صحيفة المثقف

عرب في أمريكا

mustafa alomariعادةً ما تشير الدراسات الاجتماعية والنفسية الى إمكانية تغيير طبيعة وسلوك الأشخاص،تبعاً للموقع الجغرافي والبيئة التي يسكن بها الفرد . لكن التغيير الذي تتحدث عنه العلوم هو مع الاشخاص المولودين في البيئة الجديدة او المتفاعلين معها، أما أولئك الذين تصّلب عودهم في بلادهم الاصلية فيكون التغيير عسيراً ومجهداً ومكلفاً. أخطر المراحل التي يعيشها المتصلبون من العهد القديم هي حرمان أنفسهم وأبنائهم من إمكانية التفاعل والانجذاب مع العادات الجديدة الحسنة التي فيها رقي الانسان والتقارب نحو مشروع موحد لخدمة البلد والمجتمع .

لامناص من ان العربي تعلم في بلاده أشياء نافعة وبعض التقاليد الحسنة، لكنه بقي مسكوناً بما مورس عليه من ضغوط سياسية وعرفية ودينية، فأضحى كمن يحاول الانعتاق من ماضٍ فيه تعسف أمام حاضر يحمل قدر كبير من الفسحة والانفتاح، وبين تعسف وانفتاح يعيش الاشخاص حالة الانفصام والازدواج.

من المخاطر التي يحملها العربي القادم الى الغرب هي، وهم في نزعة التسلط، فبالوقت الذي يهاجر العربي من بلده المشحون بلغة التشابه والسلطة الفردية، صوب الغرب الذي يعزز إمكانية الفرد بالنهوض مستقلاً عن رأي الجماعة، لتكوين أفراد واعين مع مقدرة على إتخاذ قرارات خالية من الاملاءات الاولية. يشكل بعض العرب مؤسسات تتقارب مع الوهم وتبتعد عن الواقع محاولةً إسترجاع النزعة الاولية، من كبت وضغوط وحرمان، فتحاول تلك المؤسسات، الهيمنة بدون أي مشروعية أخلاقية او قانونية، مع تصرفات وممارسات فيها النصيب الاكبر من وحدانية التسلط، كما يقول ابن رشد.

أسكن الولايات المتحدة منذ أكثر من عشرين عاماً، تغيرت خلال هذه الفترة حكومات ورئاسات ومجالس بلدية، الشئ الذي لم يتغير هو عقلية العربي المتغرب، فعندما يكون رئيساً لمؤسسة، فعملية الالتصاق بالمنصب غير قابلة للإنفكاك، وليس مسموحاً بالحديث او التفاوض حول تعيين دماء جديدة لأستبدال رئاسة قديمة، يجب ان يكون الرئيس هو ذاته الى ان يأمر الله بإزاحته الى دار الاخرة. أكثر من عشرين عاماً ولازال بعض الواهمين يتشبثون بوهم السلطة، أغلب المراكز الدينية هنا بقى فيها رجالها دون تحريك . أغلب المؤسسات التي تزعم أنها الاكثر نفوذاً وقيادةً هاجعة كما رأيتها أول مرة . معظم الاشخاص الذين يحاولون التسلق على أنهم قيادات فاعلة في الجالية العربية لازالوا متخفين خلف المصدر المادي القوي او الدعاية الاعلامية لما يمتلكونه من إمكانية التسويق عبر صحف واذاعات تابعة لهم .

لم تتغير عقلية العربي كثيراً، فهو لازال يحاور بطريقة المنتصر بينما الواقع افضى عن خسائر جسيمة في الهيكلية العامة للجالية العربية في أمريكا.

الجالية التي نقلت عقدها وأمراضها الى المنفى الجديد، لم تبارح العيش مع عقد التأريخ او ضغوطات السياسة القمعية في بلادنا العربية، وأصر البعض ان يكون رئيساً وهمياً لمؤسسة وهمية لأفراد لا وجود لهم الا بعقل ذلك الوهمي.

الانتخابات التي تجري في الغرب وفي أمريكا بالتحديد، يكون الفاعل العربي او المتحدث باسم العرب لا يمثل الا نفسه او جوقة من أصحابه ويكون الترشيد للإنتخابات بمثابة تجنيد فعلي، بحيث تكون الاصطفافات واضحة وعلنية مبنية على صفات يحددها العقل الغث، فالدين والمذهب والدولة والقرية او الضيعة من الصفات الرئيسية التي يعتمدها العقل العربي الساكن في أمريكا كشرط للإنتخاب. ولا تحتاج مثل هذه الثقافة لترويج كبير فعقل الشرق اوسطي جزئي ومتحيز على رأي سكمند فرويد. أحدى المؤسسات العربية في أمريكا،فيها كادر من بضع محامين وو رجال أعمال، تتحدث بالنيابة عن جميع الجالية العربية الامريكية، لكن هذه المؤسسة المفرطة بالضغائنية والاستعلاء، ليس من أعضائها عراقي او سوري او مصري او يمني بينما نسبة اليمنيين عالية مقارنة بالجاليات الاخرى . كنت أعتقد ان مؤسسة تتحدث باسم الجالية العربية يمكن لها ان تحرز العدد الاكبر من الاعضاء والمريدين، إكتشفت لاحقاً ان هذه المؤسسة التي يديرها لبنانيون لا تمثل الا أصحابها وهي تمارس الغل والمقت ضد اللبنانيين . في إنتخابات سابقة كانت هذه المؤسسة ضد رئيسة المجلس البلدي (عربية) وبين رئيسة المجلس الفرد الطموح وبين وهم وتخبط مؤسسة يكون الفاصل الصوت الانتخابي، فكانت الصرخة مدوية عندما سحق صوت الفرد الحقيقي وهم وفشل المؤسسة البائسة .

أعتقد أننا يجب ان نفقه ثقافة الانتخاب وتحضر الدولة التي نعيش فيها، لسنا بحاجة لأنتخاب العربي لأنه عربي، هذا التمايز يجب ان نهمله ونغادر الى ما هو اسمى وانفع، فالدين والطائفة والعرق ليست من مقومات نجاح الدولة المدنية والتعايش السلمي . كم من عربي فاسد ومرتشي وطائفي متحيز في مناصب الدولة أضر بالعرب والسمعة العربية، بينما نجد ان كثيراً من الامريكان لا يكترثون بالطائفة او العرق .

لازال العربي فيه بقايا رماد الحريق الطائفي والتحزب الكريه ولازالت الاغلبية تتصرف بعقلية البلد الأم، ولازلنا غير قادرين ان نتفاعل مع النهضة العالمية .

لذلك أقترح تغيير وجوه القيادات في الجالية العربية، وتعيين طاقات شابة ومتفاعلة مع البيئة الامريكية وغير مهتمة لتأريخ الشرق الاوسط بشكل عام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم