صحيفة المثقف

إلى كوثر بين (ح) وسليمة

moamar baktawi2تنتمي (ح) لأرض (إيملشيل) وأتربتها.. ماكرة، مخادعة، محتالة، مدلسّة، متواطئة مع إبليس اللعين. تدبّر الأمور بحنكة شيطان رجيم. تتدّخل في الوقت وتزوره.. عيناها كبيرتان مثل غابتي نخيل. عامرة عن آخرها ليس فيها مكان لعظم. قصيدة مملوءة بشطريها فيها من المعاني والأوزان. كانت تزورني في العام مرتين، مرّة حين أنام، ومرّة حين يكون القّمر منشطرا نصفين. خدعتها بدوري مرتين. تغضب وتعود. تزوجت مرتين والثالثة تعمدت الابتعاد عنّي كَيْ تقطع الشكّ باليقين. عرفتْ أنّي لا أصلح بَعْلا لأيّة امرأة في هذه القرية الباردة حتىّ حُدود البّرد. فعلت المستحيل لأبقيها حتى الصّيف الأخير. عصتني وتزوجت زواج عُرفي من رجلٍ وسيمٍ، شبيه بالرجال الإيطاليين (المافيوزيين).. له شعر أسيل رطب وقامة قصيرة. ولكن لمْ أعرفْ لِمَ كان ينظر إليّ من أعلى، منْ قدمي إلى أعلى رأسي. كان يمتلئ كراهية منّي، رغمَ أنّي وإيّاه نتقاسم المَبسم نفسه، والصدر والحنين والاشتياق، واللوعة..

وأنا من أنا.. أنا الممتلئ يُعجبني الامتلاء والبّياض والعنق الصافي الطويل والشعر الأسود اللّيلي. والفرق بينها وبين سليمة، هي الرشاقة، والأنف الدّقيق، والنّعومة والرّقة والصفاء، والشّفتان الرّقيقتان والصّوت الرّفيع الآتي من بحر الشّمال كنسمة فجر جديد مولود من صدفة، والمشية الرّقيقة المتقاربة الخُطى، حمامة عذراء لمْ تَلد بعدُ بيضتها الأولى..

و(ح) العيون الكحيلة ينبعث منهما سحرُ الغّواية والضّياع. أنا اسمٌ على مسّمى، و(ح) بيت شِعر بصَدْر وعُجز عامرين بالمعاني والدلالات والرموز والبيانات، ليس فيها غموض ولا تلبيس إبليس. كل شيء واضح كبيان وتبيان الجاحظ، وكشعر الفرزدق، ومخاتلة كالأسماك، حذرة كالأرانب.

كلانا ذئب يعوي في الوادي يا صديقي وعدوي. أنا وأنت مُصابان بنفس العدوى. نعوي إذا اشتدّ البّرد وعضّنا الجّوع في المكان الخالي والزمن الغاوي. كلانا يُهيج صاحبه ليزداد انبساطا. كلانا غادرٌ بغريمه، يلعبان نفس اللّعبة بأصابع مختلفة. أظفر في النهاية بالغنيمة. الذّئب الّذي يسكنني يربح الرّهان، وذئبه ما عاد يعوي في الفترة الأخيرة، التي ودّعتُ فيها المدينة التي تبدأ بالميم وتنتهي بالتاء المبسوطة.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم