صحيفة المثقف

تشتت (1)

sardar mohamad2وهذه ليلة أخرى تمر كئيبة، وكأن وحدتي صخرة قهر تقيلة كُتب عليّ حملها، هل عثرت الألهة فيّ سيزيف الأنثى لأحملها ولا تتركني حتى في أنأى الجحيم .

إذن أنا بطلة اللا جدوى،

بلوغ أفئدة الرجال النظيفة صعب على من لا يمتهن غير الخوف ممارسة، ولا تجارب، ليتني كنت اللات لعظّمني سائر الرجال، ولا أحسبني غير الصخرة المربّعة التي تجلس عليها، ولخرجت النساء حسّرا يبكين هدمي، أبي وأمي حجراني لخوفهم من مجتمع يتمتع بنتوءات الصدور المنبثقة للتو، وارتجاج الأعجاز، ويفخر بفحولته عند نهش طفلة، وكانوا محقين في جانب واحد ومجانبين الصواب في جوانب كثيرة .

 لافائدة ترجى من أحاسيس حبيسة صدر واحد، تترجح بين ذاتين أنثوية وذكورية .

أدمنت الكذب على ذاتي، وتركه شديد ولا أستطيعه كما يطلب من صحراء تخليها عن سراب .

 مراودة ذكر لاوجود له أتخيله معي في السرير ويعد لي قهوة الصباح ويقبل مابين حاجبيّ لأنهض من فراشي الدفيء، ويسير معي في الشارع شابكاً كتفي، والفتيات الأنيقات لا تتحول أحداقهن عني غيرة، واستوقفني عند بائع الزهور وقدم لي باقة حمراء حلم ليلي، وفجأة تنهال على رأسي مطرقة الحقيقة فأعود إلى خيبتي .

 فلا وجود حقيقي لمن يسكن ذاتي، وأحس بسخرية الأشياء من حولي المرآة وأدوات الزينة والأمشاط المختلفة الحجوم والمستوية الأسنان .

عرفت الحقيقة متأخراً فلأصدق مع نفسي سريعاً ..لابد من الإنتفاض على عائلة وهبتني الجاه والمال ولم تهبني العاطفة والحنين

.ولدت لخطأ اقترفه والداي في لحظة تمرد ونشوة غشت العيون والقلوب .

هكذا ظننت نفسي فائضة على البشر،

لا فائدة من وجودي، حتى العاهرات يجد فيهن الزناة لذة،

 وحتى الحجر يتلذذ عندما يكنى حجر عثرة في طريق .

والوردة تهب العطربلا ثمن .

وجودي من عدمه سيان .

وأنا لاشيء، أنا كالصفر،

غيرعارفة أنه واسطة قلادة بسلك ذي طرفين لا تعرف بدايته ولا منتهاه .

كم تصورت نفسي فتاة العربة الموشاة بالزمرد، وكم حذاء رميت لكن الأمير الفارس لم يأت .

قطارالعمريتجاوز محطات الكبرياء المفتعلة .

فطنت لذاك متأخراً، تبسطت وتركت سيارة أبي التاجر الكبير.

فضلت ركوب الباصات مع الناس البسطاء والإختلاط بهم .

وبعد شجار مع أمي التي كانت تدعو لي في كل صلاة .

: رب هب لها عيشاً رغداً وارزقها بابن الحلال .

 تجرأت وقلت: كفاك دعاء فالله لن يستجيب لطيبات القلوب البريئات السريرة والشياطين تستجيب للعاهرات.

سبب قوي لتأخري في الزواج القوقعة التي غُلفت بها .

: سيراني شباب كثر ورجال كثر ولعلي أتعرض لتحرش شيخ فأنتفض في ظاهري بينما أسر في داخلي .

2 -

ها أنا أستمتع بالأنوثة .

فات زمن مذ تفتحت زهرة الشباب ولم تؤثرفيّ أنثى حتى أن صديقي "فرحان " حين استقدم عاهرة ورفضت الممارسة معها سخر مني

: لا تجعلني أشك برجولتك .

 تعطلت سيارتي وحزنت عندما أخبرني"الميكانيكي" سيستغرق تصليحها أياماً، وعليّ التنقل بوسائط النقل العامة، ولكن كما يقال رب ضارة نافعة . فرحت عندما وقعت عيني عليها للمرة الأولى، كنّا واقفين في الباص متقابلين وبين دقيقة وأخرى يختض بنا وأتمنى لو انها تسقط في أحضاني ولكنها متمسكة جيداً بالعمود المعدني اللمّاع ليتها تجيد التمسك بي، وأحيانا تجد نفسها مرغمة على اسناد فخذها على العمود، وعندها أتمنى أن أكون العمود، وتسمرت عيناي على طول خط انبعاج ثوبها بين الفخذين، متخيلاً ليونتهما ولونهما النحاسي، غير أنه لم يخطر ببالي الشعر المعشوشب حولهما والمغطى بجورب بعناية خشية الأنظارالمترصدة، ذكرت لي ذلك فيما بعد عندما توطدت علاقتنا وقالت ساخرة

: أنتم الذكور لا تفكرون إلا بما دون الثياب، وتعشقون كل ما خفي عنكم وتظنونه جميل وحلو وصقيل إلا قلوبنا ومشاعرنا فتشكون في حسنها وصفائها.

قلت: لا تلومينا هذا ما علّمنا إياه المجتمع والتاريخ وكتبة الأديان ولكن كان عليّ تذكّرقصة بلقيس عندما حسبت الصرح الممرد لجّة فكشفت عن ساقيها وأمر سليمان فجلبت لها النورة .

قالت: اليوم لا تستعمل النورة بل مزيلات شعر كيمياوية حديثة .

فعانقتها ونحن نقهقه معاً .

3 -

بقيت واقفاً في شرفتي المطلة على البحر المتوسط وبيدي الكأس أترع الخمرة الحمراء الجزائرية الغامقة والتي يسميها صديقي فرحان النفط الاسود وأنا انظر لمساحة البحر الواسعة حتى نهايتها إذ تلتصق بالأفق كعشيقين أزليين، متسائلاً هل من فرصة مع عاتكة لتأمل معاً هذا الإلتصاق .

رشفت رشفة أخرى فرأيت كأن الأفق يترنح برجات تشبه رجات ما جرى اليوم في الباص الحديث التي لا تقارن مع رجرجات الباص الخشبي الذي أقلنا من الريف الهادىء إلى الضجيج والصخب .

لوري من مخلفات الجيش الإنجليزي حوّل إلى باص غلافه من الخشب يستثمرلنقل الفلاحين والخراف وحتى الخضار .

4 -

أتذكر أبي كان كمصفد يديه بيديه، كمستسلم للقدرمترقباً، كمنتظرأملاً قد يأتي به الغيب يفك عقال البعير الكامن فيه وقد لايأتي، يعلق ذاته على جدار الصبر كلوحة، لو غاب الترقب فمن يحل محله، ومن سيعوض لذته .

هل صبر أيوب النبي كان لذيذاً حتى مسّه الضر فنادى ربه .

هل من لذة انتظار رسالة من حبيب تدانيها لذة .

لذة استلقاء شعر معشوقة على كتفي حبيب .

لذّة رصيف محطة يرقب القطار القادم سبقته رائحة سلال الفاكهة التي يحمل .

ظل أبي الفلاح ينتظر سحابة بيضاء تحوم في الفضاء وتلتاث فوق أكواخ الريف الخاوية من كل شيء سوى الخوف والبؤس، لكنها اضمحلت وتجاوت حلمه الربيعي وقرر الرحيل إلى عالم سحائبه رعدها كقرع طبول المنتصرين في حرب وألقها كبريق عيون عاشقة إثر قبلة اختلسها حبيب .

إذن قرر التوجه تلقاء الحرية، تلقاء الهواء النقي وأشعة شمس تشرق على أرواح البشر وتتمشى في نفوسهم بدلاً من الإستكانة لقهر حثالات يزدادون شبعاُ وريّاً في حين يزدادون فقراً وجوعاً .

 أتذكر بوعي الباص الأفطس الأنف والباقي على قيد الحياة يعشق دروب الكادحين الترابية وسار بنا تلقاء أقرب لواء، وكل هزة من الهزات العنيفة تجعلني أتمسك بأذيال عباءة أمي، فيدعوا منظري لتبسم الركاب فتشزرني أمي بنظراة ازدراء إذ تقارنني بأخيها جاسم البطل الهارب من طالبي ثأر أخوة رفيقه في السرقة .

سار بنا مخلفاً وراءه كرات الغبار المتداخلة والهاربة من زفرات محركه المجلجل، ولا يتوقف زفيره إلا بعد عبورنا قنطرة صنعت من جذوع النخل المثبتة فوق " براميل " نفط فارغة طافية على ماء نهير فيتوقف الباص بعدعبوره ويسرع مساعد السائق ليهيل الماء على الراديتور ليخفت فورانه ويزيل مئات من أجساد البعوض والبق النافقة جراء اصطدامها به وهو في أوج حرارته .

5 -

رباه ما هذه الذكريات المرة التي حفزتها فيّ الخمرة وجعلتني أعوم في مياه آسنة ولم أنتبه إلا على رنين الجرس المزعج النغمة كصوت سيارات الشرطة الفاشست في بلداننا العربية يعلن عن قدوم فرحان رفيقي في الشقة .

 بعد مضي وقت ليس بالطويل من قدوم ضيف الظلام وتغشي عينيّ فلا أرى الترنح في البعد وهل دعاهما لفك الإشتباك أم لا .

ما زلت أمقت هذه النغمة وأعتقد أنهم قادمون ليقتادوا معارضاً إلى مثرمة أجساد ثم يرمى في قبره المائي دجلة، يسعدني قدومه بعد هبوط الظلام بقليل خشية أن يكون قد استدرجته إحدى بنات الهوى وأوقعته في شباكها فما أسهل اصطياد طير مكسور الجناح مثله

- تأخرت قليلاً فقلقت

- قلقت علي أم على تأخري في اعدادالسلطة والمزة، خذ يا عزيزي أتيت بها جاهزة، لكنها لا تنسجم مع النفط الاسود الذي نشربه .

 ألا تتنازل عن كبريائك وتطلب من صديقك الديبلوماسي زجاجة ويسكي .

 آه تذكرت أنكما لا تتفقان فكراً فأنت ماركسي النزعة وهو بعثي

- إذن خير لك أن تصمت ولنقارف ابنة الحان معاً

- تعساً هل تسمي هذه ابنة

وقلب الكاس يمنة ويسرة

- بربك هذه إبنة الحان أم عاهرة الحان؟

فرحان الطيب البسيط افتقدته مرة وقمت مع شلة من الهاربين من جورالسلطة في العراق بالبحث عنه وبعد يومين من البحث وجدناه راقداً بجنب برميل أزبال، والمارة لا تعيره اهتماماً وربما ألقى عليه أحدهم قطعة نقد ظاناً أنه مسكين .

6 -

بخضة عنيفة من الباص وأظن أن السائق يفتعلها فهو لا يترك مطباً إلا وسارعليه يقصد ازعاج الراكبين لكنه لم يعلم أن رب ضارة لها نفع، خضة الباص العنيفة أربكت الواقفين أكثر من الجالسين وأسقطت من لم يتأهب لتفاديها وهكذا كادت    – عتيقة – أن تسقط لولا تشبثها بي واحتضاني لها مما أضحك الركاب لاسيما الشباب لكنه أثار امتعاض الشيوخ والنسوة المحجبات اللواتي يغطين نصف الوجه السفلي بلبس – العجار- الذي يشبه منقار طير.

عند نهاية خط السير نزلت ونزلت عاتكة – عتيقة – وبادرتني ألا نجلس قليلاً ؟

جلسنا في الحديقة الدائرية على أريكة خشبية قديمة

- من أي البلاد أنت ؟

- عراقي

- وهنا ضمن حملة التعريب

- نعم، ولكني لم أقصد الجزائر لهذه الخدمة بل تهرّباً من واقع رديء

- تبدو متأثراً لما حصل لك في بلدك، ولكنك الآن بعيد ومعك أنثى وليس رجل أمن وتبدومرتبكا، ألا تقدم لي سيجارة ؟

لا تظن أن الجمال والحسن يحتويهما موضع واحد، إلا إذا كنت من عشاق الخيال والغيب، الجميل والقبيح لا يتفارقان .

7 –

هاهي قصور بغداد، ومات جدي الفلاح جوعاً ولم يتحقق حلمه برؤيتها ولا أقرب لواء لقريتنا .

خشينا النظر إليها لئلا تزدرينا .

بغداد أكثر جموحاً مما تصورت .

لافتات كبيرة ملوّنة تعلن عن أفلام سينمائية، أحلم بارتيادها يوماً، فنانات يخلبن الباب المراهقين والشيوخ وراقصات بلباس مغر .

صور القائد الضرورة يصعقك بنظراته أنى اتجهت .

الشعارات التي تمجدّه تفوق شعارات تمجيد حزب البعث الذي أتى به،

التنديد بأميركا واسرائيل يملأ واجهات الأبنية

لا أتصور مقدار ما استعمل من كميات من الأصباغ وكم بُذل من جهد لتجسيد لقطات صدام البارع في تمثيلها حتى قلت بصوت مسموع لم تبق إلا جلسته في المراحيض، فإذا بكف تشدني من خناقي وكانت كف أبي

- ليس في التسفيه بطولة، البطولة في تفوقك العلمي .

كان خالي كريماً، منحنا غرفة يرقد فيها أمي وأبي وابنتا خالي، متناقضتي التصرف، الصغيرة الهادئة والتي لا تفارق الكتاب ولا شأن لها بالإعتناء بملابسها ووجهها حتى أن أختها الكبيرة المستبدة التي قفزت سور المجتمع وتجاوزة القيم التي تصفها بقيم المتحجرين تسميها "ام شوارب" .

الكبيرة تشعر الناس بأنها متفاعلة مع الحضارة في لبسها وتسريحة شعرها ومشيتها وتصرفاتها كافة غير أن عقبة واحدة كانت لا تتناسب وهذا، بيتهم المتواضع في منطقة للكادحين بناها لهم عبد الكريم قاسم، فكثيراً ما كانت تقع فريسة السخرية أو النقد عندما تسير بموازاة الرصيف القذر والمملوء بباعة بفضلات الطماطم والبصل وقشور الرقي والبطيخ تلقاء دارهم في نهاية السوق عند مصب مجاري الصرف الصحي العارية وهي تتأبط صحيفة بغداد اوبزيرفرباللغة الإنجليزية في حين أنها لا تجيد كلمة انجليزية وتواضع لغتها العربية .

8 –

هل من فائدة ترجى لنبش ماض حتى لو كان تليداً

ذكريات الريف الجميل بؤس وقهرفرض علينا،

ما حاجة الأنسان للبحث في سلّة المهملات

وداعاً أيها الجوع والقهر

أعرف أن البعد عن حقول الزرع وسواقي المياه البنيّة واهتزاز سنابل القمح مؤلم وقاس لكن الجوع أقسى وهنا القهر من نوع ثان

الهرب والتخفي من رفاق البعث لزيادة عديد الجيش الشعبي مشكلة كبيرة

والهروب من فكرة أمي في خطبة ابنة خالي مشكلة أكبر.

وأفردت إفراد البعير المعبد، فاتخذت من الممر الضيّق مكاناً للنوم وكنت أتشوق لمعرفة أسرار الغرفة التي ترقد فيها ابنة خالي الكبرى وأتخيلها في وضعيات مغرية على السرير وغطاء الفراش مزاح عن سيقانها الخلاسية فحاولت مرّات التلصص عليها وكنت أتحين الفرصة لدخول الغرفة وتلمس سريرها ومخدتها، وقد سنحت الفرصة يوم ذهبوا جميعاً برفقة أمي لأمر أجهله .

تسللت إلى غرفتها فلمحت بين ملابسها الداخلية في الدولاب الخشبي العتيق ذي الباب المخلوع مجلة ملونة لماعة .

أغرتني ألوانها وأدهشني حجمها الصغير جداًوشفافيتها، فرددتها بعناية لموضعها وتناولت المجلة بهدوء وبدأت أقلب صفحاتها فدهشت لما رأيت .

عراة من ذكور وإناث بوضعيات مبتذلة،

لم أر من قبل هكذا صور وكنت قد سمعت بها من زميل غني في الجامعة حدثني عنها وقال أنه يملك أكثر من واحدة تثيره لممارسة العادة السريّة، وتمنيت لو أحصل على المجلة، لا بل على صورة واحدة ولم لا أحصل على صورة ألست ذكراً ولكني الآن مدرس بعيد عن التلمذة وفات دور المراهقة، سأسرقها، ولا أظن أنها ستشعر بفقدانها، لا ذهب فكري بعيداً هي ليست بلهاء إن لم تكن بارعة الذكاء في أمورليست ذات بال ولا يعيرها الناس اهتماماً، وحتى لو لم تحس فهل صفتي كمدرس تبيح لي هذا التصرف المبتذل ولا تمنعني من إتمين إثم السرقة وإثم ممارسة غير سويّة للجنس .

وقررت التصرف بدقة وأناة فاقتطاع ورقة بشكل متعسف يبعث على الشك، فهرعت إلى صندوق شفرات حلاقة والدي وسحبت بتؤدة شفرة بغلافها الأزرق وعدت فقصصت احدى الصور ولخشيتي من مسكي متلبس ارتبكت وزاد ارتباكي بسماع حركة الباب فالتفت نحوها فلم يكن هناك من احد سوى الهواء الذي حرك النافذة الخشبية وكانت التفاتتي السريعة كفيلة بمرور حافة الموسى الذربة على ابهامي فحزته حزاً جعل قطرات دم تتساقط وتداركتها بكفي لئلا يقطر على الأرض أو الفراش أو يلوث المجلة .

 استدرت نحو السرير تلقاء وسادة ابنة خالي الصغرى فلاحت لي شفتها العليا التي لم يعد الشعر يكسوها إثر حفّها من قبل أمي بعدإلحاح .

: أنت جميلة يا بنت أخي، لست رجلاً حتى يتباهى بشاربه المفتول .

فعلاً كان الوجه جميلاً بعد حف شعره وأثار غريزتي

ربما الملابس الصغيرة التي لا أدري ماذا تستر وربما ألوانها وتصاميمها الغريبة وربماالصور هي التي أثارت غرائزي، لالا ليس هذا كلّه .

شممتها وعانقتها بعنف فتحسست شيئاً في داخلها، وظننت بادىء الأمر أن ورقاً من أوراق النفاثات في العقد، لكني تلمست ما يفوق أوراق السحر والشعوذة، تشوّقت لقراءة تلك الطلاسم وسأحاول فك رموزها، ولكن لأخرجها أولاً وأشك أن عملي هذا تسمح به الأخلاق أو على الأقل تسمح لي ابنة خالي به، وفكرت في سبب اخفاء الأوراق تلك، ربما تحتوي على طلاسم تأثيرها مريع .

 تغلغلت أصابعي داخل الوسادة فتحسست رزمة أوراق طويت بتعسف، كان عليّ أن أسحبها بعناية .

فذهلت !!!! سحبت بصري صورة المنجل يحتضن المطرقة وشعاروطن حر وشعب سعيد .

هذا ما لم أتوقع ولن أصدق لولا عثوري على منشورات الحزب الشيوعي مخفاة في مخدة ابنة خالي .

مرة أخرى تخيلت صوت اصطفاق الباب فحسبت أني قُبض علي متلبساً بجريمة دخول موقع محرم عليّ ولكن كان مجرد شعوربالذنب فيما لايحق لي العبث به .

كنت جالساً على سريري الحديدي الأسود الصدىء وأفكر في عدد الأجساد التي استلقت عليه دون رفض منه، خفيفة ورشيقة مثل ابنة خالي وربما مورس الجنس فوقه وهو صامدلا يعترض وأنا أصحح عليه أوراق الطلبة وآكل عليه فقد اتخذت منه مناماً ومنضدة لصغر بيت خالي ذي الأثاث القليل والبالي وقد يستعمل كأريكة للجلوس وهذا ما فعلته ابنة خالي الكبرى حين جلست بقربي عليه فغردت أمي بهلهولة خافتة أثارت لكنها أثارت انتباه زوجة خالي فنظرت صوب وجه أمي وغمزت لها فابتسمتا .

9 –

قالت بصوت خافت: هل التأم جرحك أم بعد ؟

وهي ترمقني بنظرة سخرية

لا تهتم فهناك جروح بلا دم ولا تشفى سريعاً، ويبقى ألمها طويلاً، لربما سمعت وقرأت عن جراحات العاشقين، فخفضت رأسي متمعنا في جواب طالبة بورقة من أوراق طالباتي، فأكملت حديثها: يبدو أنك مغرم بالتحديق في أوراق الطالبت فهل كتبت لك احداهن كلمات غزل مما يحفظنه المراهقات، أظن أنك ترغب بذلك، أيختلف هذا كثيراً عن صورة في مجلة أو أشياء أخرى .

- وماهي الأشياء الأخرى ؟

اخطأت سؤال فتاة مثلها تمتاز بقوة وجرأة يحسدها عليها الرجال، وتصورتُ أنها لربما تخجل مني كذكر يخاطب أنثى في مجتمع شرقي ويبدو انه مازال يعيش في أعماقي برغم هجراني الريف مبكراً وتعليمي الجامعي .

قالت بثقة دون وجل يعتريها

- ملابسي الداخلية، هل أعجبك ذوقي في اختيار الألوان ؟ ولماذا هذا التعب كله، وانت اليوم موظف لك مردود مادي وبه يمكن مشاهدتها لا في دولاب خشبي بل على جسد حي، لك أن تسأل زملائك أو أصدقائك عن أماكن وجودها .

قالت جملتها الأخيرة وهي تنهض من سريري الحديدي برشاقة ودست تحت فخذي لفافة صغيرة،

- ماهذا ؟

- لا تخف ليس تعويذه لإغوائك على الزواج إنه لباس داخلي أبيض،

 وهمست: خذ ه وارفعه كراية استسلام لمجتمعك التافه .

10

كنت متلهفاً للقائي مع عاتقة منفردين في شقتي أقصد شقتي المشتركة مع فرحان الطيب المعاشرة في لقائي الأول مع عاتكه وهيأت ما يسرها

ورأى فرحان اهتمامي بالزيارة

- كوعل جبلي تقفز بين نافذة وأخرى، ونظرك يحملق في الشارع الخلفي والأمامي،

أظنك ترغب أن تكون كوجوه بيكاسو بعينين أحداهما أمامية والأخرى جانبية،

وطُرق الباب طرقات ناعمة فقال: بريجيت باردو قادمة

دخلت وعرفتها على فرحان ودهشت لبراءته وحلو حديثه

قال: إسمحا لي بالمغادرة فلي عمل عليّ أن أقضيه .

 فأحست .

أنه يريد أن يخلي الشقة لنا فتبسمت

قلت: لا تتأخر طويلاً .

وثنت عاتكة

فقال بسخرية وهو يوجه نظره تلقاءها: ساعة واحدة تكفي ؟

فقلت: أصمت يا وقح .

عقب: إذن سأغيب أربع ساعات .

فضحكت عاتكة وقالت:

صديقك هذا تحسد عليه

قال فرحان باللهجة العراقية: مو؟

فقالت: أظن معنى "مو" هو أليس كذلك .

فأجاب فرحان اللطيف: هو كذلك .

نقيب العشاق بين ذرى قنديل وسفوح قاسيون

نهاية الفصل الأول لرواية " تشتت" لكاتبها سردار محمد سعيد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم