صحيفة المثقف

"بوجا" والغانية القمحيّة

sardar mohamadلا كنظراتهن، ربما نظرتي اليه  كمعجبة وربما نوع من العطف حتى انتبه، ووجد ضالته .

سرعان ما افتقد فيّ الرغبة،وأحجم عنّي إلى أن غادرني عائداً إلى بلده الذي طالما قال عنه أن الأشرار وحثالات القوم يتحكمون بمقاليده، ومع ذلك عاد،وعلى الرغم مما كان له معي من مواقف مريرة تبعته لخوفي عليه،دون أن يدري، وهذا ما تعلّمته منذ صباي في عالمنا.

هنا وقبل الرحيل أعيتني رغباته، وهبته مالا أريد و يريد،وغصبت نفسي على مالايريد وأريد .

رضابي مرٌّ في شفتيه،وطعم رضاب السافلات كالعسل .

يقول :لا تشجيني امرأة تستلقي ككيس قش،ولم أكن قط كذلك.

يندلق من الميمنة إلى الميسرة وبالعكس مثل مكّوك نول الحائك .

أتعبني سيد التنقل هذا.

ربما أنا أقل معرفة من الإنسيّات في طلاسم الإغراء ولا أحسن التضوّرفي الفراش .

ربما التمرغ في الطين ألذ من الإنصهار في النار .

ولربما تعوّدعلى نساء كلفافة التبغ سريعاً يمتصها ثم يرميها لأقرب سلّة قمامة.

أو قد أكون ولا أدري حجراً ثقيلاً لا يزحزحه سيل جارف، لا فائدة منه إلا لنحت نصب .

ليس من طبعي أن أكون ليّنة،بل خشنة ولكن كرداء صوفي

كل يوم أستعد للقائه أهرع إلى المرآة،أتعرى، أمثل دور غانية سافلة، عاهر، ثم سرعان ما أعود إلى عالم الجن .

أفور بسرعة كالحليب المغلي وأخفت بلحظات .

اختارُما يعجبه من ملابس محززة ومخرّمة تذيب الحديد،وأوضاع غريبة حتى أني حاولت مرّة تقمّص دور كلبة تستدرج كلباً، واعوي مثلها تماماً .

من المستغرب أن جارته التي تمتهن الرذيلة، لها ابنة قمحية اللون لا تملك نصف جمالي وقدرتي على التحول لكن اهتمامه بها ضعف اهتمامه بي .

حركات وخفقات جسدها يفوق حركاتي وخفقاتي وانا عارية، حتى أصابعها تحركها كأصابع عازف بيانو ماهر .

القطط متشابهة لكنها تستدرج الذكور بحركات ذنبها إلى حاويات الأزبال .

الحمامات تستدرج الذكور فينحدرون على اسلاك الكهرباء الرفيعة دون خوف.

فهمت أن حركات الجسد فن أكثر تأثيراً من الجسد نفسه .

عندما عاد سكن في الطابق الأرضي في شقة أرضية تكتسح الرطوبة جدرانها تشقق سافله فاتخذتها الصراصيرملاذاً من الحر .

الجارة تسكن في الطابق الأول في شقة مطلية بصبغة بلون الدم،بابها لا يفتح إلا لزبون سخي الدفع .

زوجها يقبع مثل الخنفساء في زاوية سوّرت بشراشف صفراء مبقعة بآثار الغزوات الجنسية ويكتفي ببقايا الويسكي الذي يخلفه الزبائن .

إبنتها القمحيّة اللون أنثى ناضجة الأنوثة وعيون الزبائن تترصد حركاتها .

الأم انتظرت قرابة عشرين عاماُ لكي تساوم عليها لمن يدفع أكثر.

معاشرة بكر تستفزعقول الذكوريين وتسيل لعابهم .

الفتاة القمحيّة اللون لابد لها من المرور بشقته المتوحة النوافذ طلباً للضوء والهواء عند نزولها على الدرج الوسخ وهي تتمايل كسنابل القمح مع هبّات النسائم .

تتبادل معي النظرات وأناممسك بفرشاة الرسم كتمسّكي بالحياة .

صعدت إلى شقة العاهر وطرقت الباب

قالت: شكلك لا يبدوكزبون .

 - لا أنا جارك في الطابق الأرضي .

- وما الذي حذفك عليّ ؟

- جئت أسألك مساعدة معنوية .

- ما نوعها ؟

- أريد الحصول على جواز سفر.

- أدخل لنتحدث .

دخلت ُوالرهبة تملأ كياني فلم أعتد دخول منازل تطفح رذيلة حتى هواءها، ولكني مرغم، لم أجدمن سبيل غيره .

ندمت لتركي " بوجا " الجنيّة الوديعة، التي تعطي ولا تأخذ .

كم كنت قاسياً معها ومع نفسي، ليتني أستطيع استدعاءها لتنقذني من مطب أوقعت فيه نفسي دون وعي

أجلستني الجارة على أريكة رائحتها زنجة كرائحة سياسي تاجر، وقالت : أتعرف أنني لا أفعل شيئاً دون ثمن ، وأعرف أنك لا تملك درهماُ فائضاُ، الجواز سيكون عندك وثمنه يسير للغاية، توقيع على وثيقة زواج ابنتي وطلاقها دون أن تمسّها .

طلبت مهلة للموافقة على شرطها الخبيث، وعدت إلى شقتي واستلقيت على ظهري وشبكت كفّي، وأحسست أن الرائحة الزنجة اكتسحت كل مسامي .

إذن لا بد من أخذ "دوش" ساخن، ومع رغوة صابون غزيرة .

هرعت إلى الحمام وجعلت الماء ينهال على جسدي كشلال، وبدأت فقاعات الصابون تنمو حول رأسي .

على حين غرة انحبس الماء،فأغمضت عيوني، وتتداخلت الفقاعات بعضها مع بعض وشكّلت هيكلاً بهيئة آدمي ولم تستغرق  اغماضتي غيرثوان قليلة إذ رأيت الهيكل قد دبّت فيه الحياة،فإذا بأنثى غاية في الجمال أمامي فحاولت الهرب لكنها ببرود أشارت من موضعها بأصبعها لباب الحمام فانغلق مصدراً صوتاً فغطيت عينيّ بكفيّ كي لا أرى فسمعت الباب يغلق ويفتح بالتتابع والماء يهبط بقوة كأنه موج بحرطغى .

أغمي عليّ ولما فتحت جفنيّ وجدت نفسي في زورق أحمر اللون مشكّلاً مع زرقة البحر تضاداً غريباً قلّما يُرى في الطبيعة، وبملابس بيضاء، وعند رأسي طاووس يظللني بذيله الملون ويحركه بخفة إلى أعلى وأسفل جالباً نسيماً عليلاً .

طار الطاووس واختفى في الأفق ثم عاد، تصوّرت أنه هو،فبدا كنقطة لحظة كان في عمق الفضاء وراحت النقطة تكبر وتكبرإلى أن اتضحت ملامحها .

لم يكن الطاووس، بل طائر آخر كبير، ضخم، له جناحان ضخمان غطى ظلالهما الزورق .

على ظهره غانية ليست بغريبة ملامحها،

آه هي غانية الحمّام .

جناح الطائريخفق مرة ليبقى دقائق معلقاً في مكانه، لكنه بدأ يهبط بهدوء وحين مست قوائمه الزورق هبطت الغانية بهون، فاستعدلت بجسدي وقفت ونظرتني بعين العطف قالت : لم تحدس من أكون ؟

 أنا  حبيبتك " بوجا " في معهد الفنون  التي أهملتها وكلما حاولت أن أضمك إلى عالمي كنت تفرّ مني، ورحلت، عدت لبلدك الذي لاقيت فيه المرارة والنصَب، وبقيت أتبعك دون أن تدري،وأرى ما الذي سيحصل لك وكان ما توقعتُ، أردت الخروج ثانية ولما أعيتك السبل التجأت لعاهر فاشترطت عليك شرطاً حقيراً، وهنا قررت التدخل وانقاذك، وها أنت اليوم مخيّر بين الرجوع إلى عالمك الرديء وبين مصاحبتي إلى عالم الجان، فاعزم قبل أن يطير هذا الطائر ولك عهد مني يوم يرحل الحثالات إلى مزابل التاريخ أن يعيدك إلى بلدك الجميل،وسأكون معك ولن أفارقك أبداً.

 فقط أذكّرك أنني بيسر أستطيع التحول فأتلوّن بلونها مرة،وبلون أمها مرة، وبلون من تريد، وبأي شكل يروق لك، ولن يذوي شبابي مثل غانيات الإنس.

- ولكن أين كنت طوال المدة الفائتة .

- هذا مالا يخطر على بالك ولا يصدّقه مخك وعقلك ولا الناس. كنت معك،فأنا لا أستغني عن أنفاسك، وحرارة جسدك وبرودة أوصالك، فكنتُ لك الدفء دون ان تحس، وكنتُ التي كانت تناجي جفونك حتى تغمض  .

ألم تسمع تراتيلاً تأتيك في الحلم؟

ألم تحلم مرّة برجوعك طفل بين ذراعي أمك؟

كنت ُالغطاء والوسادة والحلم .

 

سردار محمد سعيد   

....................

"بوجا" سادسة القصص في مجموعتي غير المطبوعة – العوم في بخور الهند –

نقيب العشاق بين ذرى قنديل وقمم هملايا ..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم