأنه لا يوجد زحلاوي في الهند) أيجارها 500 دولار فقط وتقع في منطقة راقية جداً (أي شبيهة بالإيجارات في بغداد!!) .

المرسم فيه مايحلو للمحترفين من مواد رسم مختلفة فرش، زيوت – ليست لزحلقة الأشياء بعض على بعض – وإيكرلك،ألوان مائيّة، كانفاس، ورق – ليس للعب القمار بل للرسم – مذيبات مختلفة – لإذابة الزيوت وليس الأجساد- .

زارني أحد العراقيين الأغنياء جدّاً (جداً ... صارت ضئيلة واللغويون يحاولون ايجاد بديل مناسب يتلائم مع أموال العراق المنهوبة) .

 أخبرني أنه مليونير،فقلت بسرعة الحال من بعضه فأنت - مليونير - وأنا  - مديونير- .

أردف وأنا برلماني فقلت في نفسي : أظنك برمائي .

جاء إلى الهند ليعقد صفقة تجارية ضخمة (تعادل أضعاف رواتب المتقاعين والمتعاقدين جميعاً .

سألني : كم ورقة ايجارهذا البيت؟

- مامعنى ورقة؟

 - مائة دولار .

فهمت كم هي مبتذلة في العراق فسميت ورقه .

- وكم دفتر ثمن هذا البيت؟

- قلت لم أفهم معنى دفتر، فضحكت، فسأل : لماذا تضحك؟

قلت لا، أنا تربوي وأعرف أن الدفترللعلم والأدب وليس عملة للتداول

- أنت تعيش في زمن – دقناووز باشا – العلم رحل والأدب غادر، ففي العراق الديمقراطي تستطيع فعل كل شيء بالمال،تستبدل – أم الجهال – بأخرى ذات حسن ودلال ومن ربات الحجال وتبتعد عن القيل والقال،وتستبدل سيارتك بأخرى مصفّحة .

زار الرجل مرسمي فلمح بورتريه زميلتي (أرشيا) وكنت قد رسمتها باللباس الهندي التقليدي وكفّها مخضبة بالحناء، وتتعلق بأرنبة أنفها – خزّامة – وتتدلى من منتصف جبهتها قطعة حلي تصل إلى مفرق حاجبيها قرب البقعة الحمراء الدائرية وشم الهنديات المعروف، فقال : من هذه ؟

قلت - أرشيا  - زميلتي في معهد الفنون وتعمل (موديلاً) .

وكأي ذكوري سال لعابه واهتز كيانه وحتى سراويله .

(بروح أبوك عرّفني عليهه)، وأفهمته أن يزيح ما خطر بباله جانباً، فمثل أرشيا لا يشجيها ماله ومركزه، إذن أشتري الصورة ؟ فطلبت منه مبلغ خمسة الف دولار ثمناً .

قال: كم استغرقت في رسمها؟

قلت: يوماً واحداً.

قال: (لعد شدعوه هذا المبلغ).

صدرت ضحكة رقيقة من اللوحة، ورأينا أرشيا تبتسم عن برد، وأذهلتنا عندما تحدثت فحكت لنا حكاية الخطاط عندما جاءة شخص يريد كتابة اسمه على لوحة خشبية صغيرة بعد أن كاد يهم بالمغادرة وقال غداً تجدها جاهزة، فرجاه الرجل أن ينجزها في ذلك الآن، فعاد الخطاط لمحترفه وأنجزاللوحة خلال دقاق، وطلب من الرجل مبلغاً من المال، فامتعض الرجل وقال: خمس دقائق عمل مقابل ثمن باهض كهذا؟

لا يا سيدي ليست خمس دقائق بل نتاج جهد ثلاثين سنة .

خجل التاجر من حاية أرشيا، وقال:

(- يمعوّد ولا تديربال) .

البرلماني يقضي اربع سنوات لا يفعل شيئاً ولا يبذل أي جهد ثم يتقاضى تقاعداً خرافياً طوال عمره .

إشترى اللوحة وهو جذل .

في اليوم الثاني دخلت مرسمي وعلّقت مكان لوحة أرشيا لوحة لأربع نساء ثكالى متحلّقات حول تابوت وهن يلطمن وجوههن ويخمشن خدودهن، وفوجئت بأنهن خمس نساء .

يالله من أين جاءت الخامسة؟

متأكد من أني لم أرسم سوى أربع .

رن ّجرس هاتفي، فسمعت التاجر يصرخ وهو يرتعش، هربت زميلتك من اللوحة وتركت مكانها أبيض .

إقتربت من لوحة الثكالى،تنبهت إلى أن خامستهن هي أرشيا

أرشيا .. أرشيا ... أرشيا ....

التفتت وعرفتها من لباسها وحليّها، قالت وهي باكية:

أرجوك لا تفرّط بي وتتركني عند هذا الغبي فيعلقني على جدار أقل ثخناً من مخه .

 

سردار محمد سعيد

.....................

* أرشيا زميلة في معهد الفنون تدرس الرسم .   والقصة هي الثانية من مجموعتي غير المطبوعة – العوم في بخور الهند –

نقيب العشاق بين ذرى قنديل وقمم هملايا ..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم