صحيفة المثقف

ارتسامات حول نص شعري: غرفة.. وممرات للشاعرة مليكة فهيم

malika faheemاختيار واعي بأهمية استحضار كينونة المثقف / المبدع المؤثر في أحد جوانب الفكر والمعرفة والثقافة العالمية، كتيمة أدبية للإسترجاع الذاكري من خلال الإحتفاء الشعري، لتثمين حضوره / الغائب.. حضور تراثي ابداعي معرفي، وغياب جسدي / موت..فناء .. من هنا كان اختيار الشاعرة مليكة فهيم، اختيارا واعيا، بالوفاء لذكرى الروائية والكاتبة الإنجليزية، فرجينيا وولف، وذلك عبر توظيف سرد شعري، الغرض منه، اعادة تشكيل فني مقاربة جمالية لجانب من بعض سيرتها الذاتية الكبيرة، برؤية فنية، المتجلية من خلال اضاءات رواياتها وكتاباتها الإبداعية، بالإضافة إلى رغبة الدائمة للروائية بحق امتلاكها لغرفة خاصة بها، في اشارة لتحصين خصوصية لامرأة كونها مبدعة، وحتى حق كل النساء للحفاظ على ذواتهن بمعزل عن التلصص الاجتماعي والتطفل على حياتهن الخاصة،.في اختيار واعي للحفاظ على الحرية الشخصية، عبر وحدات رمزية أو نوافذ لغرفتها، انطلقت من عتبة تستلهم مدخلها من الغرفة (غرفة .. وممرات).. لتتجزأ في التوصيف السردي إلى الوحدات الرمزية التالية :

-غرفة واحدة.

- الجحيم.

- لعنة.

 - الصدى.

 - الماء الأملس.

– القرار

 - اعتذار...

 جاء هذا التراتب مقصودا، ليلامس صورة تلخيص مركز ودقيق، يجمل بفنية شعرية بعض المراحل الحياتية لفرجينيا، والتي اتسمت يتقلبات مزاجية ومرضية للروائية خارجة أحيانا عن السيطرة..الغرفة الو احدة التي طالما تمسكت الكاتبة بارتباطها، هي الغرفة التي ستكون منطلقا لمعاناتها الرمزية..الإحساس بالوحدة الداخلية، رغم انفتاح عيشها، وحدة تمزق الذات باسترجاع آثار صور أليمة من ماضيها، وحياتها المشبعة بسحق ذاتها من طرف أقرب الناس إليها، في تدنيس سافر لإنسانيتها، وأيضا نتيجة لتوالي ظروف اجتماعية صعبة، مهنية صحية، عانت فيها من احساس شديد بالقهر، ثم الدفع بالتبرم والسخط من واقعها، الى حين اتخاذ القرار المؤلم من تكسير صمتها ووحدتها بالغرفة بالإنتحار غرقا في النهر، مع اشارة موحية للكاتبة في اختيار مكان وزمان فعل تقتيل ذاتها انتحارا في النهر، مرتمية في قعره بمعطف مثقل بالحجارة، وذلك لترسيخ ذكرى هذه اللحظة المؤلمة لها، كفعل حاضر يجاري حضوره / ذكراه، كجريان النهر، لضمان استمرار حضورها الرمزي كمبدعة، ولو بعد موتها القهري للجسد، مع تبرير اعتذاري مؤلم لذاتها لزوجها ومن خلاله الآخرين، وهذا ما جسدته الشاعرة بفنية في ترتيب لحظات تمسك بعضا من معاناتها..اختيار الوعاء الشعري لاسترجاع بعضا من هذه اللحظات الخالدة لروائية كبيرة ..مجازفة ابداعية تتسم بالجسارة الفنية، والتمكن البلاغي من تقريب بروفايل أدبي، ليس من السهل ملامسته، بغيرمرجعية ثقافية فكرية واعية، تؤثث الأساليب الفنية التي تمتلكها الشاعرة..بداية من استحضار نفس شعري طويل، مرفوقا بإيقاعات صوتية ولفظية، تزيد عمقا جميلا لصورها الشعرية .. مع تهافت خيال مبدع في صياغة لقطات تصويرية ناطقة بالدلالة .. والجميل أكثر، أن تمر بذكر هذه الرؤيا الفنية للكاتبة من خلال بوح سلس كأنه حلم وسط غرفة تطل من خلال نوافذها على تفاصيل مشاهد مجزءة ومقطوعة من حياة فرجينيا وولف بدهشة، مستعرضة الأسماء والأحداث والأمكنة، والتفاصيل الصغرى للأحداث المتوالية الى حين النهاية ...نهاية البوح، وليست نهاية سيرة لروائية كبيرة، أكبر بكثير من أن تلخص أثر وبصمة وجودها الإبداعي، شذرات هائمة في معانقة المعطى الفكري والمعرفي لموضوعاتها.. هذا الإفتتان بملامسة ارث ابداعي لروائية كبيرة، دافعه تراكم معرفي، يتوخى في بعده الفني، تقريب استحضار الشخصية المبدعة / الروائية ..من القارئ، عبر وسائط معرفية ابداعية تتمثل في المثن الشعري، حيث الصوت الفني، والجمالي بدوره، يضيف قيمة الإستمتاع بنص شعري حابل بالمعرفة والفكر..

قد أكون فضوليا أكثر من اللازم في محاورة نص شعري، بمرجعية فكرية عميقة، تستعصي على التفكيك بدون امتلاك وعي نقدي يسائل النصوص ويستقرئها بدراية منهجية..ومع ذلك، اخترت المجازفة .. عشقا مني للإبحار في ثنايا النصوص الإبداعية ..إنها مجرد طلة صغيرة فقط، من نافذة صادفتها مفتوحة على نص أثارني لجماليته ..ومعذرة إذا نسيت اغلاقها بعد مروري .. تحياتي وتقديري لك أيتها الشاعرة المبدعة..

 

حسن حصاري

................

للاطلاع

غرفة وممرات / مليكة فهيم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم