صحيفة المثقف

مقامة: هو وليلى

ameen sabahkobaناجيته وكلي ألم، يامخرج النور من الظلم، ويا بارئ السقم، ويا جامع الأمم، خلصني بقدرتك من الهم إذا أحتدم .

وأختتمت نجواي بالبكاء .وسألته أن يرشدني الى عاشق ولهان، قد طمرته الأزمان، فغاصت حكايته في غياهب النسيان .قد شغلني ذكره، وألهمني سطره، واستهواني شعره .فرحت أنقب عنه في أحشاء المواقع، لعلي أجد له اثرا على الواقع . فلما وقعت على الحكاية، أجهدت نفسي بمعرفة الغاية، وسألت نفسي: أ تركَته غصبا أم غواية؟. حتى غرقت في ألف رواية ورواية .قالوا انتقصها أمام العوام، ولم يكن بينهما غير ما في رأسه من أوهام .وقالوا أرهقه أستيطان الأغراب، وإعراض الأحباب. وأذله سوء الحال، وقلة المال، وربما رفض الآل لتلك الحال.

وبعد جهد وعناء، وكرب وإعياء. وسقم وسهاد، سمعته في جامعة بغداد، يرتجف من الإنشاد ويقول :

يا قبلةُ الحبِ يا من جئت أنشدُها

شعراً لعل الهوى يشفي جراحاتي

ذوت أزهار روحي وهي يابسة

ماتت أغاني الهوى ماتت حكاياتي

ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي

و استسلمت لرياح اليأس راياتي

جفت على بابك الموصود أزمنتي

    ليلى وما اثمرت شيئا نداءاتي

صحت فيه : يا راوي الأوراق الذابلة، ويا راكبا أمواج الدموع الجارية. يا من بلغ بنجواه العلى، فأنار بأحزانه الدجى، وأطرب أنفسنا بذكر ليلى. قد غشتك النوائب، فرويت العجائب.

فقاطعني صوته منشدا:

نفيتُ وأستوطنَ الأغرابُ في بلديْ

ومزقوا كل أشيائي الحبيباتِ

خانتكِ عيناكِ في زيفٍ وفي كذبٍ؟

أم غرك البهرج الخداع ..مولاتي؟

قلت :غابت نجومك بصد ليلاك، فصدعت رؤوسنا بحديثٍ أضناك، هلّا كففت عن المناجاة، بتهويل الترهات، وسرد الإفترائات .لم تتركَّ لأجل الغنى .بل صدها عنك دهر عنود، وزمن كنود. وأعلم أن ربك الذي يسمع ويرى.هو موزع الارزاق، وجامع النفوس اذا ما شتتها الفراق .

 وإن المال مادة الشهوات، فلا تأسَ على ما فات، وأشكر ربك في الخلوات، وفي النور والظلمات.

قال:إن الأمور اذا اشتبهت أعتبر آخرها بأولها. ولا أراك تختلف عني بشيئ. ألست الذي صدعنا بإيلاف؟.

قلت: بلى

قال :يا صاحب المقامات من لم ينجه الصبر، اهلكه الجزع .وإن من حذرك، كمن بشرك. فأكبح سيل شعرك الجراف، ولا تنشغل عن الباطن بالغلاف، وأذكر إن جل أحاديثك اعتراف، فلا تنصدم يوما بصد إيلاف.

قلت :صدتك ليلى مرتين، فذهبت سنوات عمرك في حبها . علمتني ألّا اعشق مرتين،

وإن الوفاء لمن شيم العاشقين، يورق أغصانهم اذا ما تداعت اغصان الناكرين، ويبجل سيرتهم إذا ما رحلوا عن العالمين.

قال مكملا قصيدته :

لامو أفتتاني بزرقاء العيون

ولو رأوا جمال عينيك ما لاموا افتتاناتي

لو لم يكن أجمل الألوان أزرقها

  ما اختاره الله لونا للسماوات

قلت:

يا عينُ .. يا خضْرَاءُ .. يا واحةً

خضراءَ ترتاحُ على المرمرِ

أفدي اندفاقَ الصيف من مُقلةٍ

خيِّرةٍ .. كالموسِمِ الخيِّرِ

يا صَحْوُ .. أطعَمْتُكَ من صحَّتي

لا يُوجدُ الشتاءُ في أشْهُري

قال: من لي بحذف اسمك الشفاف من لغتي

إذا ستمسي بلا ليلى حكاياتي

واستمعت الى أبياته وأصغيت، وعانقته ومضيت، ودونت حديثي معه ورويت. ثم انشغلت بذكر إيلاف، حتى أوشك سري على الأنكشاف. فتحايلت على الجمع ووليت . وعن الأنظار أختفيت .

 

امين صباح كبة

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم